الخميس 2022/06/02

آخر تحديث: 16:30 (بيروت)

قضية جوني ديب... زبدة على فطيرة رجال عرب

الخميس 2022/06/02
قضية جوني ديب... زبدة على فطيرة رجال عرب
increase حجم الخط decrease
لا يحتاج الذكوريون فرصة من أجل التعبير عن كراهيتهم المتأصلة للنساء، لكن وجود حدث عالمي مثل قضية الممثل جوني ديب ضد طليقته الممثلة آمبر هيرد، ينقل تعليقاتهم إلى مستوى آخر لا علاقة له بالحدث نفسه، والمتمثل أولاً وآخراً بعدالة القضاء واستقلاليته ووجود قوانين تساوي بين الأفراد بغض النظر عن جندرهم في الدول الغربية، نحو تعميمات لا تحط فقط من قدر المرأة بل تضعها في مرتبة أدنى من الرجال من ناحية الذكاء والقدرة على التفكير أيضاً.


وانقسم العالم، بما في ذلك العالم العربي، بين المدافعين عن ديب أو المتحيزين لهيرد طوال الأشهر الماضية التي شهدت المحاكمة الفضائحية حتى الوصول إلى الحكم في محكمة بولاية فيرجينيا، بإدانة الثنائي بتهمة التشهير ببعضهما البعض مع تعويض مالي أقل على ديب منه على هيرد التي ستدفع 15 مليون دولار أميركي مقابل دفع ديب مليوني دولار لها، علماً أن القاضية خفضت تعويضات ديب ليصبح إجمالي تعويضاته 10.4 ملايين دولار.

وفي مواقع التواصل العربية، انتشرت مقاربات ساخرة لفكرة هزيمة النسوية بوصفها شراً، مع نصائح للنساء بتجنب رفع أصواتهن والشكوى أو سماع نصائح تحرضهن على التمرد، لأن "الرجل دائماً على حق" خصوصاً في المجتمعات المسلمة التي "كرّمت المرأة". واستندت تلك النصائح إلى انتصار ديب كدليل على كذب "النساء الكهينات" وليس إلى عدالة القضاء في القضية نفسها. ويعني ذلك أن القضية شكلت منطلقاً لدعوة النساء إلى الصمت حتى في رفع شكاوى عند وجود عنف منزلي مثلاً لأن "العقيدة النسوية المتطرفة تتعارض مع عقيدتنا الإسلامية" مع وصف النساء اللواتي يرفعهن أصواتهن بأنهن يتبعن "حركات وأفكار مسمومة تحاول هدم المجتمع".

وليس من الغريب قراءة تغريدات مثل "نبارك لنا معشر الرجال انتصار وفوز جوني ديب على آمبر هيرد، انتصار معنوي ونفسي مهم لنا في ظل سطوة وسيطرة الانظمة النسوية.." أو منشورات قبيحة من قبيل ما نشره كاتب السيناريو السوري عدنان العودة الذي لطالما عبّر عن أفكار مهينة للنساء عموماً واعتبر العنف الأسري قضية شخصية حتى عندما تفقد النساء حياتهن جراءه داعياً إلى الصمت "لأن الحب ذَكَر"!، فيما كان الإيموجي الذي يرتدي نظارات شمسية ويدل على الغرور والتكبر منتشراً إلى جانب كلمة الذكورية في "تويتر" و"فايسبوك".

المشكلة الأكبر في ذلك هي الاجتزاء من السياق وتعميم مفاهيم خاطئة، فالنسوية التي تحض النساء على رفع أصواتهن في الدول الغربية تستند إلى القانون وعدالة القضاء من أجل الوصول إلى أحكام يفترض بأن تكون عادلة وفق كل قضية على حدة، وتشكل بالتالي تحدياً لبقايا النظام البطريركي على المستوى الاجتماعي وآثاره النفسية وتخلق حيزاً لدعم النساء بوصفهن الطرف الأضعف في هذا الإطار بتوفير مجتمعات وحلقات تصغي لهن خلال الإجراءات القانونية الطويلة والمعقدة. وهذا كله لا علاقة له بدول العالم العربي التي ما زالت فيها القوانين نفسها تمييزية بحق النساء خصوصاً أنها تستند إلى النصوص الدينية التي بدورها تحمل تمييزاً.

ولا يختلف الحال بين سوريا، حيث قانون الأحوال الشخصية يميز بين الرجال والنساء، أو في لبنان حيث تبرز أخبار تسلط المحاكم الروحية والشرعية على النساء من حين إلى آخر، أو في السعودية حيث ما زالت النساء رغم الإصلاحات المزعومة في المملكة بعيدات من إمكانية اتخاذ قرارات بسيطة بأنفسهن من دون ولاية الرجل، أو في مصر حيث تسجن النساء لمجرد نشر فيديوهات بسيطة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وبعد ذلك كله يأتي رجال، بغض النظر إن كانوا سيئين أم لا، للتفاخر صراحة بفوز الذكورية على النسوية، رغم أن بعضهم قد يواجه أحكاماً قاسية لو كان هناك قانون عادل في الدول العربية على جرائم لا يتم التفكير فيها على أنها جرائم أصلاً: ماذا تعني الصفعة؟ إنها ليست جريمة بل إنها "حق" أو "تعبير عن الحب".. وماذا يعني التحرش اللفظي في الشارع؟ إنه مجرد "غزل بريء". الاغتصاب الزوجي؟ إنه جزء من تشويه النسويات الفاجرات لصورة الرجل و"حقّه"، أما الإساءات العاطفية والنفسية فلا وجود لها في المفردات العربية اليومية على الإطلاق لمناقشتها أصلاً بقدر ما تثير ضحكات مستهزئة ربما.

وبالطبع حتى لو كان الحكم القضائي في القضية معكوساً، فإن التعليقات لم تكن لتتغير كثيراً لأنها لا تعبر عما يجري مباشرة بقدر ما تستند عليه من أجل ضخ أفكار مسبقة. فلو خسر ديب قضيته لكان التضامن معه حاضراً بوصفه ضحية لأن "السيستم يحابي النساء" أو لأن "التيار الليبرالي الغربي يريد هدم القيم الإنسانية المتعارف عليها" أو لأن "تخريب نظام العائلة التقليدية بدأ في الغرب" وكلها عبارات حضرت في السوشال ميديا العربية مع عبارات الراحة والفرح "لأن ذلك المشروع الخبيث" تأجل على الأقل وتلقى "نكسة" بسبب الحكم لصالح ديب وانكشاف أكاذيب هيرد. فيما يتم تحميل القضية أكثر مما تتحمله بسبب التغطية الإعلامية الواسعة عطفاً على شهرة وثراء أبطالها المترفين، لا أكثر.

وترجع جذور هذه الأفكار المسبقة في الحالة العربية بشكل عام إلى النصوص الدينية، ففي المسيحية جاء في الكتاب المقدس: "الرجل رأس المرأة"، وفي الإسلام جاء في الحديث النبوي مثلاً: "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيراً"... إضافة إلى "الرجال قوّامون على النساء"، واضعاً النساء في مرتبة أدنى من الرجال الذين يتوجب عليهم استيعابهن بسبب النقص الخلقي فيهن! كما يتم طرح صراع تاريخي بين الرجال والنساء استناداً إلى الموروث الديني، تشكل المرأة فيه سبب مشاكل الرجال لأنها "أنزلت أبانا آدم من الجنة".

ومن هنا تأتي مشكلة الذكوريين والمجتمع الأبوي عموماً مع فكرة تصديق الناجيات التي ترفعها النسوية، لأنها تتحدى السردية التي تجعل النساء غير قادرات على الحكم بمنطق لمجرد أنهن نساء. وهو منطق يفترض أن المرأة حتى غير قادرة على إدراك أنها تتعرض للعنف أو التمييز إن لم يخبرها رجل بذلك. ويصب ذلك كله في المكاسب التي يحصل عليها الرجال على مختلف الأصعدة لمجرد أنهم رجال والتي يتم تهديدها بالخطاب الداعي للمساواة.

ومع انفضاح أكاذيب هيرد في القضية، يتم تعميم فكرة أن الرجل هو ضحية "ضخ مسعور" لشعار "تصديق الناجيات" رغم أن الواقع مختلف، حيث أن الشعار ليس تصديقاً للنساء عندما يفترين على الرجال، لأن الكذب قدرة يمتلكها أي فرد بغض النظر عن هويته الجندرية أولاً ولأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ثانياً، بقدر ما هو دعم للنساء في وجه التحقير الديني والمجتمعي والقانوني السابق بداية من تصديق روايتهن حتى التأكد من صحتها بسبب الخلل في توازن القوى بين الرجال والنساء، والذي ما زال يتواجد في العالم كافة بدرجات متفاوتة ويصل حده الأقصى ربما في الدول التي مازالت تستند قوانينها إلى نصوص دينية بدلاً من العمل بقوانين مدنية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها