الثلاثاء 2023/04/25

آخر تحديث: 13:48 (بيروت)

"بورن هاب".. قصة صعود وسقوط في "نتفليكس"

الثلاثاء 2023/04/25
"بورن هاب".. قصة صعود وسقوط في "نتفليكس"
increase حجم الخط decrease
كانت سيرينا فليتس في الرابعة عشرة من عمرها عندما وقعت في حبّ شاب يكبرها سناً. طلب منها أن ترسل له مقاطع فيديو وهي عارية. ثم بدأت تلاحظ نظرات غريبة من أقرانها في المدرسة لتعرف لاحقاً أن شخصاً ما نشر مقاطعها العارية في موقع "بورن هاب"، وأن أحدها حقّق 400 ألف مشاهدة. تواصلت الفتاة مع إدارة أكبر موقع إباحي في العالم وطلبت منها إزالة مقاطع الفيديو. وعندما بدا أن مسعاها نجح أخيراً، اكتشفت أن الفيديوهات المعنية ظهرت مرة أخرى في الموقع بواسطة شخص آخر.

التفاصيل تحكيها الفتاة المراهقة في فيلم "Money Shot: The Pornhub Story" للمخرجة سوزان هيلينغر، الذي أصدرته "نتفليكس" مؤخراً، وظهرت سابقاً في تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" وعمل على إنجازه نيكولاس كريستوف، الكاتب الفائز بجائزة "بوليتزر".


حين ظهر تحقيق كريستوف، في أواخر العام 2020 بعنوان "أطفال بورن هاب: لماذا تسمح كندا لهذه الشركة بالاستفادة من مقاطع فيديو تحضّ على الاستغلال والاعتداء؟"، ، لفت انتباه الجميع. وعبر اعتماده على وقائع حقيقة وعدد من الضحايا ممن وجدوا مقاطع مصورة لأسوأ تجاربهم الجنسية متاحة على الموقع الإباحي، عرَّض نشر التحقيق، ومن ثمّ انتشاره الواسع، نموذج الأعمال المربح لأحد المواقع الأكثر زيارة في العالم، إلى خطرٍ كبير. لم يتوقف كريستوف عند فضح المشكلة، وإنما طلب من إدارة الموقع ثلاثة أشياء: زيادة الإشراف على المحتوى، وحظر تنزيل مقاطع الفيديو، والسماح للمستخدمين الموثَّقين حصراً بنشر مقاطع الفيديو.

تمثّلت العواقب المباشرة لنشر التحقيق في تعليق شركتي "فيزا" و"ماستر كارد" لخدمات الدفع على الموقع، فسارع "بورن هاب" لحذف أكثر من 9 ملايين فيديو بين ليلة وضحاها. تقليل طاولة المحتوى المعروض على المنصّة يقلّل بالتالي من العوائد، ونظراً لأن أقوى مصادر الدخل في الموقع يأتي من الإعلانات (يجمع ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار من الإعلانات) كان الضحايا الرئيسيون لهذا الإجراء هم العاملون في مجال الجنس، المحترفون منهم في شركات واستديوهات إباحية كبرى أو المستقلون الذين يديرون أعمالهم الخاصة من خلال المنصة.

يظهر في الفيلم عدد من العاملين في صناعة الإباحية ليدافعوا في أغلب الأحيان عن وجود "بورن هاب" وأمثاله من منصّات منحتهم فرصة إنشاء البزنس الخاص بهم بعيداً من سيطرة الاستديوهات أو بيئات العمل غير المضمونة، إضافة إلى "التمكين" كإحدى الممثلات التي قالت أنه بفضل تحميل مقاطعها على الموقع، تمكّنت من شراء منزلها الخاص. ويعطي الفيلم أولئك كثيراً من الوقت للتعبير عن مخاوفهم والردّ على مناهضي المواقع الإباحية، لكن في ظلّ وجود اتهامات خطيرة كالإتجار والاعتداء الجنسي على الأطفال والاغتصاب، تظلّ المعضلة المركزية للفيلم متعلّقة بـ"بورن هاب" نفسه وطريقة إدارته.

يعود الفيلم إلى بدايات ظهور الموقع العام 2007، حين أنشأ ثلاثة طلاب في جامعة "كونكورديا" الكندية، منصة "بورن هاب" بدافعٍ من العبث الشبابي والنهم لمشاهدة النساء العاريات. في العام 2010، باعوا الموقع إلى فابيان ثيلمان، الذي حوّله إلى أحد أكثر المواقع مشاهدة في العالم وبنى حله إمبراطورية اقتصادية، تصل فروعها إلى 32 شركة. حالياً، يجتذب الموقع 3.5 مليارات زيارة شهرياً، أي أكثر من "نتفليكس" أو "ياهو" أو "أمازون". وكانت لديه لوحة إعلانية في "تايمز سكوير" وتأتي معظم عائداته من الإعلانات. ومثل غيره من مواقع وشركات الإنترنت العملاقة يعمل بالأساس من خلال جمع بيانات مستخدميه، وتفضيلاتهم، وتسويق مواده، وتحسين أداء محركات البحث لإعلاء أسهمه في الظهور أولاً.

لكن في طريق بلوغه قمة بيزنس "المحتوى المقدّم للبالغين" وتحقيقه أرباحاً سنوية بمئات الملايين من الدولارات، راكم "بورن هاب" بمرور الوقت جملة من الانتقادات والاتهامات بحقّه حول ممارسات غير أخلاقية، وأحياناً إجرامية؛ بدايةّ من التهرّب الضريبي وصولاً إلى نشر فيديوهات لاغتصاب أطفال.

وفي الفيلم تدرس هيلينغر كيف غيّرت أكبر منصة إباحية في العالم طريقة إنشاء محتوى البالغين وتوزيعه، وكيف ازدهرت الشركة بالرغم من الانتقادات، بالمرور سريعاً عبر أكثر من عقد لاستكشاف مواضيع حسّاسة مثل الأمن السيبراني والرضائية والمواد الإباحية للأطفال، من خلال مقابلات مع مشتغلين في صناعة الإباحية. كما يتضمن مقابلات مع ممثلات إباحيات مثل شيري دوفيل وسيري دال وغوين أدورا، يشاركن وجهات نظرهن حول كيفية تأثير النقد الناجم من تحقيق كريستوف على الصناعة وأولئك المعتمدين عليها لكسب عيشهم.

من ناحية أخرى، يتعرّض الفيلم لحملات مكافحة الاتجار بالجنس التي تروّج لها جماعات مسيحية محافظة تسعى إلى إنهاء صناعة الإباحية، بينما يستكشف أيضاً انتقادات ونقاشات نابعة من أولئك الذين يدافعون عن حريتهم في هذا المجال، الأمر الذي يمثّل نقطة تحوّل في صناعة يُنظر إليها أغلب الأحيان بكثير من الاستهتار والتسفيه. تسمح هيلينغر للأحزاب المختلفة بالتحدث: عاملون في مجال الجنس، ومدافعون عن صناعة الإباحية، وموظفون سابقون في "بورن هاب"، ومتحدثة باسم المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغَلين، وممثلو مجموعة ناشطة مسيحية، بإسمٍ مختار بذكاء "المركز الوطني لمكافحة الاستغلال الجنسي" ربما يخفي حقيقة مناهضتهم لصناعة الإباحية بأكملها.

بين هذا وذاك، تطلّ أسئلة كثيرة، بعضها يتجاوز موضوع الفيلم، وأخرى تنتجها سردية الفيلم ذاته: هل "مايند غيك"، الشركة الكندية الأم لـ"بورن هاب"، منظمة إجرامية على شاكلة عصابات المافيا النيويوركية، وبالتالي يجب التعامل معها بقسوة؟ أم أن الموقع الإباحي، الذي يحمل شعار "كل ما تحتاجه مجرد يدّ"، مثال على كيف تقود المواد الإباحية التقدّم التكنولوجي وتسهّل استقلالية المشتغلين بالجنس؟ هل يمكن اختصار الأمر هنا في مؤسسة تجارية تجد نفسها في مواجهة هجمة تتجاوزها إلى كلّ ما تمثّله، إذ تتعرّض لـ"حرب على الإباحية" تقودها جماعات دينية متطرّفة؟ وهل حظر المواد الإباحية، كما يقول محامٍ يعمل في المجال، جرس إنذار مبكر للقلق بشأن حرية التعبير؟

أياً يكن، ميزة الفيلم الكبرى ورابطه الأساسي، أنه منذ بدايته يعمل وفق منظور محدَّد: العمل الجنسي عملٌ مثل غيره، والرضائية عنصر أساسي من عناصر صناعة الإباحية. وبتبنّيه هذا النهج، يقدّم نظرة عامة ومفيدة على التحديات الأخلاقية والمعنوية التي تواجه صناعة الإباحية اليوم، مثلما على النقاش الاجتماعي حول عدم الكشف عن الهوية على الإنترنت وكيف أنها تسهّل الطريق لسلوكيات مشينة وإجرامية، خصوصاً على المنصّات حيث يمكن للمستخدمين غير الموثّقين نشر أي محتوى جنسي.

في الأثناء، يجد العاملون في مجال الإباحية، من المستقّلين خصوصاً، أنفسهم، عرضة للانسحاق بين سندان ما تفعله شركات الإباحية الكبرى، الساعية لجني أكبر قدر ممكن من الإيرادات، ولا تريد بذل الكثير من الجهد لمكافحة المحتوى الضار وغير القانوني عل منصّاتها، وبين مطرقة الأخلاقيين المحافظين الذين، بدورهم، ينتهزون هذا كفرصة لإعلان حربهم على المواد الإباحية ككلّ.

لا أحد في الفيلم يتحدّث عن حظر الإباحية، وإنما يبدأ الحديث من نقطة تتجاوز مرحلة الإقرار بوجودها وشرعنتها، في سبيل إيجاد طريقة لجعلها أكثر إنسانية واستدامة بالنسبة للبعض. وربما يكون مفيداً في هذا الصدّد التذكير بمقابلة سابقة نشرتها "المدن" مع المخرجة نينجا ثايبرغ حول موضوع مشابه، أشارت فيها إلى أن الإباحية لن تختفي أبداً، وربما يكون من الأجدى محاولة تحسينها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها