الأحد 2013/09/29

آخر تحديث: 22:11 (بيروت)

"جنيف 2" أيضاً عنوان تدخل خارجي

الأحد 2013/09/29
increase حجم الخط decrease
بالنسبة إلى وجهة نظر تُعرّف عن نفسها كـ"واقعيّة سياسيّة"، لا شيء من حيث المبدأ، يمنع البحث عن إيجابياتٍ وخروقاتٍ في الجمود السوري، إثر فصل الأسابيع الأخيرة الساخن. تسلسلت المجريات، بدءاً بمجزرة السلاح الكيماوي في الغوطة، وآلت ذروتها إلى الاتفاق الأميركي- الروسي حول نزع السلاح الكيماوي من النظام السوري في مقابل تخلّي إدارة باراك أوباما عن خيار "مُعاقبة النظام السوري" بضربة عسكريّة بدت حينها، لمتابع التصريحات السياسيّة والضجيج الإعلامي المصاحب، وكأنها أتت خلال ساعاتٍ معدودة، لتذوب التهديدات من بعدها في بحرٍ من التفاصيل التقنيّة والسياسيّة بين الأطراف الدوليّة. وبتنا أمام متوالية اختزالات مجحفة: اختصار "المسألة السوريّة" في قضيّة السلاح الكيماوي، واختزال هذه القضيّة بدورها في النقاش التقني-البيروقراطي حول آلية نزعه. من المشروع الاعتقاد بأن ثمة "واقعيّة سياسيّة" تفرض القفز فوق كلّ هذا التجاهل البارد لمعاناة السوريين، والتفكير في إمكان أن تتحرّك الأجندات، بفعل الزلزال الأخير، نحو اتفاقٍ حول انعقاد مؤتمر دولي حول سوريا (جنيف 2) قبل أن يبرد رضا الأقطاب الدوليّة عن الانفراج الديبلوماسي الناجم عن اﻻتفاق الأميركي- الروسي.
في هذا السياق، ليس صعباً أن نجد وجهات نظرٍ شكّلت ثنائيّة، قوامها "جنيف 2" والتدخّل العسكري الخارجي، معتبرةً أن الأول بقي من الثاني. فهل هذا صحيح فعلاً؟

منذ بدأ الحديث عن مقاربةٍ دوليّة تبحث عن مؤتمر حول سوريا برعاية أمميّة، تصاعدت موجات متعددة من السجالات في أروقة المعارضة السوريّة حول الموضوع. إذ يتحمّس البعض لهذا "الحل السياسي"، ويوافق البعض الآخر على مضض، فيما يرفض البعض الثالث فكرة الجلوس مع النظام على طاولة واحدة، أقلّه ليس من دون التزامٍ مسبق برحيل عموده الفقري. وقد عاش الائتلاف الوطني مؤخراً زوبعة تخبّط سياسي حول الموضوع. إذ عبّر رئيس الائتلاف، أحمد عاصي الجربا، عن استعداده للذهاب إلى جنيف، فيما عبّرت جهاتٌ وشخصيات منضوية داخل الائتلاف عن رفضها لهذا التصريح، ووصل الأمر إلى حدّ مطالبة البعض بمساءلة الجربا داخل الائتلاف على موقفه هذا.

بعيداً من المشاعر والنوايا، ما هي القيمة الفعليّة، السياسيّة والميدانيّة، لحضور الائتلاف الوطني "جنيف 2" في حال انعقاده؟ من حيث المشروعيّة السياسيّة، ﻻ يجرؤ الائتلاف الوطني على إنكار الانخفاض الشديد، حدّ اﻻنعدام، لأسهمه في الداخل السوري على مستوى الرضا الشعبي عن أدائه. أما في ما يخصّ الثقل الميداني والعسكري، فلدينا في البيان الصادر قبل أيام ما يدل على وضع الائتلاف الوطني في هذا المجال، وكان البيان صدر عن مجموعات مقاتلة مُهمّة، منها "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام الإسلاميّة" و"لواء التوحيد" و"لواء الإسلام" و"ألوية صقور الشام"، وسمّي بإيحائية انقلابيّة طافحة بفقر المخيّلة: "البيان الرقم 1". واعتبر البيان هذا أن "كل ما يتم من تشكيلات في الخارج، من دون الرجوع إلى الداخل، ﻻ يمثل هذا الأخير، وهو ﻻ تعترف به، وبالتالي فإن الائتلاف، والحكومة المفترضة برئاسة أحمد طعمة، ﻻ يمثلانه وﻻ يعترف بهما". ودعا البيان كذلك إلى "التوحّد ضمن إطار إسلامي واضح ينطلق من سعة الإسلام ويقوم على أساس تحكيم الشريعة وجعلها المصدر الوحيد للتشريع". والمجموعات الموقّعة لهذا البيان، مجتمعةً، تكاد تحتكر القوّة العسكريّة الضاربة في الشمال السوري المحرر، إن استثنينا "داعش"، والتي ﻻ شكوك حول موقفها من الائتلاف الوطني أو الحلول السياسيّة.

السؤال، إذاً، حول ذهاب الائتلاف الوطني إلى "جنيف 2" عقيم، بوجود سؤال آخر، أكبر وأثقل بما لا يُقال، عن ماهيّة الأمور التي يُمكن للائتلاف الوطني، بوضعه الحالي وعلى المدى المنظور، أن يُفاوض عليها من موقع القابض على زمامها. هل يستطيع، مثلاً، توقيع وقف إطلاق نار؟!

جلّ ما يمكن للائتلاف الوطني، أو أي كيان سياسي مُعارض، أن يحصل عليه من "جنيف 2" هو أن يكون غطاء سياسياً مُعارضاً لحل وسط بين القوى الدوليّة. وهو حلّ، بالتعريف، يُفرض بالقوّة، ﻻ سيما أن جزءاً مهماً (وربما الأهم) من القوّة المقاتلة على الأرض يرفضه بشكل قاطع. التدخّل العسكري الخارجي – ربما بغطاء أممي هذه المرّة – هو الطريقة الوحيدة الفاعلة لفرض هذا الحل. مؤتمر "جنيف 2" ليس عنواناً لابتعاد التدخّل العسكري الخارجي. بل هو، على الأرجح، عنوانٌ آخر للتدخّل الخارجي، بتعديلات شكليّة وإجرائية بحتة.
ما البديل؟ ما الحل؟ ثمة اختناق عاجز أمام علامات الاستفهام هذه.


increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب