السبت 2018/11/10

آخر تحديث: 10:29 (بيروت)

أقل من نصف ترامب

السبت 2018/11/10
أقل من نصف ترامب
increase حجم الخط decrease

غريبةٌ هي مشاعر السعادة التي عبّر عنها ترامب بنتائج الانتخابات التشريعية، فالحزب الديموقراطي المنافس انتزع السيطرة على الكونغرس محققاً نصف نجاح، إلا إذا كان ترامب ينتظر خسارة أكبر. في الميزان لا يمكن معادلة اكتساب مقعدين في مجلس الشيوخ بخسارة السيطرة على الكونغرس، لكن طبع ترامب الإنكاري كافٍ لقلب الوقائع، بخاصة من أجل الاحتفاظ بفرصة الترشح للرئاسة مرة أخرى.

في خطاب انتصاره لا يخاطب ترامب جمهوره الشعبوي فقط، بل يخاطب أيضاً كارهيه في الحزب الجمهوري نفسه، وفحوى الانتصار هنا أنه تلقى هزيمة لها سوابق عديدة لرؤساء آخرين، ولا تُعتبر الأشد في هذه السلسلة. أما فيما يتعلق بجمهوره فيكفي اللعب على وتر المظلومية، أو "المؤامرة" التي يتعرض لها هذا التيار من قبل النخبة السياسية بجناحيها، وأيضاً من قبل وسائل الإعلام التي لم يسبقه أحد إلى وصفها بعدو الشعب. لذا ينبغي، حسب تصور ترامب، الإقرار بأنه رئيس "طبيعي" مثل أسلافه، مع أرجحيته عليهم بسبب تخطيه عقبات أكبر.

أهم مؤشر، خارج خطاب النصر المزعوم، إقالةُ وزير العدل الأمريكي، مع توقعات بإنعاش التحقيق في ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. الإقالة لهذا السبب تأتي خارج الأعراف الديموقراطية التي لا يطيقها الرئيس، ومع ذلك ليس فيها ما يتجاوز صلاحياته ويمكن محاسبته عليه. استخدامها من أجل إثارة المزيد من الشبهات حوله أمر آخر، وربما هذا ما سيسعى إليه الكونغرس الديموقراطي خلال الفترة المقبلة، إذ يصعب وفق المعطيات الحالية تصور الشروع في إجراءات تبتغي عزل الرئيس.

عيْن الديموقراطيين هي على الانتخابات المقبلة بعد عامين، التشريعية والرئاسية، مثلما عين ترامب على الثانية منهما. ومن المرجح أن يعتمدوا خلال ما تبقى من عمر ولايته على إبقائه في دائرة الشبهات، وأيضاً على إفشال العديد من مشاريع القوانين التي تمثّل سياسته الداخلية. في ميزان الربح والخسارة؛ من مصلحة الديموقراطيين خوض حرب استنزاف ترهق الإدارة والحزب الجمهوري، بما أن مردودها مضمون أكثر من خوض منازلة كبرى للإطاحة به. الأمر بطبيعة الحال سيتعدى السياسات الداخلية، فيد ترامب المغلولة أصلاً في الاتجاه الروسي ربما تكون أشد تقييداً، مع التذكير بأن التقارب مع موسكو كان في صلب خطابه الانتخابي.

بصرف النظر عن المبالغة والأكاذيب في الأرقام فإن ترامب يباهي بإنجاز خارجي يقتصر على صفقات ضخمة من السلاح، ومن المعتاد أصلاً انتعاش صفقات الأسلحة في عهد الجمهوريين بسبب الدعم الذي يناله الحزب من لوبي صناعة السلاح. مثلما من المعتاد أن يزداد الاهتمام بمنطقة الخليج، وتالياً المنطقة العربية، بسبب الدعم الذي يناله الحزب من لوبي الصناعات النفطية الأمريكية. أما حماسه لإبرام صفقة لنزع السلاح النووي الكوري فلا يستند إلى معطيات كافية، وسيكون من الصعب جداً المضي في هذا الملف في ظل علاقات متعثرة مع بكين وموسكو.

لا حاجة للتأكيد على أن المواجهة مع إيران لن تبلغ حدوداً قصوى، فمسؤولو الإدارة الأمريكية يؤكدون اقتصارها على العقوبات الاقتصادية. هذا التأكيد كافٍ لحكام طهران كي يشتروا به الوقت، في انتظار رئيس أمريكي جديد بنهج مغاير، وهم لطالما أظهروا من قبل تكيّفاً مع العقوبات الدولية وتجميد الأموال الإيرانية في الخارج، فضلاً عن الخبرة المكتسبة في التحايل على العقوبات من خلال دول وسيطة، بما فيها دول يربطها تحالف بواشنطن. وكما نعلم لم ينجح منطق العقوبات الاقتصادية حتى الآن في زحزحة هذا النوع من الأنظمة الشمولية، لا في كوبا ولا في كوريا ولا في العراق أيام صدام حسين.

في الجزء الثاني من ولاية ترامب قد لا يجد ملعباً مناسباً لمحاولة تسجيل إنجاز سوى المنطقة العربية، أولاً من خلال الإيحاء بمواجهة مختلفة عما سبق مع إيران، وثانياً من خلال صفقات سلاح جديدة قد يُسعفه بها قادة من الخليج، وثالثاً بإخراج ما يسميها "صفقة القرن" من درج مكتبه. الرهان الأساسي فيما سبق سيكون على رضا إسرائيلي يمكن تصريفه في الانتخابات المقبلة، إذ من المعلوم أن النسبة الأكبر من أصوات اليهود الأمريكيين تذهب عادة إلى المرشح الديموقراطي، والرهان لا يتوقف على تلك الأصوات وإنما ينسحب أيضاً على قدرات اللوبي اليهودي في التعبئة من خلال مؤسساته المنتشرة بكثافة، وحتى من خلال التأثير على قسم من الإعلام الذي لا يطيقه ترامب. لكن، باستثناء سهولة عقد صفقات الأسلحة، لا يُتوقع أن تكون الطريق ممهدة، وقد لا يُنفّذ من صفقة القرن سوى الجانب المتعلق بالتطبيع الخليجي مع إسرائيل.

لقد دخل ترامب البيت الأبيض ليصبح خلال فترة وجيزة نصف ترامب الذي أطل بوعود انتخابية كثيرة، وتولى الحزب الجمهوري نفسه فرملته، وحتى التأثير على طاقم البيت الأبيض من أجل عدم مجاراته في نزواته. مع سيطرة الديموقراطيين على الكونغرس؛ يمكن القول أننا سنكون أمام أقل من النصف الذي شاهدناه خلال ما يقارب السنتين، وأمام أمريكا منقسمة بخلاف العظمة التي تعهد "ولو بمحض التبجح" باستعادتها. ومن المحتمل أمام ضغوط الديموقراطيين أن يوازن قادة الحزب الجمهوري بين كلفة الاصطفاف معه أو التخلي عنه، وستكون فرضية التخلي عنه واردة أكثر كلما اقترب موعد الانتخابات القادمة، إذا لم يستطع تحقيق إنجاز خارجي يُعتد به.

في خضم ذلك كله ثمة عاملان قد يلعبان لصالح ترامب، أولهما عدم وجود قيادة ديموقراطية جديدة بمشروع مختلف عن الأوبامية التي فقدت جاذبيتها، عطفاً على عدم بروز شخصيات في الحزب الجمهوري خارج الإطار التقليدي. العامل الثاني هو وجود قيادات في المنطقة العربية متلهفة لمساعدته، وترى في الترامبية فرصة ينبغي انتهازها لترتيب أوضاعها كما تشتهي على قاعدة أنه رجل المقاولات الذي لا يكترث بالحسابات الاستراتيجية أو الأخلاقية. في العامل الثاني تحديداً لا بأس إذا تذكرنا أن الرئيس الأمريكي نيكسون لم يلقَ الحفاوة والتقدير الشديد، إثر انكشاف فضيحة ووترغيت، سوى من حكام منطقتنا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها