الإثنين 2023/03/13

آخر تحديث: 19:30 (بيروت)

شاشات لبنان تكافح الأخبار المضللة في الإنترنت...فماذا عن أخبارها؟

الإثنين 2023/03/13
شاشات لبنان تكافح الأخبار المضللة في الإنترنت...فماذا عن أخبارها؟
increase حجم الخط decrease
وأنا أستمع إلى فقرة تلفزيونية تدقّق في صحة المعلومات المنتشرة في وسائل التواصل، راودتني نكتة سمجة وقلت لنفسي لربما يحاول التلفزيون الانتقام بالمثل من وسائل التواصل التي دأب مستخدموها على رصد الأخبار في الإعلام التقليدي والتعليق عليها، لا سيما بعد السقطات الكبيرة وخصوصاً خلال احتجاجات 17 تشرين 2019 وما تلاها.

وبما أنه يصبح مملّاً النظر في شاشة هاتفي بعد يوم عمل طويل، قررت أنّي سأشاهد التلفزيون بين الحين والآخر. وصدق من قال إنّ النظر إلى غير الشاشات بات ترفاً لعيوننا في هذه الأيام. لكني اكتشفتُ في ما بعد أنّ عدداً من القنوات التلفزيونية في لبنان أصبح يخصّص فقرات للتحقّق من المعلومات، سواء في نشرات الأخبار المسائية أم خارجها، بالتوازي مع انتشار واسع لحملات مكافحة الأخبار الكاذبة والمضللة في المنطقة. 

لربّما من الضروري أن تصل جهود التحقق من المعلومات المفبركة والمضللة إلى الجمهور الذي ما زال يثق في التلفزيونات ويتابعها، لا سيما أولئك الذين يفوق عمرهم الأربعين سنة. ما زالت الساعة الإخبارية في تلفزيونات لبنان تتفوّق على الساعات الـ23 الأخرى، إذ يقضي نحو 58% من المستطلَعين ساعة من الوقت أمام التلفزيون يومياً لمشاهدة نشرات الأخبار، وفق تقرير نشرته العام 2021 منظمة "إنترنيوز" لتعزيز البيئات الإعلامية.

يحتّم هذا الواقع مسؤولية أكبر على المحطّات التلفزيونية ووسائل الإعلام ككل، لكن بدلاً من تصويب الأمور يتّكل البعض على الذاكرة القصيرة لبعض الجمهور.

أستذكر هنا بعض المحطّات التي لا تغيب عن بال كثيرين. بعد دقائق قليلة على انفجار الرابع من آب 2020، نشرت "المؤسسة اللبنانية للإرسال" (LBC) خبراً عاجلاً مفاده "أنّ انفجاراً يهز بيت الوسط" أي مقر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، وتناقله الكثير من مواقع الأخبار والإعلاميين، قبل أن تعدل الخبر إلى "انفجار يهز بيت بيروت" وتشير إلى أنّ "الرئيس سعد الحريري بخير".

وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، نشرت قناة "الجديد" في حسابها في "تويتر" تغريدتين متتاليتين ومتناقضتين في الوقت عينه. تشير الأولى إلى عزم الرئيس ميقاتي الاستقالة، والثانية إلى نفيه خبر الاستقالة، والخبران من "مصادر الجديد".


أمّا قناة "إم تي في" في مقدمتها الشهيرة في 12 شباط 2020، فاتهمت إيران بإرسال فيروس "كورونا" إلى لبنان، حيث استثمرت انتشار الوباء العالمي في النكايات السياسية الداخلية، ما أثار ردود أفعال واسعة.

لا أذكر أنّ أيّاً من الحوادث الثلاث تبعها تصويب من القنوات أو توضيح أو ما شاكل، بل مضت وكأنّ "هذا الوقت سيمضي".

هل التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام حلاً؟
لدى السويد والدنمارك، طريقتهما المستقلة في تطبيق مفهوم التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام وطريقة معالجة الأخبار والمعلومات التي ترد فيها أخطاء، بالإضافة إلى التعامل مع الشكاوى المقدمة من الجمهور.

تعيّن كل وسيلة إعلام أو مجموعة وسائل، أمين مظالم ombudsman، ليكون مسؤولاً عن تلقي الشكاوى ومعالجة الأخطاء. صحيح أنّ قراراته غير ملزمة، غير أنّ الضوابط وأخلاقيات العمل الإعلامي موثّقة في سياسات المؤسسة الإعلامية. يساعد هذا المفهوم على تحسين عملية التصويب وتجنّب الذهاب إلى القضاء إلا في حالات قصوى، حتّى أنّ القضاء يحمي الصحافي إلى أقصى الحدود. 

على سبيل المثال، في السويد، عندما ترد شكوى إلى النيابة العامة، يكون المحرّر مسؤولاً عمّا ورد في المحتوى، وليس الصحافي كاتب المقال، كما أنّ التصويت في هيئة التحكيم يميل غالباً لصالح الصحافي.

لا يعني ذلك أنّ كلّ "شي فرنجي برنجي". في التجربتين الكثير من الملاحظات التي أثقلنا فيها أسئلتنا للصحافيين والمسؤولين الرسميين والقضاة ومسؤولي وسائل الإعلام في السويد والدنمارك، خلال زيارة أخيرة للتعرف على التجربة.

وقد أثارت هذه النقاشات نقاشات أخرى، بين الفرق العربية، والفريق اللبناني خاصة، بحيث شكّل موضوع السياسات وقواعد السلوك للصحافيين حيزاً كبيراً من النقاش. هل القضاء هو المرجع الصالح للبتّ في هذه القضايا أم يمكن البدء باعتماد مفهوم التنظيم الذاتي للإعلام كمضبطة سلوكية؟ 

بعض الأجوبة جاء قاطعاً، مثل أنّ تمويل وسائل الإعلام في بلداننا هو ما يحكمها في الغالب، في حين تموّل الدول في السويد والدنمارك معظم وسائل الإعلام العامة والخاصة من دون أن تتدخل في سياساتها التحريرية. 

التمويل يدفعك للتساؤل عن الفقرات التي تبثّها وسائل الإعلام في لبنان. هل هي فقرات ممولة من جهات دولية في إطار الجهود المبذولة عالمياً لمكافحة الأخبار المضللة؟ مهما يكن، لا يكفي أن تنبري للجمهور، كل مرة، وتخبره بأنّ هذا الخبر "مش دقيق" وأن تخصّص برنامجاً "للتوضيح".


حان الوقت لنفكّر في الوعي المجتمعي
لعلّ أكثر ما نحتاجه هو بناء وعي مجتمعي وتفكير نقدي يساهمان في دحض الأخبار المفبركة تلقائياً، وفي هذا الصدد دور كبير يلعبه الوصول إلى المعلومات كما وسائل الإعلام. ثمّة عوامل مختلفة تؤثر في الوعي المجتمعي مقابل الأخبار المفبركة، مثل الأوضاع السياسية والاقتصادية والإعلامية بحسب دراسة نشرتها "كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية" العام 2020. 

وعلى وجه التحديد، عندما تقلّ الثقة في وسائل الإعلام، يصبح الناس أمام خيارات أقل لمصادر المعلومات السياسية وتقييمها بفكر نقدي، حيث أن لمستوى المعرفة دوراً مهماً في مواجهة المعلومات المضللة عبر الإنترنت. كما تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الدولة وتوفير الوصول إلى المعلومات، لأنّ البلدان التي تزيد معرفة المواطنين بالشؤون العامة تصبح مناعتها أكبر. 
لكننا في لبنان ما زلنا نعاني عدم نشر المؤسسات الحكومية للمعلومات، ناهيك عن تمنّع نحو 60% منها عن الرد على الطلبات الموجهة إليها في العام 2021، وذلك كله في ظل وجود قانون للوصول إلى المعلومات منذ العام 2017.

في مثل هذه الظروف، ستبقى الأخبار الكاذبة أو المفبركة أو المضللة أكثر عرضة للانتشار، خصوصاً في وسائل التواصل. أشارت دراسة في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (MIT) في دراسة نشرت في 2018 إلى أنّ الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع من الحقيقية في "تويتر"، وأنّ "المحتوى الزائف، نصاً أو فيديو أو صورة، يمتلك فرصاً أكبر للانتشار بنسبة تتجاوز 70% مقارنة بالمحتوى الحقيقي، بسبب تضمنّه عنصر الإثارة والمفاجأة غير المتوقعة، ما يثير مشاعر مختلفة لدى القراء، لا سيما المشاعر السلبية في الغالب كالخوف والاشمئزاز".

الخوف والاشمئزاز ومشاعر سلبية أخرى تذكّرني بالعرّافين والعرّافات الذين يكافئ بهم بعض وسائل الإعلام جمهوره لافتتاح السنة الجديدة، قبل أن يعود الإعلام نفسه إلى توبيخ الجمهور ذاته، في برامج التحقّق، كمورّج لمعلومات كاذبة خلال أيام السنة. فلكلّ وقت آذانه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها