الأحد 2015/01/25

آخر تحديث: 16:54 (بيروت)

هكذا تطوّر النظام المصري بعد الثورة.. فطوّع الانترنت

الأحد 2015/01/25
هكذا تطوّر النظام المصري بعد الثورة.. فطوّع الانترنت
في يناير 2011 ظنّ الناشطون الالكترونيون أن عصر الخوف انتهى (غيتي)
increase حجم الخط decrease

تؤكد غالبية التحليلات التى تتعامل مع ثورة 25 يناير وما شهده العام 2011 عربياً، دور الانترنت بمستوياته المتعددة، والذي أخذ يتنامى في مصر منذ العام 2004.

الموجة الأولى في العام 2005، كانت مع المدوّنات التي مثلت صوتاً مختلفاً عمّا هو سائد إعلامياً ويدور في فلك النظام الحاكم، وامتلكت شجاعة تسليط الضوء على قضايا كان يتم التعامل معها بصفتها من المسلّمات. فبنشر فيديوهات التعذيب، تحولت الفيديوهات التي كان يتم تبادلها كمقاطع "طريفة"، إلى جرائم يتم حشد الرأي العام خلفها لتصل إلى محاكمة الضابط المسؤول. ومع ظهور الشبكات الاجتماعية، قطع الانترنت شوطاً آخر، أبعد من كونه مساحة لأصوات إعلامية فردية لمدوّنين يكتبون بأسماء مستعارة.

مع الشبكات الاجتماعية، تحول الانترنت إلى وسيلة اتصال وتنظيم، لامركزية، لحشود تزايدت من الآلاف إلى عشرات الآلاف، إلى الملايين. كل هذا كان يحدث، بينما النظام يتخبط في التعامل مع كل هذه الظواهر. وحتى قبل أيام من ثورة 25 يناير 2011، كان أقسى ما يمكن أن تفعله "داخلية حبيب العادلي" هو اعتقال وائل غنيم والمسؤولين عن الصفحات التي لا تعجبهم. وحينما حانت لحظات المواجهة، لم يجد النظام الغارق في جهله وغبائه، سوى وسيلة إغلاق الانترنت.

لكن الآن، وبعد أربعة أعوام من الثورة (أو أكثر في حالة المدونات)، يبدو أن النظام المصري الحالي قد طور مهارات معرفية وأدوات إعلامية "أفضل" في التعامل مع الانترنت. أثبتت الأحداث التي تلت 30 يونيو في مصر، أنه يمكن التحكم في الإعلام من خلال شبكات المصالح وخريطة توزيع الإعلانات التلفزيونية، كما أوضح لنا التسريب الأخير من مكتب اللواء عباس كامل. فعرفنا بشكل تفصيلي كيف تدور دورة صناعة القرار الإعلامي، وكيف تُوجّه عشرات القنوات التلفزيونية في تناغم لتؤدي إلى رسالة واضحة. والإنترنت بدوره يتعرض لعملية سيطرة في منتهى التلاعب والذكاء، تقودها شبكات متعددة من أصحاب المصالح، سواء رجال أعمال أو كيانات سياسية، في مستوى من التعامل أعقد من مستوى "اللجان الالكترونية" مطلع الثورة.

كانت "اللجان الالكترونية" هي خطوة الدفاع الأولى التي لجأت لها النظم العربية لتكوين حائط الصدّ في مواجهة الخطابات المعارضة الصاعدة. اللجان الالكترونية بمثابة تقنية قادمة من دهاليز "الحزب الوطني". مجموعات من الشباب، مدفوعة الأجر، يتم تفريغها لإنشاء حسابات في "فايسبوك" وغيره من الشبكات الاجتماعية، يعملون بأكثر من طريقة، بدءاً من الدعاية لسياسات مَن يدفع لهم، وصولاً إلى تشويه الحملات المعارضة ونشر الإشاعات. نوع حديث من المرتزقة، مرتزقة الانترنت.

التقنية نفسها استمرت مع "الإخوان" في عهد محمد مرسي. في المواقع الإلكترونية للصحف، قد تجد التعليقات ذاتها منشورة بأسماء مختلفة. لكن هذه التقنية سرعان ما اكتُشفت.

حالياً، مع بداية العام 2015، يتحرك حيتان سوق الإعلام المصري، الذين سيطروا على الصحافة والتلفزيون، نحو الانترنت. وبحسب التقديرات الأخيرة، يبلغ عدد مستخدمى الانترنت في مصر 38 مليون شخص، وتنمو سوق إعلانات الانترنت بقوة، لتجذب حيتان المستثمرين. غالبية الصحف المصرية الخاصة، أصبحت توجه استثماراتها إلى مجال الانترنت، ومعظمها يستعد لإطلاق مشاريع ضخمة بتكاليف تتجاوز الملايين، منها مؤسسة "التحرير" المملوكة لأكمل قرطام وتصدر جريدة "التحرير" برئاسة إبراهيم عيسى. إذ تنوي التوسع في مجال الانترنت بسلسلة من المشاريع تعدّ لها إنجي الحداد. كما يستعد محمد الأمين، مالك شبكة قنوات CBC، لضخ مبلغ يتجاوز العشرة ملايين جنيه في سوق "يوتيوب" وتلفزيون الانترنت.

وفيما يتقدم حيتان النظام نحو الانترنت، تراجعت واختفت المدونات والمواقع الشخصية. فمعظم الأخبار المتداولة الآن، والتعليقات والنقاشات في الانترنت بين المستخدمين، تأتي من تلك الصحف والمواقع ذات الاستثمارات الضخمة. وطبيعة المواد الأكثر تداولاً، أصبحت تتأرجح بين تغطيات وتصريحات السيسي، أو "شاهد قبل الحذف 20 سراً عن قطط الشوارع البلدي". بل إن موقعاً الكترونياً مثل "دوت مصر"، يستخدم إمكاناته المادية ويسخرها كلها لانتاج فيديو قصير من قبيل "الأسطورة 69"، وهو معالجة لكل التيمات الشعبية التي انتشرت في الانترنت العام الماضي. فحتى ظواهر الانترنت التي تظهر بشكل عشوائي بين المستخدمين، تقوم تلك المواقع بوضع يدها عليها وتحويلها الى جزء من موادها وخطابها الإعلامي.

الانترنت الذي كان المساحة الحرة للأفراد، تحول الآن في مصر نسخة أخرى من "نايل سات"، مساحة يتم توجيهها والسيطرة على الخطاب الإعلامي فيها. وحتى إذا تجاوزتَ هذا الأمر، وحاولتً الآن استخدام الانترنت في عملية التنظيم أو تكوين حملات سياسية أو فكرية من أي نوع، فالمصير الغامض في سجون الداخلية المصرية ينتظرك.

أسبوعياً، هناك خبر عن اعتقال شاب أو مجموعة من الشباب بتهمة إدارة صفحات في "فايسبوك" لهدم الدولة أو تقويض النظام. بل حتى الشباب الذين يستغلون الانترنت للتعبير عن أفكار ليست سياسية لكنها خارج الحيز والخطوط الحمر الاجتماعية، كصفحات الملحدين أو غيرهم، يكون مصيرهم السجن في قضايا عبثية، لا أول لها ولا آخِر.

ولأن الانترنت أصبح ملك الشركات، لا الأفراد، فالشركات والمواقع الإخبارية لا تهتم بالدفاع عن حقوق هؤلاء الأفراد. فقبل خمس سنوات، كان خبر القبض على مدوّن أو ناشط يتصدر العناوين الأولى، وتخرج من أجله حملات التضامن، والآن يتم التعتيم على هذه الأخبار، وتتعرض حملات التضامن مع أي شخص إلى التحقير والسخرية على طريقة "ما فيه معتقلين كتير، اشمعنى ده.. علشان مشهور؟".

وبعد أربع سنوات على ثورة 25 يناير، طور النظام السياسي درجات أعلى من التعقيد في التعامل مع الإعلام والانترنت. مزيج يجمع بين العصا والجزرة. الشباب والأفراد والمبدعون الذين مثلوا القوة الحقيقية للانترنت، أصبحوا الآن موظفين في مواقع ضخمة تستثمر مهاراتهم وقدراتهم في ترويج أجنداتها السياسية وامتصاص امكاناتهم الإبداعية ومنحهم الملاليم.
ومَن يخرج عن هذا الخط، فمصيره النبذ أو التهميش أو السجن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها