الأربعاء 2023/11/22

آخر تحديث: 15:25 (بيروت)

نانسي السبع وآخرون: نقاشات التغطية والحلول..والأهداف الإسرائيلية

الأربعاء 2023/11/22
نانسي السبع وآخرون: نقاشات التغطية والحلول..والأهداف الإسرائيلية
من تشييع شهيدي "الميادين" فرح عمر وربيع المعماري أمام القناة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
تفتقد المطالب بوقف التغطية الاعلامية في الجنوب، بعد 5 اعتداءات اسرائيلية على الصحافيين، الى الكثير من المعرفة بدور الإعلام، وتعيد النقاش حول أسباب التغطية، والأسباب التي تدفع اسرائيل لترهيب الصحافيين في اعتداءات مباشرة ودموية، أسفرت عن استشهاد 3 صحافيين واثنين من مرافقيهم خلال 40 يوماً من التغطية. 

ينطلق الداعون الى وقف التغطية من حيثيتين. أولهما عنف اسرائيل ودمويتها، مما يجعل أي مهمة اعلامية على الحدود، انتحارية. وثانيهما أن المادة الصحافية من الحدود، مكررة، لا تتضمن محتوى جذاباً، وتقتصر على صور الدخان المنبعث من القصف، كما قالت الاعلامية نانسي السبع وآخرون من العاملين في الإعلام.. وذلك طالما أن المعارك لا تزال مضبوطة تحت سقف تبادل القصف في منطقة أفرغها القصف الاسرائيلي من سكانها الى حد كبير، ووضع قيوداً، بالنار، على حركة المدنيين فيها. 

مهمة الصحافة
والحال أن هذا المنطق، بحيثياته المعلنة وغير المقنعة، يتجاهل واقعتين هما في صلب مهمة الصحافة الباحثة عن خبر وخلفياته، نظراً لأن المهنة تطورت بشكل قياسي يتخطى الاسئلة الستة التي دأبت كليات الاعلام في العالم على تعليمها في العقود الماضية (مَن؟ ماذا؟ أين؟ متى؟ لماذا؟ وكيف؟)، والتي أضيف اليها سؤال "ماذا بعد؟"، لتصبح 7 أسئلة، وهو سؤال يستدعي البحث في الخلفيات، كما بتفسير الاحتمالات والتداعيات، وهي مهمة الصحافة الحديثة. 

تتمثل الواقعة الأولى في تحديد مهمة الصحافة، بكافة مسمياتها، الباحثة عن الخبر في الغرف الضيقة والمداولات الحكومية والأروقة الدبلوماسية والملفات الإدارية والأحداث ذات التأثير في المسار الإنساني، وهي البحث في الأنقاض والأزمات والحرائق السياسية والميدانية، وذلك في مهمة تشبه مهام الدفاع المدني وفرق التحقيق الأمني، مع امتياز النشر للصحافي دون سواه من تقارير الآخرين ومهامهم. 

ويمكن استحضار الكثير من الأمثلة، مثل مشهد المدنيين الهاربين من حريق كنيسة "نوتردام" في باريس قبل سنوات، فيما كانت الطواقم الصحافية تتقدم اليه، ومثل هرولة المحيطين ببرجي التجارة العالمي في أحداث 11 أيلول، في مقابل هرولة معاكسة للصحافيين الى المكان لنقل الخبر.. ومثل إخلاء الآلاف لساحة المواجهات بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والمتظاهرين في 17 تشرين، بينما يصل الصحافيون لتغطية مفتوحة، أسفرت عن سقوط جرحى في صفوفهم. وتالياً، ليست الصحافة في الأزمات هي صحافة المكاتب والروايات الرسمية التي تنتهي بشح في المعلومات، وتقوّض أساسيات المهنة، وتحولها الى أبواق لروايات رسمية.  

محتوى الإعلام والصورة المكررة
أما الواقعة الثانية محل السؤال، فهي المحتوى الذي يقدمه هؤلاء الصحافيون في الميدان الحدودي في الجنوب. تكرار الصورة، لا يعني عبثية التغطية بأي شكل من الأشكال، طالما أن المادة على هامش التغطية متشعبة ومتاحة، وهي مسؤولية لا يتحملها الكثير من المراسلين اليافعين من أصحاب الخبرات المحدودة في تغطية الحروب الذين تم زجهم، فجأة في الميدان، لترجمة ما تنقله الكاميرا. 

في الحقيقة، هي مسؤولية المؤسسات التي لم تنتج زوايا ومقاربات على هامش التصعيد الميداني، منها تقرير "رويترز"، الأسبوع الماضي، عن التحديات التي يواجهها مستشفى مرجعيون الحكومي، وتقارير أخرى عن آثار الحرب في جمع محصول الزيتون، أو عن آثار القنابل الفوسفورية التي وردت في تغطيات وسائل الإعلام المحلية. وهي في أي حال، جزء من التوجيه في المؤسسات، ومن الخبرة المفترضة بالصحافيين أنفسهم الذين سبق أن أعدوا تقارير ممتازة واستثنائية في تغطيات حرب تموز 2006، من بينها تقرير نشرته "العربية" في ذلك الوقت، في دقيقة واحدة، يسرد حال امرأة مزارعة تتفقد بقرتها تحت القصف، والتزمت بالبقاء الى جانبها طوال أيام الحرب.

توثيق وموثوقية 
ورغم هذا النقص، لا يمكن الجزم بأن الصورة المكررة لم تقدم أي فائدة. مهمة الاعلام في هذه المرحلة، هي التوثيق، وقد نجحت الصور المكررة بتوثيق الاعتداءات التي باتت وقائع لا لُبس فيها لاستخدام اسرائيل الاسلحة المحرمة دولياً، مثل الذخائر الفوسفورية والانشطارية، والاستهداف المباشر للمنازل وبيوت المدنيين، والاعتداءات المكررة على الفلاحين والآمنين والصحافيين. 

من دون وسائل الاعلام التي يفترض أنها تتمتع بموثوقية ويصبح محتواها دليلاً دامغاً، وهي مهمة الـMainstream media، سيتم الاعتماد على ناشطين مجهولين يبثون الأخبار الميدانية في مجموعات "تلغرام"، من دون أي قدرة على التمييز بين الخبر الدقيق والمزيف، سواء كان عمداً بغرض التضليل أو نتيجة لقِصر في المعلومات، وقد حصل ذلك مساء الثلاثاء في الحديث عن استهداف سيارة في وادي طيرحرفا، فتكفل مراسل "المنار" بدحض تلك المعلومة. وتالياً، لا يمكن الاعتماد على معلومة غير موثقة كدليل في ملاحقة اسرائيل في المستقبل بجرائمها، وهو ما يريده الاحتلال في ترهيب الصحافيين وإخلاء الميدان من الصحافيين عبر القمع بالنار والقتل والإجرام.

رسالة إسرائيل
ومع رفض التخوين والاتهامات للمطالبين بإخلاء الميدان بأن مطلبهم يتلاقى مع المخطط الاسرائيلي، تكثر الأسئلة عما تريده اسرائيل، من دون إجابات. ويتوجب شرح الغرض الإسرائيلي من العنف المفرط تجاه الصحافيين، وهم، وفق القانون الدولي، مدنيون لا عسكريين، وتستوجب مهمتهم الحماية وتجنيبهم الاستهداف. 

تدرك إسرائيل أن ما يبقى، بعد نهاية الحرب، هو الصورة والبيان الرسمي. أي تفاصيل إضافية، غير موثقة، لا يُعتدّ بها، وستكون قابلة للتشكيك، كما لا يمكن الاعتداد بالتوثيق الحربي (عن كافة الأطراف المنخرطة في الصراع بما فيها قوات الاحتلال)، الذي يفي بغرضه في الدفع بالرسائل الأمنية والعسكرية والسياسية في لحظته، لكنه قابل للطعن في وقت لاحق بوصفه "متحيّزاً". لذلك، تسعى، على المدى الطويل، إلى توحيد الرواية. وهذه المهمة لا يمكن أن تُنفذ، إلا بإبعاد وسائل الإعلام الخصم من الميدان، حتى لو كلفها ذلك الترهيب والاستهداف وتحمل الانتقادات الدولية والحقوقية. 

توحيد الرواية
وتوحيد الرواية، يفرض إيجاد صورة بديلة من الطرف المقابل، وهو ما يتواجد الآن في الوكالات العالمية لدى البحث عن صور من لبنان. يستند الصحافيون من وسائل الإعلام الأجنبية الى الإعلان الرسمي. وطالما أنه شبه مفقود من جهة الجيش اللبناني، وطالما أن دولاً كثيراً تصنف "حزب الله" (و"حماس" استطراداً) ضمن لوائح الإرهاب الخاصة بها، فإن أي رواية من هذا النوع ستُعتبر منحازة و"ترويجاً لمنظمات ارهابية". ولا تستند الصحافة العالمية في نقل الأخبار الميدانية الا لوسائل الإعلام المحلية، حيث تُنسَب لها الأخبار، وليس لمجموعات "تلغرام" الكثيرة. لذلك، تتوحد الرواية، تدريجياً، بانسحاب وسائل الإعلام من الميدان. 

ما العمل؟
في هذا النقاش، يسأل كثيرون: ما العمل في ظل المخاطر المحدقة بالصحافيين؟ هذا السؤال يجب توجيهه الى السلطات اللبنانية التي يتوجب عليها التحرك دبلوماسياً، لضمانة عدم استهداف الصحافيين بالتواصل مع "اليونيفل" وإعداد خطة لتغطية ميدانية، تقوم أساساً على تحديد مناطق ثابتة للتغطية على مدار الساعة، تكون محمية بمواكبة أمنية من الجيش اللبناني و"اليونيفل".

بالتوازي، يتم تنظيم جولات يومية يتم تحديد موعدها ومواقع التجوال، وتُبلغ للولايات المتحدة ودول مؤثرة أخرى، بما يشبه ما كان يجري أيام حرب تموز، وتكون تلك المواقع محمية أيضاً بمواكبة "اليونيفل" والجيش اللبناني. ويترافق الإجراء الرسمي مع تدريب في القنوات ورفد الطواقم بمراسلين يتمتعون بخبرة ميدانية، أو مصورين يتمتعون بالخبرة يرافقون المراسلين.. وليس هناك أسهل من البحث عن زوايا للتغطية تنقذ الاعلام من الاستنزاف وصور الدخان المكررة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها