الجمعة 2023/11/10

آخر تحديث: 19:49 (بيروت)

"التلفزيون العربي" في الجنوب: الشجاعة بمواجهة المسيّرات الإسرائيلية

الجمعة 2023/11/10
"التلفزيون العربي" في الجنوب: الشجاعة بمواجهة المسيّرات الإسرائيلية
increase حجم الخط decrease
وجد مراسلو "التلفزيون العربي" في لبنان، أنفسهم، في قلب المعركة المندلعة في الجنوب، بعدما فتحت القناة الهواء لتغطية خاصة ومستمرة للعدوان على قطاع غزّة والضفة الغربية وجنوب لبنان. حملوا عدتهم وعتادهم، مساء السابع من اكتوبر، واستنفروا في الميدان على طول الشريط الحدودي مع فلسطين المُحتلة، ولم ينقطعوا منذ ذلك اليوم. 

التحديات والصعوبات
"تجربة قاسية"، بهاتين العبارتين يصف المراسل علي رباح التغطية المتواصلة جنوباً. اعتبارات عديدة أسست لتلك القسوة. يقول لـ"المدن": "تواجدي في منطقة هي الأخطر ميدانياً: القطاعان الغربي والأوسط، هنا حيث خطوط التماس ضيقة، ويقترب الشريط الحدودي والمواقع الاسرائيلية من القرى والبلدات، الأمر الذي يجعلها منطقة عسكرية عرضة للقصف المتواصل. كما أننا نتعامل مع عدو لا يميّز بين صحافي أو مسعف أو مدني، والشواهد كثيرة". 

الأمر الآخر، يتمثل في كثافة النيران، وخصوصاً القذائف الفوسفورية المحرّمة دولياً. كذلك استهداف الطرق الرئيسية بين البلدات (راميا، طربيخا، مروحين، البستان، الضهيرة، علما الشعب)، "الأمر الذي يجعل التنقل صعباً"، فضلاً عن استهداف المنازل بشكل مباشر.

يشير رباح إلى أنه "في الأسبوعين الأوّلين لم تكن الخطوط قد رسمت، خطوط المسموح والممنوع، السهل والصعب. كنا في مرحلة التعرف على المكان بكل تلاله وأزقته ومداخله ومخارجه وتفاصيله. كنا نقيّم الأرض استعداداً للحرب".
 

مباغتة اسرائيلية
أثبتت الوقائع أن الصحافيين يقبعون في قلب الخطر، وتأكد ذلك إثر استشهاد الزميل عصام عبد الله. وتقول مديرة التحرير في مكتب "العربي" في بيروت جويس الحاج خوري: "صحيح أن الحرب لم تبدأ بعد، لكن هذا لا ينفي المخاطر التي يتعرض لها الصحافيون والمخاوف التي ترافقهم".

وتتابع الخوري: "ما يجري يعرض الطواقم الصحافية للخطر، بدليل ما حصل مع الزميل عصام والزملاء في قناة الجزيرة. ومن الواضح أن الجانب الاسرائيلي يسعى لترهيب الصحافيين من خلال استهداف أماكن تواجدهم او الطرق التي يسلكونها. تتعدد الروايات حول محاولات الجانب الاسرائيلي إبعاد الصحافيين عن مناطق النزاع. في إحدى المرات، وخلال تغطيتنا لمدة أكثر من ساعة لعمليات القصف التي تطاول مرتفعات كفرشوبا، وقفنا طويلاً في منطقة حرجية في بلدة القليعة، وبعد مغادرتنا بدقائق تم استهداف المكان الذي كنا نقف فيه".


لا تفارق طائرات الاستطلاع، أجواء المناطق التي اعتمدها الصحافيون لتغطياتهم، وتقول الخوري لـ"المدن": "في إحدى المرات وخلال استعدادات الطواقم الصحافية لرسائلها المباشرة في بلدة العديسة بالقرب من الجدار الفاصل بين لبنان ومستعمرة المطلة، باغتتنا مسيّرة من خلف الجدار على علو نظرنا، ما أثار هلع الطواقم خشية أن يتم استهدافها او أن يؤدي وجودها الى أي حادث أمني قد يطاول الصحافيين". 

التحديات أمام الصحافيين والمراسلين كثيرة. وحسب الخوري، "تبقى محاولاتنا للحفاظ على أرواحنا صعبة، ولا أخفي أن التنقل فعلياً في مناطق الجنوب يشبه المراهنة، ففي أي لحظة قد يدعي العدو الاشتباه في السيارة ويقوم باستهدافها، لكننا ونظراً لإلمامنا بجغرافيا مناطق الجنوب وكوني واكبت حرب تموز 2006، نحاول قدر الامكان التنقل بحذر في مناطق الى حد ما آمنة والتوجه إلى المناطق الأكثر خطورة في حال كانت هناك أحداث بارزة وتطورات لا يمكن تجاهلها". 

خبير أمني وعسكري
مخاطر أمنية وصعوبات أخرى يواجهها العاملون في الميدان، يرى المراسل محمد شبارو أن "الصحافي في جنوب لبنان يتحول إلى أكثر من صحافي". ويتابع قائلاً: "هنا تصبح خبيراً أمنياً وعسكرياً، وتصبح خدمة تطبيقات التنقل بلا فائدة. لا تتنقل وفق الطريق الأقصر المقترح، بل وفق الطريق الأكثر أمناً. تبحث عن الطريق الذي لا يمر بالقرى التي تتعرض للقصف، وتهمل اقتراحات خرائط التطبيقات التي لم تتأقلم بعد مع مناطق النزاع. هكذا نجمع كل يوم صباحاً المناطق التي تتعرض للقصف نرسم لها في ذهننا خريطة مختلفة تتغير مع تغيير الساعة". 

زار شبارو القطاعات الثلاثة في هذه التغطية. الغربي، الأوسط، الشرقي. يقول: "كنا نقف في الأسبوع الأول في القطاع الشرقي عند تلة الحمامص المشرفة على مستوطنة المطلة، سريعاً سقطت هذه النقطة وتقهقرنا الى مواقع خلفية، لا يبدو أن هناك أماكن آمنة، وربما هذا هو التحدي الأصعب. بالاساس ماذا يعني المكان الآمن لصحافي في جنوب لبنان، يشاهد زملاء له في غزة، منهم من قضى شهيداً، ومنهم من استهدفت عائلاتهم، ومنهم من استهدفت منازلهم. لا مكان آمن في غزة يعني لا مكان آمن في أي نقطة، هنا أيضاً".


مصادر المعلومات
تعود الخوري لتتحدث عن التحدي المرتبط باستقاء المعلومات وتقييمها في ظل كل هذه الظروف الأمنية. تقول: "حتى عندما نعلم مصدر إطلاق الصواريخ من لبنان مثلاً، نجد أنفسنا أمام مسؤولية التحفظ عن ذكر المكان حفاظاً على أرواح الناس ومنعاً لاستخدام العدو لهذه المعلومات في عملياته. كذلك في أحيان كثيرة نحتاج لانتظار معلومات من مصادر حزب الله حول حقيقة العمليات التي تم تنفيذها، وإن كنّا مثلاً على دراية بإطلاق صواريخ باتجاه أحد المواقع". 

تتذكر عندما تم استهداف منطقة إقليم التفاح. يومها: "سُئِلتُ عن سبب هذا الاستهداف وأنا أدرك جيداً السبب، لكن الأسباب الأمنية والأخلاقية تمنعني من الحديث عن الأمر، وهنا مسؤولية المراسل في تقييم المعلومات التي ترده، فبعضها على أهميته، يجب ألا يقال وإن كان قوله يؤدي الى سبق صحافي أو إلى تبيان حجم المعلومات التي يملكها الصحافي إو إلمامه التام بالملف الأمني والعسكري".


اغتيال عصام عبد الله 
"دخلنا، كأول قناة محلية وعربية، إلى بلدات قصفت، مثل بلدة الضهيرة في القطاع الغربي. كنا عندما ينتهي القصف، ننتظر ربع ساعة، للتأكد من أن الأمور هدأت، ثم ندخل لمعاينة الناس والمكان. كنا نسمع الكثير عن المجازفة، لكننا كنا على يقين بأن خيطاً رفيعاً يربط بين المجازفة ومهنية نقل الخبر والصورة، لم نتخطّه، سِرنا بمحاذاته"... هكذا ينقل رباح تفاصيل تجربته وهو كان أول مراسل ينقل تفاصيل الاستهداف المباشر الذي تعرضت له الطواقم الصحافية في الجنوب اللبناني.

يتابع رباح: "الأمور مع العدو ليست مضمونة، كأن يتم استهداف طواقم الصحافيين بالمباشر، هناك في أطراف علما الشعب حيث كنا نغطي الأحداث مع الزملاء المستهدفين. كانت "العربي" أول قناة تفتح الهواء لنقل "المجزرة"، وكنتُ أول مراسل ينقل تفاصيل مجزرة عايشتها قبل نقلها إلى العالم. كان التحدي الأكبر أن أحافظ على مهنيتي في نقل الصورة والخبر، صورة الصديق عصام عبدالله وخبر استشهاده! صورة زملاء جرحى على الأرض، لا نعلم من يكمل منهم المسيرة ومن نشيّعه في اليوم التالي! كنت أعرف جميع المتواجدين، بالاسم والمؤسسة العاملين فيها، لكني لم أذكرهم على الهواء مباشرة. تذكّرت أهلي، أبي وأمي وأخوتي. لستُ أنا من أنقل إلى أهاليهم خبر استشهادهم أو إصابتهم".


بين أوكرانيا وجنوب لبنان
يتحدث شبارو عن تجربته، مستحضراً التغطية التي قام بها في أوكرانيا. يقول: " قضيت نحو 8 أسابيع في أوكرانيا، غطيت الصراع هناك. لم يكن هاجس الأمن يوماً مسيطراً على الفرق الاعلامية الى هذا الحد. المقارنة ساقطة. هنا شاهدنا زملاء لنا يتعرضون للقصف مباشرة على الهواء، وعمداً. باتت صورة عصام الزميل والصديق والشهيد معنا حيث نحن. ضحكته الأخيرة، طيفه الذي كان دوماً خفيفاً ومحبباً للجميع. الجميع ما زال في حالة الصدمة. تتحكم بتغطية الفرق هنا الفاجعة. مدى الاقتراب. أماكن التغطية. التراجع. حتى عائلاتنا نالت نصيباً من ذلك. باتوا أكثر قلقاً وخوفاً. يتصلون عند كل تطور. في رميش، القرية الأقرب الى الحدود، تشاهد مسرح المعارك من حديقة الفندق. يطل على كل شيء. الى اليمين عيتا الشعب. الى اليسار تلة يارون. وأمامك مواقع الراهب وسعسع وبرانيت. في الثاني من نوفمبر، كانت الليلة أعنف. كل ما حولنا استهدف يميناً ويساراً وفي العمق خلفنا".


من باريس الى الجنوب
كان لمراسل "العربي" في باريس، محمد الحاجي، تجربةً مختلفة بعدما أوفدته القناة للتغطية من الجنوب. وهنا يقول الحاجي: "هذه الحرب تمسّني بشكل مباشر. لم أكترث بكل توصيات الأهل والأصدقاء الذين نصحوني بعدم السفر إلى الجنوب، لأن إسرائيل تستهدف الصحافيين ولا تحترم أية مواثيق دولية. شهر على وجودي في جنوب لبنان، بداية من رميش في القطاع الأوسط حيث تتعرض أطراف القرى لقصف شبه يومي، وحرائق متواصلة للأحراج وكروم الزيتون، ونشاهد بأم العين أعمدة الدخان ونسمع أصوات القصف بشكل متواصل. ثم انتقلنا إلى القطاع الشرقي، قُبالة تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، هنا حيث تتعرض المنطقة بشكل يومي للقصف الإسرائيلي، فضلاً عن تمشيط متواصل لطيران الاستطلاع". 

يضيف: "كُلفت بالتغطية الليلية للأحداث الميدانية، وتجربة العمل الليلي لها شكل خاص. عند هبوط الظلام تختفي أصوات الناس، منهم من نزح ومنهم من لازم بيته. لا يؤرق ليل الجنوب سوى طنين طائرات الاستطلاع، وكذلك القصف المتبادل والمتقطع خلال الليل. حالة من القلق والخوف والترقب تنتاب الصحافيين ليلاً، إذ لا مجال لمعرفة مصادر النيران في العتمة ولا مصادر الرد عليها. نعطي إحداثيات تقريبية على الهواء للمواقع وننتظر طلوع النهار لمعرفة أماكن القصف وعدد الضحايا وغيره. هي لا شك تجربة فريدة يتوجب على كل صحافي ميداني المرور بها، كي تنضج خبرته ويعايش الحدث من داخله، لا من أطرافه".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها