الأربعاء 2023/06/28

آخر تحديث: 15:31 (بيروت)

"بلاك ميرور 6" يُسقط السرد المستقبلي..الشركات هي الشرّ الصريح!

الأربعاء 2023/06/28
"بلاك ميرور 6" يُسقط السرد المستقبلي..الشركات هي الشرّ الصريح!
سلمى حايك مشاركة في المسلسل
increase حجم الخط decrease
مثل مواسمه السابقة، يأتي الموسم السادس من "بلاك ميرور" متفاوتاً في موضوعاته وخلاصاته، لكن المختلف هذه المرة امتلاكه بعض الخصائص التي تميّزه عن غالبية المواسم السابقة. 
من حيث المبدأ، هناك المزيد من الحلقات: إجمالي خمس حلقات، منها اثنتان طويلتان بحيث يمكن اعتبارهما فيلمين قائمين بذاتهما. لكن ما يميّز هذا الموسم بشكل أساسي هو ما يبدو تخلّياً عن الخيال العلمي بشكل شبه كامل. أو بالأحرى، تقريباً كل السرد المستقبلي الذي جعل المشاهدين يقلقون عادةً بشأن التقنيات المستقبلية.

ربما تأتي الأسباب من خلال الواقع نفسه، فالعديد من الأشياء التي عُرضت في الحلقات القديمة من "بلاك ميرور" صارت الآن جزءاً من حياتنا اليومية، وفي مرحلة ما، توقّفت عن كونها تعبيراً عن هذا القلق (الماضي؟) بشأن المستقبل. ربما التفكير في أن المستقبل يصبح حاضراً، بل وحتى ماضياً، بسرعة كبيرة، لم يرغّب تشارلي بروكر في اللعب كثيراً مع التقنيات الحديثة وتناولها في الموسم الجديد. والحقيقة أنه، في ضوء تطوّرات الذكاء الاصطناعي المتسارعة، يبدو أن أي تقنية "مستقبلية" ستبدو قديمة في غضون أشهر قليلة.


"جولن الفظيعة"
ثلاث من حلقات الموسم الخمس تحدث في الماضي، وواحدة في الحاضر، وواحدة في المستقبل القريب. الأخيرة هي الأولى من حيث الترتيب، وإحدى أفضل حلقات الموسم، على الأقل من حيث أفكارها. تحمل الحلقة عنوان "جوان الفظيعة" وتركّز على جوان (آني ميرفي)، وهي مديرة قسم الموارد البشرية في إحدى تلك الشركات الزجاجية الشفّافة، بعدما أمضت يوم عمل في فصل موظفة وإقامة علاقة غرامية مع حبيبها السابق، تعود إلى منزلها وتنطلق مع شريكها الجديد لمشاهدة أحدث العروض المضافة لطاولة العرض في منصة "ستريمبيري" (منصة بث تشبه إلى حد بعيد "نتفليكس"، وستعمل أيضاً كمرجع ساخر في حلقات أخرى). وهناك اختار الثنائي مشاهدة مسلسل جديد، بعنوان "جوان الفظيعة"، تلعب فيه سلمى حايك نسخة مشابهة (ومفرطة) من جوان، حيث نشاهدها وهي تكرّر ما فعلته المرأة لتوهّا في اليوم نفسه.

ستركّز الحلقة على المشاكل التي يخلقها العرض لجوان. تترك صديقها، وتُطرد من وظيفتها، والجميع يتحدث عنها بشكل سيء، فضلاً عن محاولاتها مقاضاة "ستريمبيري" عن الأضرار التي لحقت بها، وهو أمر لن تتمكن من فعله أبداً لأنها وافقت مسبقاً أن تصبح جزءاً منه عندما حمّلت التطبيق للمرة الأولى (مَن الذي يقرأ جميع "الأحكام والشروط" لكل تطبيق يستخدمه على أجهزته الذكية؟!). 

كما أن المشاركة في المسلسل ستجلب المتاعب لحايك (التي تلعب نسخة من نفسها، لكن صورتها تأتي من طريق التزييف العميق) لأسباب ستستكشفها الحلقة. لا يستطيع محامو جوان وحايك فعل أي شيء حيال ذلك، وهكذا "تتولّى" منصّة البث حياة البطلة المضطربة. هذه هي نقطة البداية، وتزداد تعقيداً مع إضافة طبقات جديدة ومراجع واقعية أخرى. وفي حين أن فصلها الثالث وخلاصتها واهية بعض الشيء، إلا أنها قصة صغيرة، كوميديا تراجيدية مزعجة تحمل بداخلها صدى موضوعات المسلسل ككلّ وعلاقته بواقعٍ/ـنا، في الأخير، لم يكن بعيداً كما تخيّلنا للوهلة الأولى.

"لوك هنري"
الحلقة الثانية، بعنوان "لوك هنري"، ستحتوي ضمن أعدائها "نتفليكس" نفسها (عفواً، أقصد "ستريمبيري")، حيث أن ما سيُروى هنا سيكون قصة ديفيس مكاردل (صامويل بلينكين)، مخرج بريطاني شاب، يأخذ بيا (ميهالا هيرولد)، صديقته الأميركية وزميلته في مدرسة السينما في لندن، لمقابلة والدته جانيت (مونيكا دولان) التي تعيش في قرية اسكتلندية جبلية ملعونة (تعطي الحلقة عنوانها) لدرجة أنه على الرغم من جمال مناظرها يكاد لا يوجد فيها سائح واحد. لماذا؟ بسبب حدوث جرائم قتل وخطف وسوء معاملة مروعة ومآسي أخرى تخيف حتى الأشجع. ما بدأ بنيّة تصوير فيلم وثائقي عن الطبيعة في الريف الاسكتلندي، سيتحوّل، بفضل رغبة بيا، إلى تصوير تلك القصة المرعبة، على الرغم من معارضة ديفيس، الذي تأثرت عائلته أيضاً بهذه الجرائم.

وهكذا، ستصبح "ستريمبيري" جزءاً من الحبكة، لأنه، في مرحلة ما، سيذهب الثنائي إليها للترويج لمشروعهما بإنجاز عمل وثائقي عن جريمة حقيقية، من تلك التي يوجد الكثير منها في مكتبة "نتفليكس"، وستعرض الحلقة في بعض الأحيان جميع الكليشيهات الموجودة بهذا النوع التلفزيوني الرائج مؤخراً، في مكاتفة مازحة أخرى من بروكر للمنصّة التي توزّع مسلسله. لكن سرعان ما ستصبح القصّة بحدّ ذاتها فيلم رعب، من دون ترك المراجع السينمائية جانباً (هناك إشارات إلى فيلم "مشروع الساحرة بلير"). على الرغم من كونها ليست تقنية أو مستقبلية بطبيعتها (ما لم تُحسب أشرطة VHS على هذا النحو)، ربما تكون هذه الحلقة، من إخراج سام ميلر، هي الحكاية الأكثر فاعلية وشمولية في هذا الموسم. 

هجاء بارع ومصمّم بذكاء يليق بالأوقات المرعبة المكتشفة، وإمبراطورية قصص الجريمة الحقيقية التي تداوم منصّات البثّ على إنتاجها ومراكمتها.

"ما وراء البحر"
أما الحلقة الثالثة بعنوان "ما وراء البحر" من إخراج جون كرولي، فهي أقرب لفيلم روائي طويل يمتد لـ80 دقيقة. تكمن المشكلة في أن حبكتها، البارعة في عرضها، ليست غنية بما يكفي لتحمُّل هذا الطول. تدور أحداث الحلقة في العام 1969 (لكنه عام موازٍ)، وتجمع بين حدثين أميركيين من ذلك العام، لم يفصل بينهما في الحياة الواقعية سوى ثلاثة أسابيع: الهبوط على سطح القمر وجرائم قتل تشارلز مانسون. هنا لا يحدث أي من هذين الأمرين، لكن هناك نسخ "خيالية" من تلك الأحداث، حيث أن هناك رائدا فضاء في مهمة فضائية يعيشان خلالها بنسختين، ومن ناحية أخرى، هناك جريمة على الأرض تُقتل فيها أسرة بأكملها.

ما يجمع العالمين/الفضاءَين أن الأسرة المقتولة هي عائلة أحد رائدَي الفضاء. والتكنولوجيا الغريبة التي تربط ما يحدث على الأرض بما يدور في الفضاء تتمثّل في أنه عندما ينام أحدهما هناك، تأخذ "نسخة طبق الأصل" أو "أفاتار" منه مكانها هنا، ما يسمح لهما بقضاء بعض الوقت مع أسرتيهما على الأرض. افتراضيان، نعم، لكنهما يشعران بأنهما حقيقيان. وعندما تُقتل عائلة أحدهما (جوش هارتنت)، يصاب الرجل بالاكتئاب ويدعوه زميله (آرون بول) ليأخذ مكانه لفترة وجيزة، ليصبح نسخة طبق الأصل منه في عائلته. هذا، كما هو متوقع، سيُطلق العنان لإغراءات وشكوك ومخاوف وغيرة، وسيؤدي إلى سلسلة من المشاكل التي تمدّ أجل الحلقة ولا تستفيد منها بشكل كافٍ، ما يقلّل التأثير الأولي لما يبدو مثلث حبّ غامض، تكمله لانا (كيت مارا) زوجة الأخير وموضوع رغبة الأول.

"ميزي داي"
الحلقة الرابعة، بعنوان "ميزي داي"، وهي الأقصر، لأسباب غير واضحة، تقع في العام 2006 وتركّز على مصورة باباراتزي (زازي بيتس) تعاني مشاكل مالية. تلتقط صوراً لمشاهير هوليوود ممَن يمرّون بحالات خيانة أو تجاوزات تعاطي المخدرات أو أي موقف آخر "فاضح" يمكن أن يخدم وسائل الإعلام الصفراء. لكنها سئمت من بؤس صحافة التابلويد، فتركت المجال وحصلت على وظيفة صغيرة في أحد المقاهي، غير أن ديونها تحتاج أن تُسدّد.

ولذا لن يكون لديها خيار سوى العودة لطرقها القديمة عندما تطفو إمكانية حصولها على نحو 30 إلى 40 ألف دولار مقابل صورة لمازي داي (كلارا روجارد)، النجمة المشهورة الساقطة (على غرار ليندساي لوهان في ذلك الزمن) بعد تعاطيها المخدرات في منتصف تصوير فيلمٍ في أوروبا الشرقية، تسبّبت لاحقاً في حادث سيارة نتج عنه قتيل؛ والتي تحاول الآن التعافي في مصحّة منعزلة. ليس من الملائم قول أي شيء آخر، لكن القصة التي أخرجتها أوتا بريزويتز تحمل تطوّراً لافتاً ومفاجآت، حتى إن لم تُقنع تماماً. حلقة تعد بأكثر مما تقدّم.

"شيطان 79"
أما الحلقة الأخيرة "شيطان 79" فتأتي في 75 دقيقة، وتحدث أيضاً في الماضي، وبشكل أكثر تحديداً في العام 1979، باستخدام جمالية نموذجية لأفلام النوع البريطاني في ذلك الوقت. إنها قصة نيدا (أنجانا فاسان)، إنكليزية من أصول هندية تعمل في متجر للملابس وتتسامح مع الاعتداءات العنصرية طوال الوقت في خضم مناخ تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة. تُغضبها الاعتداءات لكنها لا تجرؤ على ردّها، وذات يوم يزورها شيطان مبتدئ (بابا إيسيدو) Paapa Essiedu يقنعها بقتل ثلاثة أشخاص لمنع مجيء نهاية العالم.

على الرغم من مخاوفها الأولية، تبدأ نيدا في إنجاز مهمّتها، لكن الأمور تتعقّد في حلقة تأخذ المظهر السياسي النقدي التقليدي في المسلسل (أحد الأشرار هنا سياسي من حزب المحافظين) وتضعه في عصرٍ كان مفتاحياً وأساسياً في التاريخ البريطاني الحديث. إنه زمن تشكّل ملامح ظاهرة مارغريت ثاتشر ووصولها الوشيك إلى السلطة، ومن ثمّ أثارت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة الرعب بين المهاجرين. على الرغم من أن الحبكة نفسها تفقد قوتها والكثير من منطقها مع مرور الدقائق، إلا أنها واحدة من أكثر الحلقات مباشرة من حيث سياقها ومحتواها، بتظهيرها أوجه الشبه (الواضحة بالفعل) بين تلك الحقبة التي شهدت صعود العنصرية والسياسات (البريطانية والأوروبية) الحالية المناهضة للهجرة.


إجمالاً، هذا الموسم من "بلاك ميرور"، المتفاوت وغير المتكافئ، مع موضوعات وأشكال تقليدية أكثر من المعتاد، يملك لصالحه شيئاً سبقت رؤيته في الموسم السابق: درجة أقل من الكراهية والقسوة تجاه أبطاله. كُثرٌ يجب أن يكونوا شهوداً وجزءاً من مواقف عنيفة وقاسية، لكن بشكل عام، إذا كان هناك شرير صريح هنا (باستثناء الحلقة الثالثة) فهي المؤسسات أو الشركات، مثل "نتفليكس"، عفواً، "ستريمبيري"، التي يمكنها أن تجعلك تتنازل عن حقوق حياتك لتحويلها إلى تسلية شخصية أو مسلسل يُضاف إلى طاولة عروضها!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها