الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 17:44 (بيروت)

يوتيوب يهزم هوليوود.. باللعب

الخميس 2014/08/21
يوتيوب يهزم هوليوود.. باللعب
increase حجم الخط decrease

في دراسةٍ، نشرتها مجلة "Variety" الأميركية مؤخراً، عن أكثر النجوم شهرة بين الراشدين (من 13 إلى 18 سنة)، تبيَّن أن المشاهير الخمسة الأوائل، الذين اختارتهم العينة المدروسة، ينتسبون إلى عالم الإنترنت، "يوتيوب" على وجه الدقة، وليس إلى عالم "النجومية" التقليدي، لا سيما "هوليوود".

فقد اعتبر حوالي 1500 راشد أن نجمهم المفضل هما الثنائي "Smoch" من كاليفورنيا، بعدهما، مجموعة "the FineBros"، ثم، في المرتبة الثالثة، "PewDiePie"، وفي الرابعة، "KSI"، وفي الخامسة، "Ryan Higa" إلخ. على أن المشترك بين كل هؤلاء النجوم هو أنهم ألفوا ذيوع صورتهم في "يوتيوب"، ويتابعهم ملايين المشاهدين، من دون أن يظهروا على الشاشتين الصغير، التلفزيون، والكبيرة، السينما. ذلك أنهم يبثون فيديواتهم في الإفتراض، ولا يعتمدون أي استراتيجية إعلامية ضخمة، مثلما هي الحال بالنسبة لنجوم الأفلام أو السياسة وغيرهم.

ينجذب الراشدون، بحسب "Variety"، إلى نجوم "يوتيوب"، نتيجة الدعابة التي يقدمونها، والتحرر الذي يبرزونه، بالإضافة إلى أخذهم الخطر على عاتقٍ من اللعب. فعند المقارنة بينهم جميعاً، من الممكن القول أنهم يتشابهون من ناحية بائنة للغاية، وهي أن مقاطعهم اليوتيوبية كناية عن تأدية مضاعفة، كاريكاتورية، لألعاب الفيديو. إذ يسردون قصصاً، أو يعالجون مواضيع، من خلال تمثيلها بالإستناد إلى ألعاب متحركة، يستخدمون قواعدها، وشخصياتها، ويبقون على محركين من محركاتها الأساسية: المغامرة والسخرية. وهذا، على قول بعض الراشدين، لا يقدمه "النجوم الكلاسيكيون" في أفلامهم الهوليوودية أو إطلالاتهم الإعلامية، فسرعان ما تنال الجدية منهم، أو بالأحرى من صورهم المروج لها.

إذاً، بالنسبة للنجومية والمتابعة، يتغلب اللعب اليوتيوبي على الجد الهولوودي، والإفتراض على السينما. فلم يقدر أكبر معمل مشاهد في العالم على مناسفة النشر الصوري، الذي يتشكل باستعمال وسائل بسيطة، من قبيل آلة تصوير "هاند  كام"، وحاسوب، وبرنامج مونتاج. كما لم يستطع التسويق التقليدي، بتخطيطه الإعلامي الضخم، أن يجذب عدد المشاهدين، الذين يتابعون شبكة من شبكات "يوتيوب"، بحيث أنها صالة مفتوحة، وواسعة، تزدحم بالإنترنتيين بلا أن تعاني من أي إكتظاظ.

ثمة، في هذه الجهة، ملاحظة لا بد منها، تتصل بخسارة السينما الهوليوودية، وانطلاقاً من دراسة "Variety"، لقوتها البروباغندية، التي تسيطر بها على الجماهير. تلك القوة، التي كان زعيم النازية أدولف هتلر، يرغب في مزاحمتها على ما يذكر بول فيريليو، محللاً الرابط بين السلاح والعين، بين الحرب والمشهدة، بين السينما والجهاز الدولتي للفاشية، على أشكالها المختلفة.... حسناً، هذه الروابط تتغير باستمرار، وتذهب في مناحٍ أخرى، كما انعقدت علاقات جديدة بين الإفتراض الفيديوي والبروباغندا والدولة، علاقات تستحق الإهتمام بها، والإنشغال بمساراتها. لكن، الآن، لماذا ينجذب 1500 راشد، والكثير غيرهم، إلى "لاعبي يوتيوب"؟

بدايةً، من الضروري الإشارة إلى الصلة بين الإفتراض واللعب، ذاك أن بزوغ الأول قد حصل من خلال ألعاب الفيديو، قبل أن ينتشر ويتطور أكثر، بلا أن يتخلى عن سماته، أو محركاته اللعبية. إذ أن اللاعب يدخل عالم التمثل، ويدرك قانونه، الذي يتفاعل معه، وينفعل به، قبل أن يتخطاه من خلال معايير خاصة، تخفف من حدته. مع العلم، أن هذه الأفعال تحدث بفرح، أو مثلما يقول مهدي بلحاج قاسم، في كتابه "Society"، أن لعبة الفيديو، وبعدها الإفتراض، هي المكان الوحيد، حيث الكائن الإنساني على علاقة سعيدة بالقانون، وحيث يكون "بطلاً" من نوع جديد، يخاطره بحياته المفترضة، وخلال فعله هذا يتمتع بتفاعلات أعضاء جسمه مع التقنية والصورة، ويفلت فانتسماته. في كل الأحوال، يفند قاسم "بطولة اللاعب" في كتابه المذكور، الذي لم يأخذ على محمل النقد المتزن في فرنسا عندما صدر، لكن ذلك لا يعني البتة أنه بلا قيمة، بل العكس تماماً.

وعليه، فاللعب هو "بطولة الإفتراض" التي يمثلها نجوم "يوتيوب" جيداً في فيديواتهم، وهذا ما دفع الراشدين، الذين اختاروهم، إلى القول بأنهم يتسمون بحس المغامرة. فمن نافل القول أن الإقدام على المخاطرة، والإستمتاع خلال ممارستها، هو شرط من شروط اللعب، التي تتضاعف في أوضاع النجوم الجدد، لأنهم يؤدون ألعاب الفيديو تمثيلاً، أي أنهم يمثلون الممثل، محملين إياه قوانين أخرى، لسرد قصة، أو رواية حادثة.

وربما من هنا، تنتج دعابتهم، بحيث أنهم يسخرون من الألعاب باللعب بها، كما يغامرون عبر محاكاة المغامرة، أي أنهم مخاطرتهم تأتي على مستويين: أولاً عندما يمثلون لعبتهم، وثانياً حين يستندون فيها إلى لعبة ما، كي يعرضوها بطريقة جديدة. بعبارة مختصرة، هم يستمدون بطولتهم الإفتراضية بتمثيل واحدة أخرى، يتخطون قوانينها، ويعبثون بشخصياتها، من دون الخروج منها. فهم داخل اللعبة التي يمثلونها وخارجها، في الوقت نفسه، ما يشبه حركة الممثل، الذي يؤدي دوراً، مفاده أنه ممثل في مسرحية. وبالتالي، هو لا يمشهد الواقع، بل المشهد نفسه.

مع فارق أن نجم يوتيوب يمشهد المشهد بالدعابة، باللعب، ما يعني أنه يحطم مشهداً سابقاً ويقدم واحداً آخر. ومن هذه الناحية، تنجذب إليهم عيون الراشدين، الذين من المعلوم أنهم يعيشون في مجتمعٍ، لا شك في مشهديته الحاضرة بمتانتها على كل الصعد. فقد لا يكون السبيل إلى الحضور الحر داخله سوى من خلال اللعب، أي اللعب بمشاهده. ذلك أن الخروج منها لا يجري بعفوية أو إستفزاز، بل يشترط إدراك قوانينها، ومن ثم نسفها بمشاهد أخرى. فلمبارحة مجتمع المشهد، لا يكفي رفضه، والإنعزال عنه بغاية الواقع، بل صناعة مشهد آخر فيه، يخربه أو يشقلبه، مثلما يفعل أبطال يوتيوب حين يلعبون بألعاب سابقة، يغيرون قوانينها بتمثيلها على أساس السخرية، التي يفتقر إليها النجوم الكلاسيكيون. 

في الخلاصة، أو ما هو قريب منها، اختارت العينة المدروسة في "Variety"، نجومها من "يوتيوب"، لأنهم يغامرون داخل الإفتراض، أكان الواقعي أو الإنترنتي، ويسخرون منه. كما لو أنهم يجسدون تلك الشخصية، التي تستطيع مقاومة المشهد بغبطة، وليس بالتشنج. لكن، ماذا عن بروباغندا "يوتيوب"، هل هو في طور التحول إلى معمل هوليوودي، لصناعة النجوم، أو إلى مؤسسة من مؤسسات سيستام المشهد أيضاً؟ علينا باللعب داخل الإفتراض.

increase حجم الخط decrease