السبت 2023/10/28

آخر تحديث: 16:29 (بيروت)

طمئنوني عنكم

السبت 2023/10/28
طمئنوني عنكم
الفنان الفلسطيني نبيل عناني
increase حجم الخط decrease
الجو ثقيل جداً. أتابع الأخبار وأنا لا أقوى على الحراك من كنبتي. لا أفتح الفيديوهات ولا الصور التي ينشرها الأصدقاء لتوثيق كل هذا القبح. سبق أن جربت ولم أستطع. كل هذا الموت والظلم فوق قدرة احتمالي. لا أريد أن أكون شاهدة على كل هذا الظلم والتخاذل.

أبتعد أكثر عن الشاشة، فأرى دماراً يغطي كامل المشهد. الرمادي يغطي المساحة، مضرجاً بأحمر. أغلق عيني فتتحول النقط الحمراء إلى خضراء. يختفي الدمار تدريجياً مع تحوّل عويل النساء إلى زغاريد تستقبل الحياة.
أعلم أني أهذي، كمعظمنا. أقلب شاشة التلفاز بالريموت كنترول علّ أعجوبة تحدث.

الغرب يساند الظالم، والكثير من العرب أشباح، لا حسّ لهم ولا خبر.
بعض الأصوات يعلو من هنا وهناك، مندداً بما يحدث من عدوان، فتطير كلماته هباء.
يكتب البعض من دول عربية لم تذق طعم الدم من قبل: الأطفال لا ذنب لهم؛ يلبسون قناع الحيادية من دون أسباب واضحة لي! هل هذا وقت التحليل؟

ماذا كنا نفعل قبل ذلك السبت الفائت، 7 اكتوبر؟ هل تصيبنا حمى الاستعراض التاريخي للوقائع فقط عند حلول الكوارث؟
أجمع ما تبقى لي من طاقة، وأرسل عشر رسائل متفرقة إلى أصدقاء مقربين لي يعيشون في غزة. رسالة واحدة إلى الجميع: طمنوني عنكم.

أدرك وقاحة رسالتي في ظل ما يعيشون. ربما تصلهم الرسالة، ودوي القصف فوق رؤوسهم لا يتوقف. أو خلال رحظات ركضهم للاختباء. ربما هناك فرد من العائلة فقد أعصابه ويبكي بهستيرية، أو طفل جائع يصرخ. ربما وصلهم خبر بإخلاء بيتهم الآن، أو سقطت قذيفة إلى بجانبهم، ربما وربما... عشرات السيناريوهات تدور حول رقبتي وأنا أرسل هذه الكلمة : طمنوني.

ماذا أريد منها، لا أعرف! هل أريد الاطمئنان كفعل أناني كي أرتاح بأن من يموت الآن في غزة لا أعرفه شخصياً؟ وهكذا لن أتألم ألماً عميقاً؟ هل أفكر فعلاً بمشاعري في هذه اللحظات؟ وماذا أتوقع أن يجيبني مَن أسألهم؟ وهم داخل كابوسهم وحدهم. العالم وأنا نتفرج عليهم، وهم يموتون. نضع ساقاً فوق ساق، تملأ الدموع عيوننا، وأيادينا مكبلة بسلاسل متينة، وفقدان أمل تراكم فأفقدنا أصواتنا. نئن بصمت.

عراة نحن من كل ما يكوّن مواطناً سوياً. أمسينا فارغين من كل طاقة، كرامة، فعل. حتى ردود الأفعال سلبت منا رويداً رويداً.

- طمنوني عنكم.
أقول بصوت مرتفع، وأتمنى ألا يجيبني أحد. لا أريد أن أكون جزءاً من هذه المشاهد السوداوية، فأنا غير مرئية.

- نحن أشباح الآن.
ننتظر أن يأتي دورنا كي نموت. نتمنى أن نموت معاً، كلنا كعائلة. وألا يحترق قلبنا على أولادنا وآبائنا. لن نغادر أرضنا. سنبقى هنا، لسنا وحدنا. الله معنا. سنُحتسب شهداء.
وأنتم! طمنونا عنكم؟ ماذا تشعرون وأنتم تديرون ظهوركم وتكملون حياتكم بهدوء؟


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها