الجمعة 2018/05/18

آخر تحديث: 06:28 (بيروت)

الدور الأوروبي الصاعد في لبنان

الجمعة 2018/05/18
الدور الأوروبي الصاعد في لبنان
increase حجم الخط decrease

ما معنى توفير الإتحاد الأوروبي حماية للشركات المتعاملة مع إيران من أجل إبقاء الإتفاق النووي معها حيّاً؟ هذه الضمانات الأوروبية إلى إيران، تُمهد لعلاقة أبعد من مجرّد الحفاظ على الاتفاق النووي ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة. الأوروبيون يملكون اليوم رصيداً كافياً يُخولهم لعب دور إيجابي في إيجاد التوازن المطلوب لإستقرار لبنان.

هناك 3 مصادر أساسية لهذا الدور الأوروبي الصاعد.

أولاً، أوروبا باتت اليوم الراعية الأساسية للاتفاق النووي مع إيران. ألا يُضاعف هذا الموقع قدرة أوروبا على الدفع باتجاه الحفاظ على مصالحها في لبنان؟ الرصيد الأوروبي الناجم عن ثبات القارة في التزاماتها، يمنح الأوروبيين وورقة ضغط خفية مع الإيرانيين بالإمكان استخدامها في حال ارتفاع منسوب التوترات الاقليمية. وهذا التوتر حاصل حالياً مع العقوبات الأميركية والخليجية ضد "حزب الله". بيد أن أوروبا وحدها اليوم تُفرّق بين الجناحين السياسي والعسكري لـ"حزب الله"، ولا تزال تجتمع بقياديين فيه. وهذا الموقع الدولي والمرونة السياسية تُخوّلان الديبلوماسيين الأوروبيين لعب دور فاعل على الساحة اللبنانية.

ثانياً، أوروبا داعم أساسي، إن لم تكن الأكبر، للدولة اللبنانية. الإتحاد الأوروبي وحده قدم مساعدات بقيمة مليار و300 مليون يورو منذ اندلاع الأزمة السورية، علاوة على دعم بمئات الملايين من الدول الأعضاء بأشكال مختلفة. هذه المساعدات، تُضاف اليها الالتزامات الأوروبية في مؤتمري سيدر وروما، اللذين يُعززان دور بروكسيل، لا بل يُحولان أوروبا إلى لاعب رئيسي بأوراق متنوعة في لبنان.

ثالثاً، هناك تقاطع مصالح مُفيد مع قوى محلية يترافق مع ليونة في التعاطي مع الشأن اللبناني. بيد أن لأوروبا مصلحة أساسية في تعزيز الاستقرار في لبنان، نظراً لاحتضانه مليون لاجئ سوري، ولكي لا يتحول الى مصنع آخر لقوارب الهجرة إلى الشواطئ الأوروبية. وهناك مشاركة أوروبية فاعلة في قوة اليونيفيل جنوباً، وهي بمثابة استثمار في الاستقرار اللبناني، تُلازمها رغبة دائمة بالحفاظ على هدوء هذه الجبهة. وهذه مصلحة تتقاطع مع أقطاب السلطة في لبنان، وعلى رأسهم "حزب الله". كما أن البراغماتية الأوروبية المبنية على احتواء ومشاركة كافة الأطراف في العملية السياسية، وتعزيز مؤسسات الدولة وتحفيز الاقتصاد، حميدة ولا تتضارب جذرياً مع أي مصالح محلية أخرى، على الأقل ريثما تجد قضية اللاجئين حلّاً لها.

هذه مصادر أساسية للنفوذ، لكن كيف سيستثمرها الأوروبيون؟

بداية، منع التقارب العسكري مع روسيا. قبل الانتخابات البرلمانية، نجحت الضغوط الأميركية والأوروبية في دفع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى تأجيل البحث في اتفاق التعاون العسكري اللبناني-الروسي في آذار (مارس) الماضي. بعد الانتخابات اللبنانية، نُشر سيل من التصريحات والانتقادات الروسية واللبنانية الموالية لها، للحريري، مطالبةً إياه بتوقيع الاتفاق وعدم المماطلة فيه. يُرجح أن يكون الدور الأوروبي في هذا الملف حاسماً، من خلال تأجيل اتفاق التعاون وإبعاده الى حين. ذاك أن أي وجود روسي اضافي على الساحل المتوسط سينعكس سلباً على الأمن الأوروبي.

البند الثاني على الأجندة الأوروبية هو النأي بالنفس. وهذا يعني أيضاً إبعاد لبنان عن مفاعيل التوتر الإيراني-السعودي-الأميركي، مقابل التفرغ للملف الاقتصادي.

ثالثاً، سيعمل الأوروبيون بجد لمواجهة محاولات الإعادة القسرية للاجئين السوريين الى مناطقهم. وباتت في حوزتهم أوراق ضغط كافية لمنع الدولة اللبنانية من أي اجراء في هذا الصدد.

وأخيراً، يحتل موضوعا الغاز والعلاقات التجارية، حيّزاً مقبولاً لكن أقل شأناً من الاهتمام الأوروبي.

بالإمكان قراءة هذا الدور الأوروبي الصاعد في الحراك الايجابي لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي يتصرف بثقة كاملة وكأن التهديد بإزاحته عن موقعه، غاب تماماً. حالفه الحظ بهبوب رياح دولية مواتية. لكن العبرة تبقى في مدى تعاون "حزب الله" وحلفائه حتى لو على مضض.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها