الأربعاء 2018/10/24

آخر تحديث: 15:11 (بيروت)

قمة اسطنبول "السورية"

الأربعاء 2018/10/24
قمة اسطنبول "السورية"
increase حجم الخط decrease

من غير الواضح بعد، هل نجح الابتزاز التركي – الروسي المزدوج، بـ "فزاعة إدلب"، في اجتذاب الفرنسيين والألمان ليصبحوا قريباً من المسار الذي اشتقه "ثلاثي أستانة" للأزمة السورية؟، أم أن قمة اسطنبول هي خطوة متقدمة للتفاوض بين المعسكرين الرئيسيين، بخصوص مصير سوريا؟

فقمة اسطنبول المرتقبة، بعد أيام، والتي ستجمع زعماء روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا، للتباحث بخصوص الملف السوري، كانت حصيلة مساعٍ تركية، بدأت منذ أكثر من ثلاثة أشهر، قبل أن تُكلل بالنجاح. ولم يكن الروس بعيدين عن تلك المساعي، فهم وجهوا دعوات علنية، أكثر من مرة، إلى ألمانيا وفرنسا، والولايات المتحدة أيضاً، للمشاركة النوعية في جهود إعادة الإعمار بسوريا. ورفضت الأطراف الغربية ذلك، إلا بعد الدخول في عملية انتقال سياسي جدّية، فصّلوا رؤيتهم لها في وثيقة "مجموعة سوريا المصغّرة" التي سُرّبت قبل أسابيع.

وقد أُجهضت محاولة سابقة لعقد هذه القمة، في 7 أيلول/ سبتمبر الفائت، وأُرجع السبب حينها إلى التهديد الأسدي – الروسي بالهجوم على إدلب، وبدا أن الألمان والفرنسيين ابتزوا الروس حينها، ودعموا الموقف التركي في المفاوضات مع موسكو حول مصير إدلب، ورفضوا حضور لقاء اسطنبول على مستوى القادة، ليُعقد بدلاً منه اجتماع على مستوى مندوبي الدول الأربع. بعيد ذلك، نجح الأتراك في إنجاز اتفاق "سوتشي" مع الروس، وجنّبوا إدلب هجوماً كارثياً. لكن مؤشرين رافقا تلك الأحداث، قد يدفعا نحو تفسير آخر لفشل عقد قمة اسطنبول في موعدها السابق. الأول، كان قبيل عقد القمة، في مطلع شهر أيلول/سبتمبر، إذ صدر تصريح عن الخارجية الأمريكية، قالت فيه إنها "لا ترى بديلاً لمفاوضات جنيف حول التسوية السورية"، ونفت علمها بأي نيّة لمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في القمة المرتقبة، في ذلك الحين. أما المؤشر الثاني فكان بعيد إلغاء القمة، إذ انتشر التسريب الخاص بوثيقة "مجموعة سوريا المصغّرة"، الذي قدّم رؤية غربية للحل في سوريا، معدّلة بشكل طفيف عن سابقتها. ونُسبت صياغة الوثيقة حينها، إلى جيمس جيفري، مستشار الخارجية الأمريكية، المعني بالشأن السوري، والذي بدأ يتحرك بنشاط، منذ توليه مهامه، باتجاه استعادة زمام السيطرة الأمريكية على موقف الحلفاء الغربيين، حيال الملف السوري.

المؤشران المذكوران، إلى جانب غياب الأمريكيين اليوم أيضاً عن قمة اسطنبول المرتقبة، يدفعان باتجاه تفسير مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال تقاوم المساعي الروسية لاجتذاب الغرب نحو مسار تفاوضي بعيداً عن مرجعية جنيف الدولية. كما أن حضور الفرنسيين والألمان للقاء على مستوى القمة مع الروس والأتراك لبحث الملف السوري، بمعزل عن الأمريكيين، يدفع إلى تصور مفاده أن أنقرة وموسكو نجحتا في اختراق الموقف الغربي. واستند ذلك الاختراق بالتحديد إلى "فزاعة إدلب" التي لوّح بها الروس واستثمرها الأتراك أيضاً في الاتجاه نفسه. التلويح التركي تمثّل في الحديث عن مليون لاجئ، قد يتدفقون على تركيا، إذا حصل الهجوم على إدلب، وأن تركيا لن تتحمل ذلك، وستفتح لهم الأبواب باتجاه أوروبا. هذا التلويح التركي ما يزال مستثمراً حتى اللحظة. وبالأمس، نقلت وكالة "الأناضول" التركية، ترجمة لمقال نشره السفير التركي في واشنطن، سردار قليج، عبر موقع "ديفنس ون" الإخباري المتخصص في شؤون الدفاع، والمقرّب من الجيش الأمريكي، يتحدث فيه عن ضرورة دعم الغرب لاتفاق سوتشي حول إدلب، مستفيضاً في الحديث عن خطر مئات آلاف السوريين الذين سيتدفقون إلى أوروبا، والإرهابيين الذين سيتسللون في أوساطهم، إلى هناك. هذا التلويح يستهدف هذه المرة الأمريكيين. وقد نجحت سابقاته في زحزحة الأوروبيين، خطوات، ليقتربوا من مسار "أستانة" المدشن من الثلاثي الروسي – التركي – الإيراني.

وبمناسبة ذكر الإيراني، يبدو أن تغييب الأخير عن قمة اسطنبول، كان يستهدف استمالة الأمريكيين. لكن واشنطن لم تُبدِ استعداداً للانخراط في مسار تفاوضي مع الروس والأتراك حول سوريا، حتى الآن، وإن كانت لم تعارض بشكل علني، عقد لقاء القمة هذه المرة، كما فعلت في المرة السابقة. وهو مؤشر قد يعزز تفسيراً مفاده أن الغرب يحاول اختبار فرص التفاوض مع "ثلاثي أستانة" بخصوص سوريا. وإذا تأكد ذلك فإنه يعني أن الغرب بأكمله يتجه خطوات بعيداً عن مرجعية جنيف، بما يخدم مساراً تفاوضياً جديداً، بمرجعيات جديدة، حول سوريا.

قد يكون من الصعب بمكان، الجزم أيُّ التفسيرين هو الأرجح، في الوقت الراهن. لكن، سواء كانت قمة اسطنبول، تعبيراً عن اختراق روسي - تركي للموقف الغربي حيال سوريا، أو كانت خطوة متقدمة للتفاوض بهذا الشأن، تبدو هذه القمة، التي يغيب عنها السوريون من كل الأطراف، انزياحاً غربياً نوعياً عن مرجعية جنيف، الأمر الذي قد يمهّد لسيناريوهات، أحدها تعزيز مسار "أستانة" بدعم أوروبي، أو الذهاب أبعد من ذلك، وعقد اتفاق إقليمي – دولي، ينهي الصراع في سوريا، بخاتمة تقترب من الرؤية الروسية للحل هناك. فالإصرار الروسي على الخروج عن مسار جنيف التفاوضي، تعبير عن رغبة موسكو في إغلاق ملف القرارات الدولية التي تشكل مرجعية لذلك المسار، والتي تتحدث عن عملية انتقال سياسي في سوريا، تشكل تحدّياً خطيراً لنظام الأسد.

في هذه الأثناء، تراكم تركيا مكاسب جزئية، من اللعب على الحبلين، بين الروس والإيرانيين من جهة، وبين الغرب من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه، تخاطر في التورط أكثر باللعبة السياسية الروسية، والإقرار بقواعدها المفروضة بقوة السلاح، في سوريا. أما بالنسبة للسوريين، تبدو قمة اسطنبول بخصوص بلادهم، أبعد ما تكون عن مصالح شريحة واسعة منهم، قد تكون معرّضة في فترة قريبة، لضغوط من مختلف الأطراف، للقبول بإعادة تأهيلٍ لنظام الأسد، الذي يرفض حتى الآن، إخراجها بشكل لائق، حتى لو كان ذلك عبر عمليات تجميلية، لا أكثر.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها