الإثنين 2022/04/25

آخر تحديث: 14:08 (بيروت)

أزمة كنيسة "ألكسندر" المقدسية: روسيا تنفس غضبها من إسرائيل؟

الإثنين 2022/04/25
أزمة كنيسة "ألكسندر" المقدسية: روسيا تنفس غضبها من إسرائيل؟
كنيسة ألكسندر نيفسكي في القدس (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يبدو أنّ تأثيرات الغزو الروسي لأوكرانيا تُلقي بظلالها بقوة على مدينة القدس المحتلة، لمجرد أن الخلاف بين روسيا وإسرائيل حول ملكية الأرض المبنية عليها كنيسة "ألكسندر نيفسكي"، المحاذية لكنيسة القيامة في القدس القديمة، انتقل من ملفات الأدراج المغلقة إلى صخب الإعلام.

ورغم أن أزمة ملكية الكنيسة بين تل أبيب وموسكو ليست جديدة بل عمرها سنوات، إلا أنها المرة الأولى التي تخرج فيها من إطار النقاش والمقايضة في الغرف المغلقة بين الطرفين، إلى تصريحات روسية شديدة اللهجة في الإعلام، وصلت حدّ الإنتقاد الشديد، مطالبة إسرائيل بنقل الملكية إليها سريعاً، ما دفع الإعلام العبري إلى القول أن الحرب الأوكرانية جعلت روسيا أن تخرج ملفات خلافية مع إسرائيل كانت مخبأة في الأدراج، ويبدو أن ملف ملكية مجمع كنيسة "ألكسندر" في القدس ما هو إلا البداية.

والحال أن كنيسة "ألكسندر" بُنيت العام 1890، وتعدّ أهم موقع روسي في "الحوض المقدس"، ومركز استقطاب للحجاج الروس منذ عشرات السنين. وفي أعقاب التحولات السياسية في روسيا خلال القرن الماضي، ظلت الكنيسة تحت سيطرة المنفيين الروس في الغرب، وما تعرف بـ"الكنيسة الروسية البيضاء" التي تأسست سنة 1920. وواصل الكرملين، لسنوات عديدة، ضغطه، لنقل الكنيسة إلى سلطته، على أنها مسجلة بإسم "الإمبراطورية الروسية العظمى"، في وثائق الحكم العثماني، ثم البريطاني، وبعده الأردني، وصولاً إلى السيطرة الإسرائيلية. وطالبت الحكومة الروسية إسرائيل مرات عديدة، بتسليمها المجمع وسائر الممتلكات الروسية، لكنها لم تحقق مرادها، حتى الآن.



ولروسيا ممتلكات وقفية كنسية في عموم فلسطين، سواء في القدس أو أراضي 48، وحتى في الضفة الغربية.

وتتويجاً لهذه الأزمة، جاء رئيس الوزراء الروسي السابق سيرغي ستيباشين، إلى تل أبيب، بصفته رئيساً لـ"جمعية برفوسلاف" المسؤولة عن إدارة ملكية وشؤون الممتلكات الروسية في الشرق الأوسط، وبينها كنائس ومدارس ومقار وأراض روسية عديدة في أراضي-48 والمناطق الفلسطينية المحتلة العام 1967. وانتهز ستيباشين، المعروف بقربه من بوتين، الفرصة لإعلان "القتال الآن من أجل عودة ساحة الإسكندر". وشن هجوماً على إسرائيل لموقفها "المستهجن" حيال الحرب في أوكرانيا، وكذلك عدم نقل المجمع الروسي في القدس إلى حوزة روسيا، رغم تقديم الأخيرة جميع الوثائق التاريخية التي تؤكد "حقها المثبت فيه".

ولعلّ بروز أزمة الملكية إعلامياً وسياسياً، يرتبط بأسباب ثلاثة. الأول يرتبط بكون الأزمة ردّ فعل روسياً على تصريحات وردت على ألسنة مسؤولين إسرائيليين، خصوصاً وزير الخارجية يائير لابيد، وجّه فيها انتقاداً للغزو الروسي لأوكرانيا، ما أدى إلى تراجع في العلاقات بين تل ابيب وموسكو، حسب تعبير الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "مكان". وهو ما يُنذر بإخراج ملفات عالقة أخرى بينهما منذ سنوات طويلة .

أما السبب الثاني فهو الغضب الروسي النابع من قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية مؤخراً، بعدم نقل ملكية الكنيسة إلى موسكو رغم تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بذلك، ضمن صفقة أبرمها مع بوتين قبل بضعة سنوات، مقابل ضمان روسيا عدم منح إيران والنظام السوري أسلحة دفاعية نوعية ضد الهجمات الإسرائيلية في سوريا.

ويكمن السبب الثالث، في إدراك روسيا أنّ القدس هي البوابة لحسم صراع النفوذ الدولي في المنطقة، والآخذ بالإستقطاب الحاد على ضوء مآلات الحرب في أوكرانيا. وهذا ما عبرت عنه، ضمناً، صحيفة "إسرائيل اليوم" المحسوبة على المعارضة اليمينية، حيث اعتبرت أن "روسيا المحاصرة على الساحة الدولية، ستظهر قريباً أنها لم تنسَ كيف تستخدم الورقة الفلسطينية من أجل الحصول على الشرعية، وربما التسبب بإنشقاق الغرب".

على أن ما أشارت إليه الصحيفة العبرية، دلت عليه تصريحات روسية بدت وكأنها نكاية بإسرائيل، وكذلك المعسكر الغربي، من قبيل بيان وزارة الخارجية الروسية، الذي وصف انتقاد وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد للغزو الروسي لأوكرانيا، بمثابة محاولة من إسرائيل لصرف النظر عن احتلالها غير المشروع للأراضي الفلسطينية. مروراً، بتأكيد بوتين خلال اتصال هاتفي برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على أن بلاده ستوفر احتياجات الفلسطينيين وغيرهم في الشرق الأوسط من القمح، والمواد والمحاصيل الروسية، وفق الإجراءات الروسية.

ويحاول الكرملين طرح نفسه، في سياق الوصي الجديد في الشرق الأوسط، من خلال إطلاق تصريح بشأن التوتر القائم في المسجد الأقصى، ومفاده "أن الغرب يتهرب من تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بذريعة الأحداث في أوكرانيا، ويتحمل مسؤولية تفاقمها".

كل تلك النقاط مجتمعة، جعلت الإعلام الإسرائيلي يقرّ بوضوح أن القلق بات يسود المحافل السياسية الإسرائيلية؛ خشية أن يقود خلاف "ملكية" الكنيسة المشار إليها، وغيرها من الملفات الخلافية، إلى تفاقم التوتر بين الطرفين، وصولاً إلى أزمة حقيقية. فيما انتشرت قراءات إسرائيلية في شاشات التلفزيون العبرية، حاولت أن تخفف من وطأة المآلات لأزمة الكنيسة مع روسيا، من منطلق توصيفها لما يجري في إطار "تنفيس للغضب الروسي سياسياً وإعلامياً"، لا أكثر، من دون أن يصل ذلك إلى حد حرق روسيا للجسور مع إسرائيل، لأن الطرفين لا يرغبان في ذلك.

ويتمثل تنفيس غضب موسكو، الآن، في إثارة إعلامية للخلاف حول ملكية كنيسة "ألكسندر"، وقبلها التأكيد الروسي على أن الجولان السوري هو أرض محتلة، وغيرها من المواقف العلنية ضد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

وتعتقد هذه القراءات أن الغضب الروسي من إسرائيل يضاف الى أشياء كثيرة أخرى على خلفية حرب أوكرانيا، على اعتبار أن إسرائيل جزء من المعسكر الغربي ولا تستطيع أن تغرد خارج السرب فيه. لكن العلاقة الآخذة في التوتر بين موسكو وتل أبيب، ليست أكثر من رقصة يؤديها الجانبان، من دون قطع لحبل العلاقة بينهما، وفق تقديرات إسرائيلية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها