الخميس 2022/09/01

آخر تحديث: 13:56 (بيروت)

مخلوف اليائس من رحمة الأسد.. ينتظر ظهور المهدي!

الخميس 2022/09/01
مخلوف اليائس من رحمة الأسد.. ينتظر ظهور المهدي!
increase حجم الخط decrease
رغم دينية الخطاب الذي قدمه رجل الأعمال السوري رامي مخلوف منذ اليوم الأول لأزمته مع عائلة الأسد والتي أفضت إلى تجريده من امتيازاته كخازن بيت مال العائلة التي حكمت البلاد بالنار والحديد منذ عقود، ثم اكتسابه لقب الشيخ من قِبل أنصاره وأعدائه في وقت واحد،... فإن اللغة التي بات ينشر بها خلال الأيام القليلة الماضية، وميله إلى الحديث عن النبوءات الدينية وانتظار العدالة الإلهية ونزول المهدي المنتظر، تعني أن الرجل وصل إلى مرحلة متقدمة من اليأس والعجز.

لم يعد مخلوف (53 عاماً) واثقاً من نصر الله له، لكونه على حق في مقابل "الباطل" الذي يلاحقه به ابن خاله الرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء، مثلما كان في مقاطع الفيديو التي بثها وكانت لحظة فضائحية عن عائلة ديكتاتورية أحاط الغموض بتفاصيل العلاقات الشخصية بين أفرادها، ولم تنتشر معلومات عنها للعلن إلا من منشقين عن النظام خلال مقابلات وأفلام وثائقية. بل بات مخلوف الذي تحكّم في الاقتصاد السوري منذ العام 2000، وجمع ثروات كبيرة من خلال الأعمال التي وكلّه بها النظام، تحديداً في قطاع الاتصالات عبر شركة "سيريتل"، عاجزاً تحت الإقامة الجبرية على الأغلب في مكان ما، ومدركاً لعجزه وينتظر فقط العدالة المطلقة بصورتها الدينية الطوباوية المذكورة في النبوؤات الدينية.



لا يمكن بالطبع توقع العكس من شخص مثل مخلوف. فهو رغم تصنيفه ضمن النخبة السورية، إلا أن النخب التي صدّرها النظام على كافة المستويات، بما في ذلك المستوى السياسي والاقتصادي، ليست نخباً حقيقية بقدر ما هي نتيجة للعلاقات الشخصية والولاءات الطائفية وغيرها. وشخص كمخلوف لن يمتلك لغة مختلفة عن لغة الشارع اليومية، ولن يقدم حديثاً بأفكار ثقافية عميقة ولا طروحات تحلل الوضع الذي آلت إليه حاله وحال البلد. وبالطبع سيميل إلى الموروث البائد وسينتظر وعداً إلهياً في هذه الظروف العصيبة عليه، بحثاً عن الشعور بالأمان.

ومع التسليم بأن مخلوف ليس أدونيس مثلاً، فإن أفكاره نفسها، المغلفة بلغة دينية، تعطي لمحة عن عجز اللغة العربية نفسها عن التعبير، لأن الكثير من مصطلحاتها متداخل مع الأفكار الدينية، لدرجة أن المرء قد يجد نفسه يقدم لغة دينية من دون حتى أن يقصدها، حيث مازال المقدس الديني سلطة ذات نفوذ على حياة الأفراد، كيف يعيشون وكيف يتنفسون وبماذا يفكرون وكيف ينطقون. وفي سوريا قد يكون الأمر مرتبطاً أيضاً بأن السلطة نفسها تكرس الفكر الديني بشكل مؤسساتي. ومع الإهمال الحكومي وانتشار الفقر والتهميش، خصوصاً في الأرياف، يشكل العجز العام وعدم إمكانية التغيير ضمن نظام شمولي، مدخلاً للتديّن كمصدر للعزاء من جهة، وكأسلوب للتمرد من جهة ثانية، لعدم وجود أي أطر فكرية أخرى في المجتمع نفسه بالنسبة للطبقات المسحوقة.

ومخلوف، الذي وجد نفسه محاصراً في الزاوية فجأة، يعطي مثالاً على ذلك بشكل فاقع، بسبب تناقض حالته اليوم مع حالته السابقة، حيث وجد نفسه وحيداً بلا حاضنة من داخل النظام، ولا دعم من المستفيدين من تقديماته وأعماله الخيرية للفقراء. وربما أيقن أخيراً أنه ليس أكثر من مجرد ورقة مُعدّة للتضحية ضمن السيستم لحماية السيستم نفسه من السقوط. وسيشعر طبعاً بالعجز في مواجهة الدولة العميقة التي مكّنته ليصبح رجل الأعمال الأول في البلاد ثم نبذته. أما الناس الذين لطالما تبرع لهم عبر جمعيته "البستان" تحديداً في مناطق الساحل، فهم يتبعون لقمة عيشهم، وباتوا يتوجهون إلى الجمعيات البديلة التي استنسختها أسماء الأسد، مثل جمعية "العرين"، حتى لو كان ما تقدمه مجرد دعاية ضمن المجتمعات المحلية الداعمة للنظام، لا أكثر، حيث يتم تبرير ذلك النواقص بالعقوبات والحرب الكونية.

ومع عدم وجود دعم شعبي له من ناحية الموالين، فإن مخلوف على ضفة المعارضة هو هدف للساخرين والشامتين، حيث لا يعني تعرضه لـ"الظلم" من قبل النظام أنه يصطف إلى جانب الشعب السوري أو أن يقف الشعب السوري معه. فهو واحد من رموز حقبة حكم بشار الأسد، وشخصية امتصت دماء السوريين لسنوات وسرقت أموالهم. كما أنه موّل المليشيات المسلحة بالمال، بما في ذلك مليشيا "الدفاع الوطني" الرديفة لجيش النظام، ودعم فروع المخابرات والأجهزة الأمنية، ولطالما تفاخر بذلك كوسام وطني في السنوات الماضية التي شهدت خلافه مع الأسد.

يستجدي مخلوف إذاً المهدي المنتظر، ويبشّر به. وربما يؤمن حقاً بأن قصته الشخصية، سقوطه من المجد والتكالب عليه، واحدة من علامات قيام الساعة. وربما يعتقد بصدق أنه من الرجال الأخيار، لمجرد أنه وقع في ورطة عصيبة. لكن خلف ذلك الإيمان والتقوى، يقيناً مطلقاً من صاحبه بأنه مجرد ورقة محروقة، ولن يفيده بالتالي استجداء الأسد شخصياً من منطلق القرابة العائلية ورابطة الدم والمصالح المشتركة، مثلما كان الحال قبل عامين اثنين عندما كثّف الأسد حملاته على مخلوف، فأطلق أحكاماً تقيّد شركات ومصالح الأخير، بما في ذلك قرارات مختلفة بالحجز الاحتياطي على أمواله ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

واللافت في ذلك كله، أن مخلوف، بمكانته القديمة وجمهوره وقدرته على جذب الاهتمام والوصول لعدد كبير من الناس عبر السوشال ميديا، لا يظهر فقط بمظهر المؤمن اليائس كالأشخاص العاديين، بل بمظهر المبشّر اليائس القائد لهم. لكنه لا يطرح نفسه كنبيّ جديد بالضرورة، بقدر ما يعتقد نفسه من الرجال الصالحين المختارين للتذكير بمقولات الأنبياء. وهو في ذلك يلامس طيفاً عريضاً من الموروث الشعبي والديني الممتد في المشرق منذ اآلاف السنين، إذ كان الناس مهووسين بفكرة النهاية والقيامة منذ الحضارات القديمة، لدرجة أن معظم الأتقياء والرسل والأنبياء ومُدّعي النبوّة والمبشّرين، إن لم يكن كلهم، ينطلقون من فكرة نهاية العالم القريبة حتى ضمن القرآن والأحاديث النبوية وفي الإنجيل وأحاديث أتباع المسيح والقديسين وصولاً إلى القادة الروحيين المعاصرين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها