الأحد 2015/10/11

آخر تحديث: 16:55 (بيروت)

إعلام النظام يمتص الصدمات.. "قولاً واحداً"

الأحد 2015/10/11
إعلام النظام يمتص الصدمات.. "قولاً واحداً"
التقارير الخارجية تحمل النَفَس التشبيحيّ
increase حجم الخط decrease
لم يتعرض برنامج "قولاً واحداً" للتدخل الروسي العسكري في سوريا بعد، ولو بأسلوب الأخبار الخفيفة التي يعتمدها البرنامج في تعاطيه مع القضايا الأكثر سخونة في الساحة السورية. فالحياة السورية وفق رؤية البرنامج، لا تزال وردية وجميلة "تحت مظلة السيادة الوطنية"، بشكل يعكس عدم وجود أي توجيهات إعلامية من قيادة النظام تجاه الموضوع الروسي بعد، باستثناء التغطيات الروتينية في نشرات الأخبار.


البرنامج المقصود، هو جديد قناة "سما" السورية. ورغم عدم تخصصه في السياسة أو التحليل الاستراتيجي، إلا أن ذلك لا يبرر تجاهل تناوله للتدخل الروسي في البلاد، إذ يطرح البرنامج نفسه كواجهة لأبرز ما يتحدث عنه الشعب السوري كل أسبوع، من وجهة نظر أصحابه على الأقل، علماً أنه لا يمكن فهم أهمية الأحداث التي يتحدث عنها البرنامج مقابل القتل والحرق والاعتقالات والتهجير التي اصبحت جزءاً من حياة السوريين في العموم.

تنحصر أولويات البرنامج باستضافة مسؤولي النظام في "جلسة صفا" ومجاملات عقيمة لتبرير المشاكل الخدمية المختلفة أمام شكاوى المواطنين، وحتى الاستخفاف بها أحياناً، والتملّص من المسؤولية على الهواء وتبادل الاتهامات، وبكل تأكيد مهاجمة المعارضين والمهاجرين والمؤامرة الكونية، وما إلى ذلك من كلمات مشابهة، على الطريقة التقليدية للإعلام المؤيد للنظام.

بطريقة ما، تصبح منشورات مواقع التواصل الاجتماعي هي الهمّ الأول للمواطنين. ففي كل حلقة، هناك تركيز واضح على هذه النوعية من القضايا التي ترتبط إلى حد ما بالشأن العام، لكنها لا تشكل بالضرورة "حديث الشارع". وكم يبدو "فايسبوك" مرجعاً سخيفاً للمعلومات في ظل عدم امتلاك غالبية الشعب السوري الفقير إمكانية الوصول للإنترنت، إضافة إلى قطع الاتصالات والتيار الكهربائي عن مختلف أنحاء سوريا لفترات طويلة.

مثلما هو متوقع، يكرر البرنامج خطاب النظام تجاه القضايا الجادة التي لا يمكن التهرب منها، إنما بطريقته الخاصة. موضوع اللجوء السوري إلى أوروبا على سبيل المثال أخذ حيزاً واسعاً من البرنامج، لكن اللجوء يصبح "هجرة للبحث عن مستقبل أفضل" وليس هرباً من الموت المجاني في البلاد، كما يسخر البرنامج من اللاجئين السوريين في السويد أو ألمانيا أو أي دولة أخرى، ويعتذر من العالم على "النماذج" التي خرجت من البلاد، معتبراً اللاجئين المعارضين "حثالة سوريا" التي تخلصت منها كعملية "تنظيف ذاتي".

يقوم البرنامج على ثنائية فاشلة غير متوازنة بين المقدم ورد سباغ، والمراسل أدونيس شدود. فالأول يصطنع الهدوء ويحاول تقديم نفسه كمحاور جيد بألفاظ مهذبة وآداب حديث زائدة عن اللزوم، والثاني يقدم تقارير ميدانية بطريقة تشبيحية: (كيفك حبيب، شلون الشباب اليوم، ..)، ويبدو شديد العجلة ولا يقدم في تقاريره شيئاً يذكر. ربما لأنه لا يوجد شيء للحديث عنه أصلاً خاصة أن الملاهي الليلية في جرمانا أو سوق المهن اليدوية أو ترميم حديقة السبكي تبدو موضوعات ثانوية أمام موضوعات أكثر حرارة في الداخل السوري اليوم.

يتوه مقدم البرنامج ورد سباغ بين التلعثم بالعامية الدمشقية والعربية الفصحى، ويقرأ الكلمات المتكلفة ببطء شديد تزيد من سماجة المضمون، خصوصاً أن معظم وقت البرنامج يدور في استديو مظلم خال من أي جذب بصري. ويحاول سباغ عبر خطابه السخرية أحياناً من الواقع السيء في البلاد لكنه يفشل في ذلك، هناك مشكلة حقيقية تتجلى باصطناع العفوية على الشاشة وهو أمر يتكرر في الإعلام السوري منذ ستينيات القرن الماضي.

تشدق البرنامج بالانحياز للإنسان السوري أولاً، لا يلغي انحيازه للدولة السورية الأمنية – البعثية، فيجب في البرنامج أن نتابع لوم المواطن السوري على كل المشاكل الحاصلة على الكوكب ومحاسبته إن فكر بالسهر أو الاستمتاع بوقته أو إن أراد ارتداء الشورت أو التقاط صورة سيلفي مثلاً، وكلها أفكار ظهرت في حلقات البرنامج بكل فوقية، وتم طرحها ممن مبدأ الحفاظ على هيبة الدولة أو الأخلاق العامة والهوية السورية وليس من منطلق الحرية الفردية كما ينبغي.

لم تكن هذه النوعية من البرامج، التي يحرص الإعلام الرسمي وشبه الرسمي على تقديمها تحت توصيف "الجرأة"، لتظهر، لولا موافقة النظام عليها. فهي ممتص جيد للصدمات من أجل السيطرة على غضب الموالين قبل المعارضين، خصوصاً أن أخطاء المسؤولين والفساد باتت علنية، ولم يعد يحرص أحد على إخفائها كما كانت الحالة قبل العام 2011، وعليه يشابه عشرات البرامج التي قدمها الإعلام السوري منذ تأسيسه والتي لا يتذكر الإنسان اسمها حتى لأنه بكل بساطة كان ينفر منها ولا يتابعها.

النقاط السابقة ليست مفاجئة على الإطلاق، فقناة "سما" الموالية قدمت منذ تأسيسها العام 2012 ذات النوعية من إعلام الشعارات الرديء، وتعتبر مع شقيقتها قناة "الدنيا" الخط الأول لتقديم "بروباغندا النظام" بفجاجة دون أدنى محاولة لتغطيته بثوب إعلامي محترف في الشكل على الأقل، ويعتمد النظام عليهما غالباً لتمرير شائعاته والتمهيد لقراراته وتبرير أخطائه بطريقة أكثر شعبية مقارنة بالإعلام الرسمي، ولعل السبب في ذلك يعود لتمويل القناتين التي يمتلكها رجال أعمال مقربون من النظام (محمد حمشو ورامي مخلوف).

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها