الإثنين 2018/09/17

آخر تحديث: 10:14 (بيروت)

العقول الصغيرة لا تبني وطناً

الإثنين 2018/09/17
العقول الصغيرة لا تبني وطناً
increase حجم الخط decrease

حدثان على الساحة السياسية هذا الأسبوع كشفا مجدداً عن ضيق مستوى التفكير في قيادة البلاد. أولاً، وزير التربية مروان حمادة أقال موظفة محسوبة على التيار الوطني الحر، بإيعاز من رئيس الحكومة سعد الحريري كما تداولت بعض المصادر السياسية والإعلامية أو من دونه. جاء الرد بإقالة موظفين حكوميين يُمسكان بملفات حساسة في مجالي البيئة والطاقة، وهُما محسوبان على الحزب التقدمي الإشتراكي. أحد ضحايا رد الفعل العوني، كان مسؤولاً عن محمية أرز الشوف، وأبلى بلاء حسناً في وظيفته، على عكس مؤسسات عديدة فاشلة في بلادنا يحتاج تعدادها الى مُجلّد سميك. وزير البيئة طارق الخطيب خرج بتبرير بدا منسوخاً عن أحد المسلسلات العربية التاريخية من زمن الصراعات القبلية، إذ قال إن ضميره مرتاح لأن "البادئ أظلم" و"العُدوان" بدأ بقرار حمادة. النتيجة أننا خسرنا موظفين أو ثلاثة كفوئين، وأن دائرة الأزمة السياسية المتواصلة اتسعت.

الحدث الثاني على ارتباط بتطورات الخلاف المسيحي-المسيحي. بيد أن مطالب القوات والمردة والتيار أيضاً (حُصتان للحزب والرئيس لا واحدة فقط)، حوّلت استحقاقاً مهماً إلى "بازار" لا مفاوضات فيه بل أسعار خيالية من طرف واحد. على سبيل المثال، تطالب "المردة" بواحدة من حقيبتين، إما الأشغال أو الطاقة، وفقاً لما ورد في الإعلام. وهذا مطلب خيالي لحزب بكتلة صغيرة جداً. والقوات اللبنانية تُطالب بحصة كبرى في الحكومة تشمل أيضاً نائب رئيس مجلس الوزراء، وهو أعلى موقع أرثوذكسي وفقاً للتركيبة الطائفية اللبنانية.

مصادر التيار ردت بأنها لن تسمح للرئيس التنفيذي للقوات بأن يتحول الى "زعيم للأرثوذكس" في حال تسلم الموقع للمرة الثانية على التوالي في ظل هذا العهد. وكأن الموقع، وهو رمزي بالمناسبة، يُتوّج صاحبه زعيماً أبدياً لو تسلمه مرتين على التوالي (حتى كأس العالم لكرة القدم يحتاج الى فوز ثلاثي ليأخذه الفريق المنتصر إلى بلده الأم).

وهذه العقدة المسيحية باتت الأصعب في عملية تشكيل الحكومة، حتى إن بعض الدول المانحة في مؤتمر "سيدر"، والتي خصصت أموالاً في موازنتها لدعم الحكومة، بات يُحاول عبر دبلوماسييه الاستفسار لفهم هذا الخلاف، لا لأنهم يجهلون تاريخ التنافس والاقتتال، بل لعجزهم عن تصديق أن طرفين يعلمان بحجم التحديات وخطورتها، لديهما استعداد للمخاطرة بكل شيء لمصلحة مثل هذه الصغائر. وفي صُلب هذا العجز الأوروبي عن استيعاب هذه العقلية، مخاوف من أن المسؤولين اللبنانيين لا يرون في المرحلة المقبلة مسؤوليات جمّة عليهم تحملها، بل ما زالوا يحملون عقلية الغنائم أمام خزينة مُنهكة ومُهددة.

إنها السياسة بالنكاية ومن الصعب إيجاد تفسير ثان لمثل هذه المقاربة في تشكيل الحكومة. ذاك أن لبنان يمر اليوم بضائقة مالية، وقد تقلّص النمو الاقتصادي فيه خلال سنتي العهد، واضطر مصرف لبنان إلى الإقدام على هندسات مالية مكلفة للغاية، وتخلى عن قروض الإسكان الحيوية جداً لقطاع واسع من اللبنانيين. كل هذه القضايا غير حاضرة في عقلية السلطة والاعلام وفي ملف تشكيل الحكومة وفي النقاشات السياسية. المهم أن يحصل كل طرف على حُصة أكبر ليخرج منتصراً من عملية التشكيل، وكأنها ختام المنافسة لا بدايتها.

بالتأكيد سيعجز الغرباء عن فهم هذه العقلية، لكنه أمر مؤسف. لأننا نحتاج الى من يُفسّر لنا هذا المشهد السوريالي. لكن المهم أننا نعرف النتيجة: هذه العقول الصغيرة لن تبني وطناً أو دولة أو اقتصاداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها