الخميس 2018/06/21

آخر تحديث: 23:57 (بيروت)

لبنان بين يدي ميركل

الخميس 2018/06/21
لبنان بين يدي ميركل
increase حجم الخط decrease

منذ انتخابات الشهر الماضي، تتصرف القوى السياسية الرئيسية وكأننا في عام 2000 أو 2005 أو 2009، إذ يُطالب كل طرف بحُصة من الكعكة الحكومية. حتى إن بعض القوى ذهب بعيداً بحيث انفصل عن نفسه في المطالبة بحُصص حكومية. ذاك أن حصة رئيس الجمهورية ميشال عون مستقلة تماماً عن حصة التيار العوني، وكذا الأمر بالنسبة الى رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، وتياره السياسي.

في خضم هذا البازار الغرائبي، كان لافتاً ورود الكلمات الآتية في بيان وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل يوم الخميس: "من المهم على القوى السياسية أن تنتبه بأن الوقت ليس لصالحنا وليس لصالح أحد على الإطلاق. لذلك نحن بحاجة ماسة للإسراع بإنجاز الاستحقاق الدستوري بتشكيل حكومة جديدة. أنا مضطر للقول للأسف أنه لم نشهد حراكاً جدياً في عملية التشكيل الحكومي حتى الآن. هذا الأمر من موقعي كوزير مالية أجدد التحذير منه وأؤكد على ضرورة الإسراع بهذا الأمر لكي يتسنى للحكومة الجديدة أن تضع يدها على مواطن الخلل وتعمل على تصحيحها".

أعاد خليل الجملة ذاتها مرتين: الوقت ليس لمصلحتنا ولا لمصلحة أحد، ومن موقعي كوزير مالية أُحذركم. ماذا يقصد؟

قبل شهور، حذر صندوق النقد الدولي من نمو نسبة الدين العام الى الناتج المحلي في لبنان، إلى 180 في المئة من 150 حالياً، في حال عدم إجراء الحكومة اللبنانية إصلاحات لتقليص العجز المالي، وتحفيز الاقتصاد لينمو.

تكمن المعضلة الأساسية أمام لبنان في تجنب الوصول إلى مرحلة يعجز فيها عن خدمة الدين العام، وتسديد رواتب القطاع العام. بيد أن موارد الدولة لا تتزايد بالشكل المطلوب، نتيجة الهدر المتواصل وغياب نسبة نمو عالية للاقتصاد. طبعاً، انعكست الأزمات السياسية المحلية المتعاقبة، واندلاع الحرب السورية عام 2011، والفساد المستشري في عقلية الحكم واداراته، سلباً على الاقتصاد اللبناني. ووصلت إلى مرحلة الخطر. فبدأت المؤسسات الدولية بدق نواقيس الخطر مبكراً، حتى وصلت إلى مسامع رجالات السلطة في لبنان. شرعت حكومة الحريري بوضع استراتيجية لتحصيل استثمارات ومساعدات دولية لتحفيز الاقتصاد. سياسياً، أديرت المعركة بشكل جيد، إذ أن لدى المجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي تحديداً، مصلحة في الحفاظ على استقرار لبنان، وهو بلد يستضيف مئات آلاف اللاجئين السوريين. لذا جاء مؤتمر "سيدر" في باريس، بوعود مقبولة للاستثمار في البنى التحتية اللبنانية لدفع عجلة النمو، على أن تترافق مع إصلاحات بنيوية لا نعرف حقيقتها حتى اليوم. ما زالت الإصلاحات تصريحات عامة لم تُترجم على أرض الواقع، حتى بورقة موحدة تُظهر مكامن الخلل التي يعرفها اللبنانيون جيداً.

والحقيقة أن الخفة في التعاطي السياسي مع تشكيل الحكومة، رغم المخاطر الاقتصادية، تدل على مسألتين: أولاً، جهل عميق في اوساط السياسيين في طبيعة الاقتصاد، وتحديداً الوقت المتطلب للاستثمار وتحفيز النمو وتحصيل فوائد الإصلاحات المالية. وثانياً، استهتار بالشأن العام، عهدناه من أقطاب هذه الطبقة السياسية منذ سنوات طويلة.

والمضحك المبكي أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ستجد خلال زيارتها لبنان صعوبة شديدة في فهم ردود المسؤولين اللبنانيين على سؤالها عن تأخر تشكيل الحكومة، وهي شرط للحصول على مليارات "سيدر". هل سيعترفون أمامها بأن العقدة الأساسية تكمن في توزير النائبين طلال أرسلان وفيصل كرامي، أم في الفصل الغرائبي بين حصتي رئيسي الجمهورية والوزراء وتياريهما؟

علّها تُسمعهم بعض الكلام القاسي، كما فعلت مراراً في اليونان، وبما أن المال ما زال بين يديها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها