الجمعة 2018/11/02

آخر تحديث: 10:25 (بيروت)

قوارب اليأس من لبنان الى قبرص

الجمعة 2018/11/02
قوارب اليأس من لبنان الى قبرص
increase حجم الخط decrease

ليست مصادفة أن يزور قائد الجيش اللبناني جوزف عون قيادة القوات البحرية في وقت تتصاعد التقارير في قبرص وأوروبا عن قوارب المهاجرين القادمة من لبنان، وفيها يختلط السوري والفلسطيني واللبناني. ذلك أن الرئيس القبرصي نيكوس أناستسيادس أطلق صرخة مفادها أن هذه الدولة الصغيرة التي بالكاد يتجاوز سكانها المليون نسمة، باتت تحت "ضغوط عظيمة" تُفقدها التوازن، وناشد الاتحاد الأوروبي التدخل.

وسبب مخاوف قبرص أنها تشهد انقساماً عرقياً ودينياً بين القسم المسيحي الجنوبي والمسلم الشمالي. كما أن عدد سكان الشطر الجنوبي هو 800 ألف بأعلى تقدير، أي أنهم أقل عدداً من اللاجئين السوريين في لبنان. لذا فإن رسالة قائد الجيش اللبناني من قيادة العمليات البحرية، ستصل إلى دوائر القرار في بروكسيل في سرعة قياسية. وهو قال بوضوح بعد لقاء مع قائد القوات البحرية وضباطها إنّ "التحدي الأكبر الّذي يواجه الجيش حالياً بعد الجهود المبذولة لضبط الحدود البرية، هو ضبط الحدود البحرية لأنّها تشهد محاولات مستمرّة لتهريب الأشخاص والممنوعات". يعاني الجيش اللبناني من فقر منقطع النظير في القطع البحرية العسكرية. على سبيل المثال، لديه مجموعة قوارب حربية بريطانية من طراز "أتاكر كلاس" حصل عليها بعدما قررت البحرية البريطانية قبل ربع قرن (25 عاماً) أنها لم تعد نافعة عسكرياً.

تحتاج قوات البحرية اللبنانية إلى قطع حديثة لمواجهة التحديات المفروضة عليها، والتي تتزايد في حجمها، سيما لو أُضيفت حماية قطاع الغاز والنفط في البحر المتوسط، الى مهامها. كما تتطلب أي زيادة في القطع البحرية تدريباً واعداداً لكوادر بشرية يحتاج إلى وقت طويل.

ولبنان يشهد انطلاق القارب تلو الآخر بصمت من شواطئه باتجاه قبرص، ولا تنتبه سلطاته إلا إذا غرق قارب كما حصل قبل أسابيع في حادث أودى بحياة طفل. أغلب الركاب من اللاجئين السوريين، لكن وبحسب بعض الأرقام، يبدو أن هناك عدداً من اللبنانيين ينضمون إلى هذه الرحلات، كما حصل إبان الموجة الأولى من تركيا. واللافت في كل هذه الموجة الجديدة أيضاً، أن اللاجئين الفلسطينيين في عدادها، وبأرقام أعلى هذه المرة. والسبب واضح بالتأكيد. لبنان يعيش شللاً سياسياً مزمناً، وليس قادراً حتى على تشكيل حكومة من أجل الحصول على الاستثمارات الموعودة لتحفيز الاقتصاد. وسياسيوه الأثرياء من رأس الهرم نزولاً، غير مكترثين بمآل الأوضاع الاقتصادية، بل يرون في مجرد التوقيع على موازنة واجراء انتخابات، انجازاً يستحق الاحتفال به.

قبل يومين، أنقذت السلطات القبرصية 17 مهاجراً سورياً بينهم 5 أطفال جاؤوا من لبنان، وأعلنوا نيتهم تقديم اللجوء السياسي في قبرص. وبحسب الإعلام القبرصي، فإن كل لاجئ دفع 1140 دولاراً للمهربين ثمن القارب. وفقاً للسلطات القبرصية، شهدت الشهور الخمسة الماضية، ارتفاعاً بنسبة 40 في المئة لنسبة طلبات اللجوء السياسي من السوريين. وهذا الارتفاع يأتي بعدما تضاعفت الأرقام مرتين بين عام 2015 (1231 طلب لجوء) و2017 (2480 طلب لجوء).

قبل هذا القارب بأسبوع، وصل آخر على متنه 29 سورياً التحقوا بأقارب لهم. كما أنقذت قوات اليونيفيل قبل أسبوعين قارباً أكبر حجماً على متنه 32 شخصاً، كان نفد من الوقود والطعام وعلق في البحر لأربعة أيام من دون مساعدة. ذاك أن الرحلات، ونتيجة ازدياد ركابها، باتت تُراكم الضحايا نتيجة خطورتها سيما وسط عواصف وتيارات موسمي الخريف والشتاء. وبحسب الأرقام المتوافرة حتى الآن من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، مات 56 شخصاً في أول تسعة شهور من هذا العام (حتى شهر أيلول الماضي) في هذه الرحلات المتواصلة.

هذه الموجة مُرشحة للتصاعد. مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض مستوى النمو، والأهم انعدام الأمل، تبدو المجازفة بالحياة أكثر فأكثر ضريبة معقولة للخلاص من مستقبل بلا أفق على الأراضي اللبنانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها