الإثنين 2013/10/07

آخر تحديث: 20:36 (بيروت)

"جنيف 2" ونماذج عربية حزينة

الإثنين 2013/10/07
increase حجم الخط decrease
فيما تتوالى الإطلالات الإعلامية لرأس النظام السوري، والتي يدافع خلالها عن روايته عن "الحرب" الدائرة ضدّه، ويُكثر في الإسهاب والتفصيل حول الظواهر الإسلاميّة المتطرّفة، عارضاً نفسه كخط دفاع عن "الحضارة" في وجه الهجمة التكفيريّة، تتلاحق مظاهر الإشادة الدولية بتعاون النظام مع البعثة الأممية المكلّفة إحصاء الترسانة الكيماوية السورية وتدميرها. آخر هذه الإشادات وأهمها أتت من جون كيري، وزير الخارجيّة الأميركي، الذي حوّل خطابه خلال أقل من شهر من المرافعة عن "المسؤوليّة الأخلاقيّة" الواجب التصدّي لها بتوجيه ضربة تأديبية للنظام، إلى التأكيد على أن السلطات السوريّة "ترفع من رصيدها" بتعاونها مع البعثة الأمميّة. كلّ هذا في سياق تنفيذ اتفاق أميركي- روسي حول الترسانة الكيماوية السوريّة، تُذكَر فيه مُهل تنفيذ تصل إلى ربيع العام المقبل، ما يعني اعترافاً ضمنياً بحق الجهة المنفّذة - النظام- في البقاء حتى حينه. 
 
بعد اختصار "المسألة السوريّة" في قضية السلاح الكيماوي واستخدامه من عدمه، ثم اختصار هذه القضيّة، بدورها، في كيفية نزع هذا السلاح ومدى تعاون النظام السوري في هذا المجال، يتبادل الروس والأميركيون التصريحات حول أفضليّة عقد مؤتمر للسلام في سوريا (جنيف 2)، منتصف نشرين الثاني المقبل. يأتي هذا التوافق حول عقد مؤتمر "جنيف 2" كاستغلال للاندفاعة الناتجة عن اﻻنفراج الديبلوماسي الذي حققه الاتفاق الروسي- الأميركي حول السلاح الكيماوي، انفراجٌ واتفاق غاب عنهما أكثر من 120 ألف شهيد وملايين النازحين واللاجئين إنسانياً، وأصل "الأزمة السوريّة" وأسبابها سياسياً. 
 
يجد النظام نفسه مرتاحاً أمام هذا الواقع، على الساحة الدوليّة، حيث استطاع حلفاؤه فرض أرقامهم على الطاولة، ووضعوا النظام في خانة قريبة جداً من اعتباره غربياً "أهون الشرّين" بالمقارنة مع معارضة مشتتة وعاجزة، وتوسّع أفقي وخطير لتنظيمات جهادية لا تُخفي شرهها للسلطة وﻻ عداءها للغرب. أما المعارضة، فضائعةٌ في النقاش حول الذهاب إلى جنيف، من عدمه. نقاشٌ سفسطائي، فيه من المزايدات والمشاحنات بين كُتل عصبويّة وضيقة الأفق والصدر، أكثر مما فيه من تقييم موضوعي للأوضاع اليوم، ومدى القدرة على تقديم نقاط قوّة في مقابل التشبّث بمطالب الحدّ الأدنى. في مرحلة مقبلة، سنشهد مشاحنات بين أعضاء اﻻئتلاف وخارجه، حول المقاعد في الوفد أو الوفود المُعارِضة المُشاركة في المؤتمر. صراع محاصصاتي بحت، ﻻ أثر فيه يُذكر للأطروحات السياسيّة المتماسكة. بانوراما رائعة للنظام، كي يجلس قبالتها ويُطلق خطاباً يجمع بين استعداده للذهاب إلى جنيف من جهة، وتأكيده الشامت على أﻻ شريك فعلياً أو حقيقياً للتفاوض معه في جنيف من جهة أخرى. 
 
ثمة شبه مقلق اليوم لبعض ملامح الأزمة السوريّة، بتفاصيل من نماذج أخرى مرّت على المنطقة العربيّة. كثيرٌ من المنطق المُحرّك للرأي السياسي غربياً اليوم، يُشبه الموقف من العسكر الجزائري في التسعينات، حين فُضّل العبور فوق تفاصيل سلوك القوى العسكرية، قبل الأزمة وخلالها، في سبيل منحها الهامش الكافي لمحاربة الإسلاميين. من جهة أخرى، تُستشفّ نقاط تشابه بين تصرّف النظام السوري حيال السلاح الكيماوي والضجيج الدولي حوله، وما بدر عن نظام مُعمّر القذافي من انعطاف في علاقته مع الغرب، أكان في التنازل عن أسلحة الدمار الشامل، أو في خصوص قضيّة "لوكربي"، أو التنسيق الأمني. والنموذج الثالث، الحزين، هو الفلسطيني: ضياع  في نقاط إجرائية بحتة حول مؤتمرات سلام ومفاوضات، مع تفتيت القضيّة المركز إلى بحر من متاهات التفاصيل. انقسام فلسطيني وعقم سياسي، وإدارات إسرائيلية متتابعة تدّعي جهوزيتها للسلام، وفي الوقت نفسه، تشتكي من غياب "الشريك الجدّي".. أين سمعنا هذا الكلام مؤخراً؟ 
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب