الجمعة 2019/10/04

آخر تحديث: 18:41 (بيروت)

العراق معبراً لانتفاضات أخرى

الجمعة 2019/10/04
العراق معبراً لانتفاضات أخرى
increase حجم الخط decrease
من الصعب أن نحصر الحراك العراقي في نطاق جغرافي مُحدد، سيما بعد الموقف المؤيد للمرجع الديني الشيعي علي السيستاني. ليس المتظاهرون العراقيون، وجُلّهم من الشباب، حالة استثنائية في المنطقة، وتحديداً في البيئة الشيعية، بل يعكسون واقعاً أشمل لسببين أساسيين.

أولاً، كشفت تجربة القوى الدينية الشيعية المدعومة من إيران، على مدى 16 عاماً منذ الغزو الأميركي عام 2003، فساداً واستئثاراً بالسلطة تحت عناوين بالية وفضفاضة، تجاوزت في بعضها ممارسات نظام صدام حسين، مالياً على الأقل. لم تعد الشعارات الثورية برّاقة كما تزال في لبنان بين جمهور "الممانعة"، بل أصابها الإرهاق، سيما أننا نتعامل مع سكان عانوا من سياسة الشعارات الفضفاضة على مدى عقود. كما بات من الصعب على الفاسد أن يختبئ وراء عمامة سوداء أو بيضاء أو سبحة، بل أضحت هذه الرموز عبئاً على صاحبها نتيجة ممارسات أصحابها وفسادهم البليوني (مئات المليارات نُهبت من الخزينة العراقية خلال عقد ونصف).

والحقيقة أن إحراق متظاهرين عراقيين العلم الإيراني وهتافهم ضد نفوذ طهران، وفساد جماعتها في العراق، مُعدٍ، وقد تصل مفاعيله إلى إيران المتأزمة داخلياً ولبنان أيضاً. وهذا يُفسر اندفاع اعلام الممانعة الى تخوين الحراك العراقي، وربطه بالمؤامرة الأميركية ضد إيران، تماماً كما حصل في تغطية الثورة السورية منذ بداياتها.

والحقيقة أن هذا الخوف مزدوج، إذ يعكس أيضاً خشية من تبلور خط سياسي شيعي يختلف مع إيران. من هذا الباب علينا قراءة موقف المرجع علي السيستاني الذي جاء على لسان ممثله في كربلاء أحمد الصافي. الصافي أبدى تعاطفاً وتأييداً للحراك وأعطى الأولوية لأجندة داخلية بعيدة عن المواجهة الأميركية-الإيرانية التي يُحاول حلفاء طهران تقديمها على أي شأن آخر.

وفقاً للصافي​، على السلطات التنفيذية والقضائية والنيابية تحمّل مسؤولياتها في مكافحة الفساد، والاستجابة لمطالب الإصلاح "قبل فوات الآوان"، وعليها أيضاً "الاجتماع مع الفعاليات المؤثرة" (من المتظاهرين والمحتجين). عملياً، طالبت المرجعية الشيعية بمشاركة ما للمحتجين في الحكومة، ربما من خلال إدخال شخصيات محسوبة عليهم أو قريبة منهم في التعديل الوزاري المرتقب. ولا بد أن ينعكس ذلك على جهود تحييد العراق في الصراع الإيراني-الأميركي الجاري حالياً.

السبب الثاني لأن تصير حالة الاعتراض العراقية أشمل، لو قيض لها الإستمرار، أنها تُبلور خطاباً مطلبياً وتغييرياً يُشبه ما يجري في المنطقة، ويكسر حالة الاستثناء الشيعية التي ترسو على أولوية المقاومة، وهي حالة لا متناهية من المواجهات مع الأعداء الخارجيين، مما يفترض التغاضي عن ممارسات الداخل من فساد واستغلال للسلطة والثروة. من يتحدث عن السرقة والفساد وضرورة الإصلاح، "خائن" لأن الأولوية مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، ولو كلامياً.

والحقيقة أن عدوى "الحراك العراقي" في الخارج، تُمثل للمحور الايراني خطراً أكبر من تحدي القوى الدينية الشيعية المتحكمة بالبلاد، ومن الضروري لها وقف التظاهرات، وتفادي تبلور خطابها وظهور رموز لها. واغتيال رموز الحراك العراقي في بغداد والمحافظات العراقية، دليل على هذه "الخطورة"، وأيضاً على شعور بالعجز حيالها. لكن فشل القوى الشيعية في الحكم، وارتفاع البطالة وتردي الخدمات، من العراق إلى إيران ولبنان، كفيل بإعادة إنتاج مثل هذا الحراك، وبمضاعفة تصميم المشاركين فيه كلما ارتفعت وتيرة القمع والإغتيال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها