السبت 2022/08/27

آخر تحديث: 12:50 (بيروت)

الاستمتاع محرّم على نساء السياسة.. حتى في فنلندا!

السبت 2022/08/27
الاستمتاع محرّم على نساء السياسة.. حتى في فنلندا!
رئيسة وزراء فنلندا تُهاجم من رئيسة حزب يميني وتلقى تضامناً من سياسيات أستراليات وكنديات
increase حجم الخط decrease
غالباً ما يتمّ التنويه بمستوى الحريات العامة والفردية التي تتيحها فنلندا وغيرها من الدول الاسكندنافية، إضافةً إلى التزامها بقضية المساواة بين الجنسين. لكن حتى في بلاد "اليوتيوبيا" الاجتماعية كما يراها البعض، ليست النساء، خصوصاً المنخرطات في الشأن العام، محصّنات ضدّ التمييز الجندري وتطفّل الأحكام الذكورية على حياتهن الخاصة.

في غضون أسبوع، اضطرت رئيسة وزراء فنلندا، سانا مارين، وهي من أصغر رؤساء العالم، الى تقديم اعتذارين علنيين لشعبها. لم يأتِ الاعتذار على خلفية قيادتها البلاد نحو أزمة اقتصادية أو حرب كما يفعل كثر من زملائها الذكور، ولم تعتذر أيضاً بسبب ضلوعها في ملفات فساد أو استغلال سلطتها لمآرب شخصية، بل اعتذرت مارين لمجرّد قضائها وقتاً طيباً مع صديقاتها في حفلةٍ منزلية تمّ لاحقاً تسريب صور ومقتطفاتٍ منها في السوشيال ميديا. وإذ لم يكن الاعتذار كافياً للتكفير عن "إثم" الاستمتاع، اضطرت رئيسة الوزراء للخضوع الى فحص مخدرات، جاءت نتيجته سلبية، ليبرهن أن احتفالها لم ينتج عنه أي خرق للقوانين.

لكن الحملة الاعلامية ضدّها لم تنته هنا، إذ تمّ نبش صورة أخرى من حفلةٍ استضافتها في مقرّ الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء. لا تظهر الصورة مارين، بل سيدتين عاريتي الصدر تتبادلان القُبل، وتغطيان أثدائهما بلافتة كتب عليها "فنلندا". وتعود الصورة الى الشهر الماضي ونشرتها المؤثرة سابينا ساركا، إحدى السيدتين في الصورة، عبر حسابها الشخصي في "تيك توك". وهي ليست المرة الأولى التي توجه انتقادات إلى مارين بسبب أسلوب حياتها، اذ اتُهمت في السابق بالافراط في الاحتفال وحضور المهرجانات الموسيقية. واعتذرت العام الماضي على خلفية حضورها حفلة في نادٍ ليلي بعد اختلاطها بحالة "كوفيد".


ورغم اعتذارها الأخير، حرصت مارين على الدفاع عن نفسها وأسلوب حياتها قائلةً: "لقد رقصت، غنّيت، واحتفلت. انها أمور قانونية بالكامل". لكن المعارضة انتهزت هذه الفرصة من أجل الضغط على مارين للخضوع الى فحص مخدرات، والمؤسف أن هذا الضغط جاء على يد امرأة أخرى، هي ريكا بورا، رئيسة "حزب الفنلنديين" اليميني، والتي طالبت بخضوع مارين لفحص اختياري قائلةً أن "ثمّة شبهات" تحيط برئيسة الوزراء. كما غرّد أحد نواب البرلمان وهو من أعضاء كتلة مارين أنه "من الحكمة لها أن تخضع طواعياً لفحص مخدرات".

أما في ما خصّ صورة القُبلة بين امرأتين، والتي وصفت إعلامياً بالفضائحية، فأقرّت مارين بأنها "غير لائقة" خصوصاً للتداول في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها أكّدت أنه "بخلاف ذلك، لم يحدث أي شيء خارج عن المألوف في تلك الحفلة".

وفي مقابل الانتقادات اللاذعة التي وجّهها اليها الاعلام المحلي والأحزاب المنافسة، أعربت نساء رائدات في عالم الأعمال والسياسة عن تضامنهن مع مارين عبر نشر صور وفيديوهات خاصة تظهرهن يرقصن ويحتفلن. ومن بينهن السياسية الأسترالية فيونا باتين، والكندية برندا بيلي. أما رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً النساء، فبادروا الى فضح ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع والاعلام مع سلوك نساء السياسة بالمقارنة مع رجالها. واستشهدت هذه المقاربات بسلوكيات سياسيين مثل بوريس جونسون "الذي لديه عدد لا يحصى من العلاقات والأطفال غير الشرعيين"، ودونالد ترامب المعروف بفضائح التحرش ودفعه مبالغ طائلة لنجمة أفلام اباحية.


وتتضح ثقافة الكيل بمكيالين من خلال ملاحظة استجابة الاعلام لموقف مشابه حدث هذا الأسبوع. فبالتزامن مع جَلد مارين على "فضيحة" الرقص واحتساء الخمور، حظي نظيرها الأسترالي أنثوني ألبانيز بتصفيق حار اثر تجرّعه كأساً من البيرة دفعةً واحدة أمام جمهور حفلةٍ موسيقية كان ألبانيز حاضراً فيها، وفق "واشنطن بوست". ويقدّم ألبانيز نفسه بصورة السياسي المرح ورائق المزاج، المحب للموسيقى والمهرجانات الراقصة، والقريب من الشباب. جلبت هذه الشخصية، له ولحزبه، شعبيةً واسعة وحوّلته الى رمزٍ بالنسبة للشباب، حتى أن اسمه وضع على إصدار محدود لماركة بيرة يصدرها مصنع محلّي في سيدني.

إنه السلوك نفسه، مع فارق في الهوية الجندرية التي تجعل أحد الطرفين، الذكر بالطبع، نجماً والطرف الأقل حظاً، أي الأنثى، مذنبةً.


وتشير التقارير الصحافية الى أن حملة تشويه السمعة التي شُنّت ضد مارين قد تنتهي بعرقلة مسيرتها المهنية التي وصِفت بالاستثنائية. فمارين كانت رئيسة الوزراء الأصغر سنّاً عند انتخابها العام 2019 (34 عاماً)، كما تبوأت في عمر السابعة والعشرين منصب رئيسة المجلس المحلّي لمدينة تامبير، حيث أثارت الإعجاب اثر إدراتها نقاشاً دام عشر ساعات حول بناء شبكة "تراموي" في المدينة، ما اضطرها الى التعامل بحزمٍ لا يخلو من الاحترافية مع الحاضرين الذين عمدوا الى هدر الوقت، وانتهى النقاش باقتراحها ببناء الترام. وعند تقلّدها منصب رئاسة الوزراء، ترأّست مارين ائتلافاً يضمّ خمسة أحزاب ترأسها نساء تحت سنّ الأربعين.

وتنتمي مارين الى "الحزب الديموقراطي الاجتماعي الفنلندي" (SDP)، وهو حزب وسطي تمثّل مارين الجناح اليساري منه. فهي تولي اهتماماً لقضايا البيئية وحقوق المرأة، وتعهدت بأن فنلندا ستكون خالية من الكربون بحلول العام 2035، كما عملت على تحسن الإجازة الوالدية للأمهات والآباء على حدّ سواء. كما عرفت بتوجهاتها النسوية من خلال نشر صور لها وهي ترضع طفلها، كما أنها داعمة لحقوق مجتمع "الميم عين".

على خلاف صورها وفيديوهاتها الخاصة التي تبرز عفويتها وشخصيتها المرحة، تظهر مارين عبر أدائها المهني في أروقة مجلس الوزراء على مستوى عالٍ من الجدية والرصانة، حتى أن بعض الصحافيين يصفونها بالجمود. وفيما دعا حلفائها الرأي العام الى تجاوز هذا النقاش غير المجدي و"التركيز على المسائل الوطنية المهمة"، اعتبر خصومها أنه "يجيب التركيز على ما لا تفعله رئيسة الوزراء" في ما يتعلّق بالأزمات التي تواجهها البلاد. لكن مارين كانت حاسمة في ردّها، اذ شدّدت خلال الاعتذار أنه "لم يفُتني يوم عمل واحد، ولم أترك يوماً اي مهمة غير مكتملة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها