السبت 2021/05/08

آخر تحديث: 13:38 (بيروت)

رامز جلال يقدم لنا السعودية الجديدة

السبت 2021/05/08
رامز جلال يقدم لنا السعودية الجديدة
increase حجم الخط decrease
لا أخجل من التعبير عن حبي الشديد لرامز جلال وبرنامجه الرمضاني السنوي، جوهرة الإنتاج التلفزيوني العربي، والأعلى مشاهدة، وربما الأعلى من ناحية الكلفة الانتاجية. أتابع رامز منذ بدأ في تقديم برامج المقالب بمتعة مازوخية. حيث يمر المُشاهد بعاصفة من الانفعالات أثناء الفرجة، فمشهد يشعرك بالضيق، ومشهد يجعلك تضحك ساخراً، ومشهد تالٍ يشعرك بالاشمئزاز.

لا أهتم كثيراً بالمقلب وما يحدث فيه، لكن متعتي هي الفقرة التي يدخل فيها الضيف ويبدأ رامز بالتعليق على ملابسه، شكله، وكلامه. يمنحنا رامز على الأقل ربع ساعة من التنمّر القبيح المقرف، لكن هذا القبح يدغدغ حلَمات الشر المظلم داخلنا، خصوصاً ونحن نعرف أن كل هذا يتم برضا وموافقة الضيوف، بل يحصلون على أجر يوزاي ما قد يجنيه الواحد منا في خمس سنوات من العمل والشقاء.

هذا العام يُصوَّر برنامج رامز جلال في العاصمة السعودية الرياض، وهو أمر كان مستحيلاً منذ بضعة أعوام، أما الآن فتصوير البرنامج يأتي محملاً بالكثير من الرسائل الإعلامية والسياسية، والقليل من الضحك والمقالب، وبسهولة نرصد اختلافات وملاحظات جديدة عن برنامج رامز والسعودية.


1- انخفاض في المستوى الانتاجي:

يبدو واضحاً هذا الموسم، ومن الحلقات الأولى، الفقر الإنتاجي في كل عناصر البرنامج، فلا سفر إلى بلدان بعيدة في شرق آسيا، ولا ديكورات معقدة يتم هدمها وبناؤها بعد كل حلقة، ولا معدات أو أدوات تنكر أو غواصات على شكل سمكة قرش. البرنامج كله يتم تصويره في مدينة ألعاب سعودية.

لا نعرف، هل انخفاض الكلفة الانتاجية بسبب كورونا؟ أم بسبب ضغوط الإنفاق على الميزانية السعودية؟ أم هو تدمير متعمّد من قبل هيئة الترفيه السعودية، للبرنامج الذي كان بمثابة عروس البرامج العربية، ينفق عليه بسخاء لا محدود وتتصارع المدن على استضافته كوسيلة من وسائل الدعاية والترويج السياحي؟

ينعكس هذا الفقر الانتاجي، في كل شيء، بداية من الألعاب والفقرات، حيث لا شيء يحدث بل يدخل النجم مدينة ملاهي بينما صوت رامز يعلق عليه ويصنع قيمة البرنامج. أما على الهامش، فيظهر ممثلون وفنانون سعوديون في دور المضيف، مثل المنتج العسيري والمذيعة سارة، وحتى هؤلاء لا يرحمهم رامز من تعليقاته وسخريته. تقريباً، الكلفة الانتاجية صفر، ما عدا أجور العاملين في مدينة الملاهي.

أما التجسيد الكامل لآثار الفقر الإنتاجي، فيظهر في ضيوف البرنامج، فلا نجوم هذا الموسم، بحجم هيفاء وهبي أو نادية الجندي. بل حلقات مع "انفلونسرز" في السوشيال ميديا لا يعرفهم أحد، ولاعبي كرة محليين، بل وصل الفقر إلى استضافة معلقي ومحللي البرامج الرياضية.

2- الرياض التي تسرّ الناظرين

قبل إذاعة البرنامج، ظهر رامز مع معالي المستشار تركي الشيخ. يطوف الاثنان في مدينة الملاهي بينما رامز يشرح له فقرات البرنامج، ومعالي المستشار يبستم ابتسامته الحبوبة. وفي تترات كل حلقة، يظهر اسم معالي المستشار مع شكر خاص. تبدو واضحة الصبغة السياسية لبرنامج رامز هذا العام، فقد استُخدِم كل ركن وكل تفصيلة في البرنامج لعكس رسائل وصور عن السعودية الجديدة التي يؤسس لها ولي العهد محمد بن سلمان، حيث يتولى تركي آل الشيخ مسؤوليات عديدة، فهو رئيس هيئة الترفيه داخلياً، لكنه مسؤول عن صورة السعودية الجديدة عربياً، وموكل بالعمل بميزانية مفتوحة في مجالات الإعلام والرياضية العربية.

لكن الصورة التي يقدمها البرنامج عن الرياض، تبدو خشنة ومملة. فغير مدينة الملاهي، لا نرى سوى مشاهد لمبانٍ زجاجية في الرياض، ثم مَشاهد مكثفة للطرق، وفي منتصفها منحوتات بلاستيكية على هيئة أشجار خضراء تنتشر في الشوارع. فهل حقاً هذه هي الصورة المُراد بثها عن الرياض؟ طرق/ شجر بلاستيك/ ومدينة ملاهي عائلية؟ أعتقد أن معالي المستشار في حاجة إلى تقييم خدمات فريق إخراج البرنامج.


3- السعوديو
ن الجدد:

في كل موسم من مواسم رامز يكون هناك تركيز على إبراز المكون الأجنبي ضمن عناصر الانتاج، فالغواصة على شكل سمكة قرش من ألمانيا، والغوريلا من أميركا، أما خبراء المكياج فهم أوروبيون وأجانب بخبرة عالمية. كل موسم، هناك خبير أجنبي يشرف على تنفيذ الخدعة وعلى التأكد من ترتيبات الأمان والسلامة.

لكن هنا في الرياض، لا خبراء أجانب، بل تركيز على إبراز العنصر البشري المحلي والاحتفاء بتنوعه، حتى ليبدو رامز وكأنه مجرد ضيف في برنامج سعودي. لم تكتفِ جهة الإنتاج بمذيعة سعودية مع رامز لخداع الضيف، بل هناك اثنان، واحد يقوم بدور كوميدي، هو حسين العسيري، والمذيعة السعودية سارة مراد. وتقديري أن هذا الأمر تمهيد لاستبدال رامز في المستقبل، بممثل كوميدى آخر.

وعلى طول البرنامج هناك إبراز لتفاصيل صغيرة، مثلاً أثناء إعداد رامز لارتداء الملابس والإكسسورات للشخصية التي يتنكر فيها، تظهر سيدتين منقّبتان تقومان بلف "العِمّة" على رأسه. منقّبات يعملن في مجال المكياج! انظري أيتها المرأة السعودية، يمكنك أن تعملي في كل المجالات مهما كانت ملابسك، سواء منقبة، أو محجبة (شخصية تظهر مع رامز والضيف في اللعبة)، أو بملابس عصرية وإطلالة  مثل سارة مراد مذيعة قناة mbc.

نحن في الرياض، في برنامج من إنتاج سعودي بعاملِين سعوديين، لكن أحداً لا يظهر بالجلباب والعقال، حتى من الجمهور. هناك سعوديون جدد قادرون على العمل في التخصصات كافة، رجال ونساء معاً، في ملابس عصرية متنوعة، ويتجاور النقاب مع الشعر المستعار مع شعر رامز أحمر اللون.

4- لا دعاوى هذا العام

حتى لحظة كتابة هذه السطور، من العجيب أنه لا أخبار عن دعاوى رُفعت في المحاكم المصرية لوقف البرنامج أو اتهامه بخدش الحياء العام، أو التعدي على الأخلاق والقيم وسمعة الكبسة والطَّعمية. يأتي برنامج رامز جلال كل عام، ومعه الاتهامات والقضايا والهجوم من حراس الأخلاق والفضول. حتى أصبحت هذه الهجمة، وردود رامز عليها، جزءاً من سياق البرنامج وسمعته. بل وفي الأغلب، مع منتصف شهر رمضان، غالباً ما يصدر حكم قضائي واحد على الأقل بإيقاف البرنامج، ويكون رد الشركة المنتجة "MBC مصر" هو رفض الحكم بحجة أنها شركة سعودية لا تخضع لأحكام القضاء المصري.

لكن هذا العام، لا دعاوى قضائية، ولا هجوم إعلامياً. فالبرنامج تحت رعاية معالي المستشار تركي آل الشيخ، القائم بمهام وزير الإعلام المصري، والبرنامج منتج بقصد تلميع السمعة وتقديم صورة إيجابية عن الرياض الجديدة.

لا اعتراضات، إذن، اللهم إلا من بعض المنظمات النسوية السيبيرية المتواجدة في الإنترنت فقط، والتي رأت في فقرة اللعب ببنادق "البيتبول" حيث يختبئ رامز ويهاجم الفنانين والفنانات بإطلاق طلقات "البيتبول" الملونة على مؤخراتهن، رأت المنظمات في تصرف رامز تشجيعاً على التحرش. أما رامز فحرص، في نهاية كل حلقة، على الاعتراف للفنانات بأنه مَن كان يصوب على "البوبو/التوتا/ ظهرك"، ثم تغني الفنانة أغنية البرنامج "رامز جلال خلاها خلّ/ وجابنا هنا علشان نتذل".

5- هل الفنان سلعة؟

من ضمن فقرات البرنامج، فقرة شبه حوارية حيث تدير السعودية سارة مراد، حواراً مع الفنان الضيف. تتغير الأسئلة من حلقة الى أخرى، وفي حلقات كثيرة لا يتركنا رامز نسمع كل الأسئلة أو حتى إجابات الضيف عليها، بل يقاطعهما بتعليقاته المضحكة من كثر سماجتها، لكن الملاحظ هو تكرار هذا السؤال الغريب في المنتصف: "هل الفنان سلعة؟"

في المقابل، فحينما يستضيف رامز، الذي صار عجوزاً الآن بالمناسبة (48 عاماً)، انفلونسر من نجوم السوشيال ميديا، أو ممثلين ممن اقتحموا مجال التمثيل والفن عبر انستغرام ويوتيوب، يحرص أن يبدأ البرنامج بمونولوج طويل عن انحدار الفن، وكيف صار كل شيء يعتمد علي التريند والمشاهدات، لدرجة أنه نفسه صار مجبراً على استضافة نجوم لا يعرفهم ولا يجد مادة يستخدمها في السخرية منهم سوى التعليق على ملابسهم وحجمهم ومخارج ألفاظهم.

نحن في 2021، ومذيعة سعودية من مدينة ملاهٍ في الرياض، تسأل فنانين عن تسليع الفن، وممثل يقترب من الخمسينات صنع مجده من برامج المقالب، يشكو تسليع الفن وثقافة التريند التي يدرك أنها قريبا ستركله خارج الشاشة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها