الإثنين 2023/02/13

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

حبّ يا حبّ... كيفك يا حبّ؟

الإثنين 2023/02/13
حبّ يا حبّ... كيفك يا حبّ؟
increase حجم الخط decrease
أذكر أنني أحببت للمرة الأولى عندما كنت في سنّ السادسة. كان زميلي في الصف واسمه فادي، وكان صبيّاً أسمر. ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف عن حبّ الصبيان ثم الشبان ذوي البشرة السمراء. في فترة المراهقة أعجبني شاب، لا لشيء، إلا للونه الأسمر، ليتبين لي لاحقًا أن ما ظننته اسمراراً كان مجرد شحمٍ، إذ كان ميكانسيان الحي، وأنا لم ألتقِ به إلا أثناء مروري أمام الورشة حيث يعمل.. على الأقل هذا ما أذكره، فأنا لم أعد مراهقة منذ سنواتٍ كثيرة لا أريد عدّها، ولم أحبّ أحدًا –لا أسمر ولا أشقر- منذ سنوات تكاد تكون أطول من تلك التي تفصلني عن المراهقة.

أحبَّني كُثر، وأحببتُ كثيرين... أو هذا ما ظننته حينها، وبعد حينها أيضا، لكن مرّ زمنٌ على "حينها". ومؤخراً استطعت أن أقف وجهاً لوجه مع مشاعري السابقة وأتعرف أكثر عليها، لكن على حقيقتها هذه المرة، كي أعطيها تعاريف أكثر دقة. فتبين لي أن غالبية تلك المشاعر لم تمتّ للحب بِصِلة. لكني لا أستطيع مشاركة الكثير من تفاصيل ما اكتشفته، فما زلت تحت تأثير هذا الاكتشاف المؤلم حتى اللحظة.

أما الحبّ الذي أظن أنه بات الآن بإمكاني تمييزه، فيبدو أنه ينتقم لماضيه معي، ومن خداعي السابق والمتكرر له، وانتقامه يأتي عى شكل انقطاع، وأحياناً على شكل تنكّر متكرر أيضاً. حبٌّ تعلم الخداع وقرر أن يقاصصني وأن يوزّع حصصي منه على غيري.

طبعاً الحب لن يحكّم عقله، ولن يكون بإمكاني استخدام المنطق لإقنعه بمبرراتي وظروفي وأسباب خداعي السابقة له، ولن يصدق أني أنا نفسي لم أكن أعلم بهذا الخداع وكنت مخدوعة مني، مثله تماماً، وأني الآن شخص آخر وليس من العدل أن يستمر في محاسبتي على ما بدَر من نسخةٍ سابقة مني. كما أنني لست في وارد أن أبتزه عاطفياً أو أحتال عليه، فقد قررت فتح صفحة جديدة مع الحب، خالية من الألاعيب، لكن الحب من جهته لم يأخذ هذا القرار بعد. قرار من طرف واحد في حين أن رقصة التانغو بحاجة إلى اثنين.

وبالتالي لا تانغو... ثم أجدني أتساءل إن كان بإمكان من خاصمه الحب، التعرف عليه مجدداً؟ لا بد أن ملامحه تغيرت كما تغيرت ملامحنا مع الزمن، وزمن الخصام طال، فأصبحنا نألف فقط ملامحنا، ونلجأ فقط لأنفسنا وكنباتنا التي لم تعد تتسع لأكثر من شخص.

الخوف من عدم التعرف على الحب يجعل ممّن خاصمه الحب لزمن طويل، باحثاً بدوام كامل، وفي كل الأماكن والاحتمالات، حتى تلك التي تقارب اليقين بأن لا أمل في إيجاد الحب فيها. بحث منهك، غالباً ما ينتهي بخيبة تكون متوقعة أصلاً منذ البداية. بحث ما كان يجب أن يبدأ لولا وحشة البرد والوحدة. فالقدمان دائماً باردتان، والجوارب لا تدفئ.

يضع الباحثون أنفسهم في تجارب مخزية أحياناً، كأنهم يحاولون أن يثبتوا للحب مدى جديتهم في بحثهم عنه، وإنهم لأجله سيقابلون الجميع بلا استثناء، حتى الذين لا يناسبون أذواقهم ومعاييرهم، علّ الحبّ يمارس حيله واختباراته المستمرة بهذه الطريقة ومن حيث لا يدرون ولا يتوقعون.

كل محاولة تتضمن بوحاً متكرراً، وبدرجة جدية لا بأس بها، فقط علّ الحب يراقب ويتحقق من جدية الباحث عنه. ومع كل بوح، ومع كل تكرار، نشعر، نحن الباحثين عن الحب والتائبين عما فعلناه بحقه سابقاً بلا قصد، نشعر بأننا نذوي قليلًا. فكل بوح مشاركة، وكل مشاركة في غير مكانها خسارة.

وهكذا أصبحنا، نحن الباحثين عن الحب والتائبين عما فعلناه بحقه سابقاً بلا قصد، مع مرور الوقت، خاسرين. نخسر مع كل بحثٍ، وأمام عين الحب غير الآبه إلا للعقاب. ورغم صبرنا، وقبولنا بحصد أفعالنا السابقة، ومشاهدة ما نخسره مع كل بحثٍ غير مجدٍ، إلا أننا لا نتوقف عن البحث. كنا نبحث بكل حواسنا وأعضائنا، لكن وبما أننا نذوي، صرنا في كل محاولةٍ نبحث بأعضاء أقل.

ما زلنا نملك النظرات واللمسات، على أمل أن يبقى القلب معنا في رحلات بحثنا المتبقية، والتي ما زالت متاحة، لأننا لا نريد أن نجد من نبحث عنه بعد أن نكون قد أصبحنا بلا قلب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها