الأحد 2023/12/31

آخر تحديث: 19:12 (بيروت)

لبنان في 2023: عام التحريض الطائفي وخطاب الكراهية

الأحد 2023/12/31
لبنان في 2023: عام التحريض الطائفي وخطاب الكراهية
لم تُحيّد طائفة من خطاب الكراهية وتضاعفت إثر حرب غزة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
إرتفعت وتيرة الخطاب التحريضي الطائفي وخطاب الكراهية من قبل بعض الناشطين اللبنانيين، بشكل غير مسبوق خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة في لبنان، بالتزامن مع الاشتباكات على الحدود مع فلسطين المحتلة، ولم يقتصر التحريض على ناشطين محزبين أو مؤدلجين، إذ شارك سياسيون واعلاميون في تلك الموجة، مما يقوّض كل الجهد السابق لطمر هذه الظاهرة التي شهدت ذروتها خلال الحرب السورية. 

لم تُحيّد طائفة من خطاب الكراهية. الانقسام السياسي استحال انقساماً مذهبياً. من يخاصم "التيار الوطني الحر"، حوّل سهامه باتجاه المسيحيين، كذلك من يخاصم "القوات اللبنانية، أو يرد على هجماتها العنيفة على "حزب الله". وبالمثل، من يخاصم الحزب، حوّل سهامه باتجاه الشيعة، ومن لا يخاصم "الممانعة"، هاجم الفلسطينيين والسنّة والاسلام السياسي. المسافة الفاصلة بين الخلاف السياسي وخطاب الكراهية، تلاشت بشكل كبير، بغياب ضوابط سياسية وأعراف اجتماعية. 

طائفية متجذرة

والحال أن الطائفية في لبنان لا تتمثّل بالنظام الذي يحكم البلاد فحسب، بل تمتد إلى أبعد من ذلك بعد أن باتت مُتجذّرة في نفوس الكثيرين. وحتى الصراع مع إسرائيل، تحول في لبنان إلى صراع طائفي.

وهنا تقول وداد جربوع، الصحافية والباحثة في "مؤسسة سمير قصير" (سكايز): "للأسف أمام كل استحقاق سياسي أو حدث أمني في لبنان، نلاحظ تصاعد الخطاب الطائفي بين اللبنانيين والذي يترجم بارتفاع حدة الخطاب التخويني من جهة والاصطفاف المذهبي من جهة ثانية"، مضيفة: "هذا ليس جديداً، وسببه الأساسي يعود إلى تركيبة النظام السياسي اللبناني الذي يقوم على التقسيم الطائفي للسلطات الدستورية والمناصب الإدارية وتحكمه أساساً طبقة سياسية فاسدة، هي نفسها ساهمت منذ زمن بتكريس هذا الخطاب الطائفي الذي لم تستطع كل تلك الأزمات التي مرّت بها البلاد في الحد منه"، فضلاً عن "التبعية والولاء الحزبي والطائفي". 


لذلك، ترى جربوع في حديث لـ"المدن" أنه أمام أي خلاف سياسي لدى السلطة السياسية، إن كان داخلياً أو امتداداً للخلافات أو أي خلاف إقليمي معين، فإن "تأثيره المباشر سيكون على لبنان واللبنانيين، وينعكس التشنج الحاصل في السياسة على الشارع، وهذا ما يحصل تحديداً في ظل الحرب الأخيرة الدائرة في الجنوب اللبناني، إضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي في لبنان منذ سنوات، وبالتالي لدينا عاملان أساسيان لتصاعد هذا الخطاب، أي توتر سياسي طائفي وضائقة اقتصادية مالية، ولا نستطيع أن ننكر أن ثمة أطرافاً سياسية قد يكون لها مصلحة في تصاعد هذا الخطاب وإمكانية استخدامه في ظل تصاعد التوتر في المنطقة بأكملها".  

صواريخ الحزب والقرى المسيحية
منذ بداية العدوان على غزة وإلى اليوم ذهب البعض إلى الترويج أن "حزب الله" يطلق صواريخه من القرى المسيحية عمداً ليعاد إستهدافها، أو عندما سقطت صواريخ  في إحدى القرى المسيحية، صوّبت الإتهامات نحو الحزب، علماً أن الأمر لم يكن واضحاً إذا كانت تلك القطع نتيجة صواريخ القبّة الحديدية أو صواريخ للحزب سقطت عن تاريخ الخطأ. ومنذ أيام قليلة أيضاً تداول ناشطون ومغرّدون إستهداف المقاومة للكنيسة في منطقة الجليل وسط خطاب تحريضي طائفي.

وتحذر جربوع من تداعيات هذا الخطاب على المجتمع اللبناني. تقول: "الخطاب التحريضي وخطاب الكراهية بشكل عام لديهما تأثير سلبي وخطير على المجتمعات، فكيف إذا كانت تلك المجتمعات لديها انقساماتها وتوتراتها الطائفية والسياسية بالإضافة إلى أوضاع اقتصادية سيئة جداَ". وتأسف لأن "كل هذه العوامل قد تؤدي إلى ازدياد التوتر والعداء بين فئات المجتمع كافة والذي بدوره سيؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية ويشجع على التمييز والتفرقة بين اللبنانيين، وهذا يمكن أن يؤثر بشكل واضح على فرص الفرد وحقوقه في المجتمع، كما يساهم هذا الخطاب بتعزيز الانقسامات السياسية الموجودة أساساً ويصعب الوصول إلى حلول شاملة تفتقر لها البلاد بشكل كبير". 

وبالنسبة لتأثير ذلك على مجريات الأحداث، فيتضح أن تصاعد هذا الخطاب الطائفي والتحريضي والتخويني "قد يؤدي في أي لحظة إلى تجاوزات طائفية في الشارع أو فتنة في البلد، وهذا طبعاً سيضعف لبنان أكثر وأكثر في ظل ما يعانيه أساساً في الحرب المستمرة في الجنوب".

مساحة رقمية للتحريض
ولا يمكن في مثل هذه الحالات إغفال الدور والمساحة التي باتت تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن وسائل الإعلام التقليدية لتغذية هذا الخطاب وتوسيع الفجوة بين اللبنانيين إذ أن الانقسامات والاتهامات باتت أساساً تنطلق من المنصات الرقمية. 

وحول هذا الدور تشرح جربوع: " طبعاً يمكن أن تلعب وسائل الإعلام والمنصات الرقمية التي تمتلك قدرة كبيرة على نشر المحتوى وسرعة وصوله إلى جمهور أكبر، دوراً كبيراً في تشكيل ونشر خطاب الكراهية بشكل عام، خصوصاَ إذا كان هناك انتقاء في المحتوى الذي يشجع مثلاً على التمييز، وتحديداً إذا كان هذا المحتوى مثيراً للجدل، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تكراره وانتشاره بشكل كبير أيضاً، ويمكن للأخبار الزائفة أو المضللة أن تستخدم لتكريس الخطاب التحريضي ويمكن للتعليقات في مواقع التواصل أن تصبح هي منبراً لخطاب الكراهية بحد ذاته". 
وكانت "ٍسكايز" أجرت على مدى سنتين من رصد لخطاب الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى وسائل الإعلام، دراسة لاحظت فيها أنه في وسائل التواصل الاجتماعي منسوب التحريض والكراهية موجود بشكل كبير جداً مقارنة بوسائل الإعلام اللبنانية. كما خلصت الى أن بعض السياسيين "يمكن أن يتبنّوا خطاباً يستخدمون فيه لغة الكراهية لتحقيق أهداف سياسية معينة، وللأسف هذا يحصل بشكل متكرر في لبنان في ظل وجود مؤسسات إعلامية حزبية تعتبر منبراً إعلامياً لتلك الأحزاب".

أما عن آلية مكافحة هذا الخطاب فتقول جربوع: "هذا يتطلب جهداً كبير جداً من الأفراد والمجتمع والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني للوصول إلى آلية متكاملة لمكافحة هذا الخطاب"، لافتة الى ان "الخطوة الأولى والأساسية فيه هي تعزيز التوعية حول مخاطر هذا الخطاب وتأثيره السلبي على المجتمع". وتؤكد "اننا في مؤسسة سمير قصير نشدد دائماً على ذلك، وبدورنا أطلقنا حملات توعية في المدارس اللبنانية لأن التوعية يجب أن تبدأ من المدارس وعلى عمر صغير للمراهقين تحديداً الذين بدأوا التفاعل مع تلك المنصات".

كما تشدد على "ضرورة التشجيع على قيم التسامح والتعايش تحديداً في هذا البلد المتنوع والتشجيع على الحوار المفتوح والبناء حول القضايا المثيرة للجدل. أما النقطة الأساسية والأخيرة فتتمثل في "تشديد القوانين ضد خطاب الكراهية والخطاب التمييزي والتحريضي وتنفيذ هذه القوانين بشكل فعال. لأن القانون هو الذي يحمي كل أفراد المجتمع".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها