الخميس 2023/06/15

آخر تحديث: 18:01 (بيروت)

قِطّ ذكوري

الخميس 2023/06/15
قِطّ ذكوري
"القط الأبيض" (1948) للفنان المصري محمود سعيد (عن موقع مؤسسة بارجيل للفنون)
increase حجم الخط decrease
طلبت مني صديقتي أن أرعى قططها الخمسة في غيابها، لليلة واحدة فقط. هي تعرف جيداً بأن لا علاقة لي بالقطط، لم أقتن قطة طيلة حياتي ولم أفكر في الأمر. كل ما أتذكره عنها، كيف كنت أرتعب، وأنا صغيرة في انتطار باص المدرسة، من أن تهجم عليَّ القطة الجرباء ذات العين الواحدة التي تراقبني كل يوم من خلف مستودع الزبالة. كنت أشعر كل الوقت أنها ستقفز عليّ وتعضني أو تخرمشني.

صديقتي لم تبخل علي بتطميناتها. قالت إن رعاية قططها مسألة سهلة جداً، كل ما عليَّ أن أفعله هو إطعامها، وإعطاء الصغيرة دواء مضاداً للالتهابات لأنها مصابة بزكام حاد، وألا أغلق الأبواب عليها كي تسرح وتمرح، وأن أضع مخاوفي خارج البيت وأدخل بقدمي اليمنى طبعاً.

وضعت للقطط طعاماً بكمية كبيرة، كي أؤمن لنفسي وقتاً كافياً فأقوم بأموري من دون التفكير في همّها. لم تهجم على الطعام كما تصوّرتُ، بل أكملَت اللعب في ما بينها، إلا القطة الصغيرة التي كانت تتنفس بصعوبة، تنظر إليَّ والدمع يُغرق مقلتيها. لم أحرّك ساكناً كي أعطيها الدواء، القليل من التأخير لن  يضر... أظن! واقترب منها بعد قليل كبير القطط، وبدأ يموء بطريقة غريبة. يُصدِر أصواتاً مبهمة ومزعجة. اقترب منها وبدأ يلحس فروها فيما يرمقني بنظرات مَن يعرف أنه يقترف جُرماً.

شعرت عندها بأني يجب أن أحمي الصغيرة منه. اتصلت بصديقتي كي أسألها إن كان هذا التصرف "طبيعياً" بين القطط. ضحكت وأجابت ببساطة: نعم، لا يمكنك تطبيق معاييرنا الأخلاقية على الحيوانات، فللقطط عالمها الخاص. لم أقتنع بجوابها، وازداد غضبي وأنا أراه يقترب منها ويتحرش بها بكل وقاحة، وهي لا تقاوم، أبداً. لم أفهم من نظراتها إن كانت راضية أم لا. يبدو أنها معتادة على الوضع.

لجأتُ إلى غوغل كي أفهم الحالة أكثر: "هل طبيعي أن يتحرّش قط كبير بقطة صغيرة؟"، وجاءت غالبية الإجابات بأن هذه الحركة لا تسمى تحرّشاً، بل هو (أي القط الأكبر) يحاول فقط السيطرة عليها، وهذه ليست حركات جنسية إلا في رأسي، بل حركات لفرض الهيمنة على المكان ومن ثم جذب الإناث.

لم يقل غوغل إنها أفكاري أنا، في رأسي. لكني فهمت أن متابعتي لمجموعات النسويات في مواقع التواصل، جعلتني أبني سيناريوهات في رأسي عن الذكور، بما فيهم القطط، وجعلتني أصرخ: "يا ذكوري يا متعفن يا أصلع!" في وجه القط الأكبر الذي يبدو أنه، عملياً، بريء.

أكملت القطط لعبها مع بعضها البعض بطريقة مستفزة، كأنها تتقصدني. واحدة منها لم يطِب لها اللعب إلا على شعري، وأخرى وضعت سمّاعتي بين أسنانها. حسناً، ما زلنا في النطاق العصبي المحتمل... إلى أن صعد واحد منها إلى درابزين الشرفة الرفيع، وبدأ يمشي فوقه بخيلاء وينظر إليَّ بتحدٍ. خفتُ أن يسقط، فتلومني صديقتي: كيف تَركتِه يكزدر على الحافة هكذا؟

لجأت إلى غوغل مجدداً، كي أفهم سر هذه اللعبة القططية السمجة.. وهل هذه بوادر انتحارية لديه؟ أم أنه فقط يستفزني، هذا القط اللعوب؟ غوغل يطمئنني مجدداً، هذه الحركات طبيعية عند القطط وهي تعرف كيف تحمي نفسها بالغريزة. هذا كله من البديهيات. فما بالي أُكثر التفكير والتحليل والتمحيص في حياة كائنات لها عالمها وتفسيراته وتحليلاتها الخاصة؟ لذا، أخيراً، تركت القطط الخمسة في حالها بقية الوقت المتبقي لها في عهدتي. لا أريد أن أصل إلى فك الشيفرة: هل فعلاً للقطط سبع أرواح؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب