الإثنين 2018/11/12

آخر تحديث: 14:27 (بيروت)

عندما تُحارب إيران بنا

الإثنين 2018/11/12
عندما تُحارب إيران بنا
increase حجم الخط decrease

من الصعب على أي عاقل الفصل بين أزمة إيران مع نفسها والعالم في ضوء العقوبات الأميركية المتراكمة، وبين التأخير الحكومي. ذلك أن السلوك الإيراني في مواضع أخرى يؤشر إلى اضطراب وتحول، لا إلى استقرار. ومن الواضح أن التصعيد الأميركي الحالي ليس تصالحياً في طبيعته بل طويل المدى، ويهدف في ملامحه الأولى الى اسقاط النظام الإيراني، لا إعادة التفاوض معه في ملفات محددة. مع أخذ الهجمة الأميركية في الاعتبار، هل يرد الإيراني بالإبقاء على التوازنات الحالية مع واشنطن في العراق وفي لبنان أيضاً؟ قطعاً لا.

في العراق، دعا الرئيس الحالي برهم صالح واشنطن الى مراعاة خصوصية بلاده، وعلاقتها مع إيران. والولايات المتحدة لم تعط العراق مهلة 6 شهور مثلما فعلت مع دول أخرى، بل أمهلته 45 يوماً لإيجاد بدائل من إيران في مجالي الغاز والكهرباء. وعلى رغم كلام صالح، تُطالب القوى القريبة من طهران في تحالف الفتح (الحشد الشعبي) في البرلمان المنتخب، بإدانة واضحة للعقوبات الأميركية على إيران. وكلما اقترب موعد انتهاء المهلة، ستظهر معالم هذا الانقسام تدريجياً على الساحة العراقية، بين من يرفع شعار "العراق أولاً"، وبين السائر في اتجاه التصعيد. والعراق يحمل أهمية مزدوجة في ملف العقوبات: أولاً، واشنطن تريد منه خفض الاستيراد من ايران، وثانياً، يرغب الأميركيون في رفع مستوى انتاج النفط لتعويض نقص الانسحاب الايراني من الأسواق.

تريد واشنطن رفع المستوى الحالي للطاقة الانتاجية للعراق، وهو أقل من 5 ملايين برميل، إلى 8.5 مليون برميل يومياً. وهنا تكمن أهمية كركوك التي بإمكانها استئناف ضخ 300 ألف برميل يومياً الى تركيا والأسواق العالمية، من أصل طاقة انتاجية تتجاوز المليون برميل يومياً.

كيف سيتمكن الموالون لإيران من عرقلة المساعي الأميركية لرفع مستوى الانتاج العراقي، وادخال مليارات اضافية تحتاجها الخزينة العراقية؟ الأرجح أن التصعيد في لبنان والعراق، سيحمل عناوين أخرى غير العقوبات الأميركية، مثل الحق بحقيبة هنا أو هناك، أو فتح ملفات فساد أو ربما صراع مع إسرائيل. وقد تترافق هذه الأزمة السياسية مع تصعيد أمني.

في لبنان، ليس تعطيل تشكيل الحكومة سوى خطوة أولى في هذا الإتجاه، سيما أن الأميركيين يُصعدون حيال إيران بشكل شرس ويُوحي بإغلاق أبواب الحلحلة. على سبيل المثال، تلقت شركات نفطية دولية في مطار بيروت تحذيرات من إداراتها حيال التعامل مع الطائرات الإيرانية، ما يعني أن الأخيرة لن تجد وسيلة للتزود بالوقود على المدرجات اللبنانية، كما نشرت صحيفة "ذي ديلي ستار". الصحيفة نقلت عن أحد مسؤولي المطار أن "هذه الخطوة محدودة مقارنة بما سيأتي". هذه المقاربة الأميركية شرسة، ولا بد أن تحاول إيران وضع مكابح لها.

يبقى أن أوروبا تُمثل العقبة الوحيدة المرئية أمام هذا التصعيد الإيراني المرتقب. لكن طال انتظار الحل الأوروبي المتمثل بآلية مالية تتيح للشركات دفع ثمن النفط الإيراني دون أن تطالها العقوبات الأميركية. والتأخير بهذه الآلية غير مطمئن للإيرانيين، سيما أن المؤشرات السلبية إلى الضيق الإيراني بدأت تظهر تباعاً. قبل أسابيع، وبمساعدة إسرائيلية، أحبطت الدنمارك مؤامرة مزعومة لاغتيال أحد المعارضين الإيرانيين على أراضيها، وطالبت بعدها بعقوبات أوروبية على طهران. هل بدأ الإيرانيون باليأس من العجز الأوروبي، أم أن هناك طابوراً خامساً دخل على الخط لتخريب المساعي الأوروبية؟

المهم أن المواجهة تزداد حدة والوقت يُداهم طهران سريعاً. وقد يطير قرار التصعيد أو عدمه من جعبة الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى أيدي من يُريد إعادة علاقة ايران مع العالم إلى حقبة ثمانينات القرن الماضي، عندما كان العنف سيد الموقف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها