الأربعاء 2022/06/01

آخر تحديث: 18:31 (بيروت)

شكراً آمبر هيرد!

الأربعاء 2022/06/01
شكراً آمبر هيرد!
طليقة جوني ديب نسفت ما حققته النساء خلال سنوات.. في مسرحية واحدة
increase حجم الخط decrease
بسلوكٍ فيه شيء من التلصّص، نتابع جميعاً مجريات محاكمة الممثل جوني ديب وآمبر هيرد. في الفيديوهات والمقتطفات التي يتمّ تداولها في السوشيال ميديا، الكوميديا هي سيّد الموقف. نضحك مع جوني حين يدلي بشهادته، وعلى آمبر حين تشهد هي الأخرى. 

بالنسبة للغالبية العظمى من المشاهدين الذين يستهلكون مواد هذه المحاكمة وكأنها مسلسل درامي رديء، فإن أداء هيرد المستغرق في التمسرح واستعراض الضعف كوسيلةٍ لتحقيق المكاسب، ليس مقنعاً. وبالتالي أصدرت مواقع التواصل حكمها النهائي قبل القاضي؛ آمبر جانية وليست ناجية.

إنكشاف أكاذيب هيرد على منصة الشهادة، اضافةً الى محبتنا العتيقة لجوني الذي لعب أدواراً شكلت زاويةً في ذاكرة جيل كامل، أبرزها جاك سبارو وويلي وانكا، تحملنا على التحيّز لجوني بشكلٍ لا لبس فيه. بل إنها تؤجج مشاعر الكراهية والنقمة تجاه آمبر، حتى بالنسبة لمن لم يكن يعرفها من قبل، لكن ذلك لا يمنعه من مشاهدة سقوطها اليوم بمتعة وسرور انتقاميين. لكن مهلاً... هل كل هذا التحيّز ضدّ آمبر هيرد هو بسبب شخصيتها الموتورة وسلوكها المؤذي تجاه نجم تعشقه الجماهير؟

لا، هذه ليست القصة كاملةً وإن كانت جزءاً من الحقيقة. ورغم أن البغض الجماعي لآمبر هيرد مشروع ومبرّر، إلا أن هذه المشروعية تخفي خلفها نوايا خبيثة، ليس تجاه هيرد حصراً بل كل امرأة تزعم تعرضها للعنف المنزلي. 

يبتهج كثر اليوم، لا سيما الذكور، ازاء سقوط آمبر هيرد، المدوّي، وانكشاف أكاذيبها، لما تمثّله هذه الأكاذيب العلنية من حجّة للتشكيك في شهادات النساء اللواتي يتعرّضن للعنف المنزلي والتحرّش الجنسي. إن الانتقام من هيرد ليس انتقاماً من المرأة التي ثبتت عليها تهمة الكذب فحسب، بل هو انتقام من كل امرأة كسرت حاجز الصمت وتمّ تصديقها. إنه انتقام من حركة "Me Too" التي أرست قاعدة تصديق الناجيات.

لا أحد ينكر أن ثمة رجالاً يتعرضون للعنف المنزلي، لكن قضية بهذا الحجم وبهذه التغطية الاعلامية من شأنها أن تعادل بين الاضطهاد التاريخي الذي عرفته النساء، وهو عنف ذو طابع ممنهج ومتأصّل في الثقافة وهياكل السلطة الذكورية، وبين ما تعرض له جوني ديب وقلّة من الذكور الذين يقعون ضحية نساء مضطربات. 

لا أحد ينكر أيضاً أن ثمة نساء كاذبات. فالكذب، ككل شيء آخر، ليس حكراً على الرجال. لكن الخطاب النسوي الذي يرفع شعار تصديق الناجيات هو خطاب سياسي واعٍ للخلل في موازين القوى بين النساء والرجال، وهو بالتالي يدعو الى إنصاف الغالبية الساحقة من النساء اللواتي تعرّضن فعلاً للعنف، بدءاً بتصديق رواياتهن.

من اليوم فصاعداً، ستستخدم قضية جوني ديب كذريعةٍ لتكذيب الناجيات، وكدليلٍ على ممارسة النساء للعنف، "مثلهم مثل الرجال". يمكننا أن نودّع إذن شعار "تصديق الناجيات" لأن "ناجية" واحدة انفضحَت ككاذبة. إن ما حققته النساء في السنوات الأخيرة، بمن فيهن نساء هوليوود، لجهة اضفاء الشرعية على أقوال النساء وتجاربهن، تم هدره في مسرحية اعلامية واحدة. 

الملفت في الأمر أن أي محاكمة هوليوودية سابقة لم تحظَ بهذا الكمّ الهائل من التغطية والاهتمام الجماهيري، باستثناء قضية أو جي سيمبسون ربما، والتي خرج منها في المرة الأولى رابحاً، رغم وفرة الأدلّة التي تشير الى أنه قتل زوجته. 

كذلك الأمر بالنسبة لقضية المتحرش المتسلسل هارفي واينستين، التي، رغم تفاصيلها الفظيعة، لم تحصد هذا القدر من الاستنكار والنقمة. ورغم ثبوت التهمة عليه، بناءً على شهادات نساء كثيرات ضدّه، إلا أن كثيرين صدّقوه ودافعوا عنه، وهو ما لم يحدث بالنسبة لآمبر هيرد- وهذا أمر محمود بالطبع.

اللوم ليس على جوني ديب، وإن كان له دور في استثمار هذا الصراع اعلامياً. لكن لكل إنسان، إمرأةً كان أم رجلاً، الحق في الدفاع عن نفسه ضد الظلم والافتراء. اللوم يقع كاملاً على آمبر هيرد التي، بألاعيبها ومسرحياتها الميدياوية، سدّدت لكمةً ليس لجوني فحسب، بل لقضايا النساء ونضالهن في كلّ مكان. وعليه فإن ثمة حاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى التمسك بشعار "نصدق الناجيات حتى يثبت العكس".. وليس العكس!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها