الإثنين 2013/10/07

آخر تحديث: 02:31 (بيروت)

صورته في المرآة

الإثنين 2013/10/07
increase حجم الخط decrease
 رجل الأعمال السوري الذي وجد صباحاً زجاج سيارته الفاخرة مهشّماً ومصابيحها مكسورة لا يقتنع بإمكانية حدوث أشياء كهذه صدفةً. سؤاله الذي يردده أمام أصدقائه يشير بوضوح إلى مقاصده: لماذا وحدها سيارتي ذات اللوحة السورية هي التي أصيبت؟ لماذا لم تصِب الصدفة ذاتها السيارات اللبنانية المركونة حولها؟

البَيض الذي "هطل" ليلاً على السيارات ذات اللوحات السورية في الضاحية الجبلية من بيروت لم يكن من فعل عمال محطات غسيل السيارات الذين حُرموا هذا الصيف أيضا من إكراميات السائحين العرب الأثرياء فظنوا أنهم بفعلتهم هذه سيرغمون المصطافين السوريين على غسيل سياراتهم ذاك اليوم.

السيدة  التي كانت تفسّح كلبها صباح الأحد لم تشح بوجهها وتبتعد مبرطمة لأن كلب الصبية الرشيقة التي كانت تقوم بالواجب الصباحي ذاته يقل نظافة أو أدبا عن كلبها وإنما لأنها حين حذرتها من "السوريين الذين أصبحوا في كل مكان والذين سمعت أنهم يغتصبون الفتيات" قالت لها الرشيقة صاحبة الكلب إنها هي أيضا سورية.

هي أمثلة ثلاثة من عشرات الحكايات التي يعيشها السوريون الميسورون الذين لا يقيمون في لبنان عالة على "المعتّرين" اللبنانيين، كما كانت تقول سيدة على أثير إذاعة صباحية، بل يساهمون، ليس تكرّما ولا جزية، من خلال الأموال التي نقلوها إلى لبنان في تعويض جزء من خسارته بسبب غياب الموسم السياحي.

وهي أمثلة ثلاثة من مناطق تسكنها شرائح ميسورة من المجتمع اللبناني. هم في الغالب من أصحاب المهن الحرة الذين يستخدمون جيشا من العمال السوريين "المعترين" حقا. ليس لأنهم فرّوا خارج وطنهم هربا من الموت فحسب، بل لأنهم يعملون في شروط من غياب الحد الأدنى من الضمان والحماية.

أصيب "أبو علي" ناطور البناء بذبحة قلبية، فأسعغه جاره إلى المشفى القريب، ولدى سؤاله عما إذا كان مسجلا في الضمان قال: من هذا "المعلم" الذي سيرضى بأن يسجّل عاملا سوريا في التأمينات ويتكلّف عليه مادام يستطيع أن يجد آلاف العمال ممن يرضون بالعمل مقابل السكن فحسب؟

في جلسة في بيت من غرفتين يسكنهما ستة عمال يعملون جميعا في ورشة بناء، دار الحديث عن ظروف الحياة، وكانت لدى كل منهم حكاية عن مفاجأة يوم القبض حيث لا يحصل أي منهم على كامل المبلغ المستحق لساعات أو أيام عمله.

وحول طاولات المقاهي تتناثر الحكايات عن أصحاب الشقق الذين يرفعون قيمة الإيجارات، العالية أصلا والخيالية أحيانا، لمجرد معرفة أن طالب الإيجار سوري.

من نافل القول إن الحقبة السورية من التاريخ اللبناني المعاصر حملت الكثير من الظلم على لبنان، لكن من يجرؤ على إنكار أن مصدر الظلم كان واحدا في البلدين، وأن معاناة السوريين منه لم تكن أرحم، وليس فقط لأن "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة".  

من نافل القول أيضا إن الصراع الدائر في سورية قد قذف بمئات الآلاف من السكان إلى الخارج، منهم ما يزيد عن المليون في لبنان وحده. وهذا يشكل عبئا صعب التحمّل في بلد يعاني أصلا من ضائقة اقتصادية ومن مشاكل إدارية وسياسية. لكن ما العمل إذا كانت الحياة غالية والحق فيها مقدسا. وما العمل إذا كانت الجغرافيات الطبيعية والبشرية والسياسية قد أوجدت تداخلات بين المواطنين من الدولتين تجعل من البديهي لجوء بعضهم عند بعض وقت الشدة. ألم يفعل اللبنانيون ذلك أكثر من مرة، وخلال سنوات طوال؟

يمثّل الوجود السوري في لبنان، دون أي شك، مشكلة كبيرة، لكن يبدو أنها أقل بكثير مما يضخمها الإعلام. لكن هذا الوجود يشكل أيضا صورة إضافية عن تخاذل المجتمع الدولي وكذبه ونفاقه، إذ أن هذا المجتمع هو المسؤول عن هذه المشكلة: مسؤول عن عدم إيجاد حل للوضع السوري، مسؤول عن السماح للنظام بإيصال البلد وأهله إلى هذه الحال ومسؤول أخيرا عن إغاثة اللاجئين ومساعدة الدول المضيفة وأولها لبنان على تحمل أعباء استضافتهم.

لكن أيضا، ورغم قناعتنا بموضوعية تذمر بعض المواطنين، لا نستطيع إلا أن نقول لصاحب الزي الرسمي الذي كان ينهال ضربا على (معتّرٍ) سوري على النقطة الحدودية ويشتمه بالتسلسل التالي: يا كلب، يا حقير، يا سوري... لا نستطيع إلا أن نقول له، وبعيدا عن الكلام في حقوق الإنسان، أن يعود إلى تاريخه الخاص ليجد أن الروابط العضوية بينه وبين ضحيته تجعله، شاء أم أبى، صورة مطابقة له، حتى ليكاد يكون صورته في المرآة.
 
increase حجم الخط decrease