الأربعاء 2022/10/12

آخر تحديث: 17:27 (بيروت)

سوريون يتسولون في "تيك توك"... ولا ينالون سوى الفتات!

الأربعاء 2022/10/12
سوريون يتسولون في "تيك توك"... ولا ينالون سوى الفتات!
تمضي منى وابنتها ساعتين أو ثلاثاً كل مرة في بث مباشر عبر "تيك توك"
increase حجم الخط decrease
يحصل عملاق التواصل الاجتماعي "تيك توك" على ما يصل إلى 70% من التبرعات، المقدمة، عبر تطبيقه، إلى مئات الأسر المشردة والتي تعيش في المخيمات السورية.

وفي كل يوم، تظهر منى علي الكريم وبناتها الست، في بث مباشر عبر "تيك توك"، يستعطفن المشاهدين لمنحهن هدايا افتراضية. تجلس الأسرة على أرض خيمتها لساعات، تكرر العبارات الإنجليزية القليلة التي تعرفها: "إعجاب رجاءً، مشاركة رجاءً، هدية رجاءً"، وذلك بعدما قُتل زوج منى في غارة جوية، لتضطر العائلة للجوء للبث المباشر من أجل تحصيل أموال بغرض إجراء عملية جراحية لشريفة، ابنتها الضريرة، فيما تعتبر فرص العمل نادرة في المخيمات.

والحال أن الهدايا التي تطلبها العائلة، افتراضية، لكنها تكلف أموالاً حقيقية ويمكن سحبها نقداً من التطبيق. ويمكن لمستخدمي البث المباشر إرسال هدايا يُرمز إليها برسوم، كمكافأة أو "بقشيش" لصانعي المحتوى. وتتنوع هذه الهدايا بين ورود رقمية بقيمة بضع سنتات، وأسود وأكوان افتراضية تصل قيمتها إلى 500 دولار. وكلما ظهرت هدايا على الشاشة، تقفز بنات منى، وتصيح هي: "شكراً، أحبك"!

والحال أن أسرة منى هي واحدة من مئات المتسولين عبر المنصة. وفي وقت سابق من العام، بدأت مقاطع فيديو مشابهة تظهر لمستخدمي "تيك توك" حول العالم. وبينما يعتبرها البعض احتيالاً، دعَمها البعض الآخر، حسبما أفادت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وتبرع كيث ميسون، وهو لاعب "روغبي" محترف سابق ومؤثر في "تيك توك"، بهدايا قيمتها 300 جنيه إسترليني إلى إحدى الأسر. كما شجع متابعيه، الذين يقرب عددهم من المليون، على أن يفعلوا مثله. وقال: "هؤلاء الأطفال يبدون سعداء للغاية. ورغم أن الرجل فقد ساقيه وذراعه في انفجار، فإنه أكثر شخص إيجابي يمكن أن تلتقي به أو تتحدث معه"، في تعليق على أحد المقاطع المنتشرة في "تيك توك".

وبحسب "بي بي سي" هنالك أمر غريب. فكيف تسنى لهذا العدد الكبير ممن فقدوا بيوتهم في الحرب الأهلية السورية، أن يمتكلوا فجأة هواتف خلوية وإنترنت وحسابات "تيك توك" لإجراء بث مباشر كل يوم؟ وقال الصحافي السوري محمد عبدالله، أنه تعرف على أحد المخيمات التي تظهر في أشرطة الفيديو، وحدد مكانه بأنه بالقرب من إدلب في شمال غربي سوريا.

وعند زيارة عبد الله للمكان، وجد العديد من الأسر، مثل أسرة منى، تتسول في بث مباشر عبر "تيك توك". وقال له شخص يدعي حميد، أنه أول شخص في المخيم قام ببث مباشر عبر التطبيق وبات يعرف في المخيم بأنه "وسيط تيك توك". وأفاد بأنه باع أغنامه وكل ما يملك لدفع ثمن هاتف نقال وشريحة واتصال عبر "الواي فاي"، وبدأ يعمل مع الأسر في "تيك توك". ويقوم الآن بإجراء بث مباشر مع 12 أسرة مختلفة، ساعات عديدة يومياً.

وشرح حميد تفاصيل عمله: "نقوم ببث مباشر في تيك توك ونتلقى هدايا. كل 100 وردة تعود علي بدولار". وأكمل حميد بأنه يستخدم "تيك توك" لمساعدة الأسر في معيشتها، وأنه يدفع لها معظم الأرباح بعد خصم تكاليف عمله.

وتابع فريق "بي بي سي" أكثر من 300 حساب يقوم ببث مباشر من المخيمات السورية. ووجد أن الكثير منها حصد أكثر من ألف دولار في الساعة كجوائز. لكن الأسر التي تقيم في المخيمات قالت أنها لا تحصل سوى على جزء يسير جداً من أموال المتبرعين إليها.

على سبيل المثال، أراد دوكان حمدان الخضر، جمع المال لإجراء عملية قلب لابنته. وبعد ثمانية أيام من المطالبة بهدايا عبر بث "تيك توك" المباشر، حصل على 14 دولاراً فقط. والسؤال هو أين تذهب كل تلك الأموال؟ وفي حزيران/يونيو الماضي رفض "تيك توك" الإجابة عن أسئلة بخصوص النسبة التي تخصم من التبرعات لصالح التطبيق نفسه.

ولمعرفة ذلك، قامت "بي بي سي" ببث مباشر من حساب فتحته في "تيك توك" من سوريا. وأرسلت ما قيمته 106 دولارات من الهدايا من حساب آخر في لندن. وبعد انتهاء البث المباشر، كان رصيد الحساب السوري الاختباري 33 دولاراً، أي أن "تيك توك" خصم 69% من قيمة الهدايا. وبعد تلك التجربة، خصم مكتب محلي للتحويلات المالية قيمة 10% من المبلغ السابق كما يتقاضى وسطاء "تيك توك" المحليون ما نسبته 35% من المبلغ المحصل.

وهذا يعني أن حساب "بي بي سي" الاختباري في سوريا حصل في النهاية على 19 دولاراً فقط من الـ106 دولارات التي تم التبرع بها.

ويوفر الوسطاء المعدات، لكنهم يحتاجون إلى المساعدة في فتح حسابات لكي يتمكنوا من إجراء بث مباشر في "تيك توك"، ويتلقون دعماً من "وكالات بث مباشر" في الصين، تعمل مع "تيك توك" بشكل مباشر. وقال حميد: "إنها تساعدنا إذا واجهنا أي مشكلة مع التطبيق، فتقوم بفتح الحسابات المغلقة. نزودها بالاسم والصفحة والصورة، وهي تفتح الحساب"، علماً أن هذه الوكالات جزء متنامٍ من استراتيجية "تيك توك" التجارية العالمية لجذب مستخدمي البث المباشر إلى منصتها.

وتعاقدت "تيك توك" معها لمساعدة صانعي المحتويات على إنتاج بث مباشر أكثر جاذبية. وهذا من شأنه تشجيع عدد أكبر من الناس على استخدام التطبيق ولفترات أطول، لجذب المزيد من الإعلانات والهدايا، وهذا بدوره يزيد أرباح "تيك توك". ويدفع لها التطبيق عمولة اعتماداً على مدة البث المباشر وقيمة الهديا التي يتم التبرع بها.

على أن التركيز على المدة يعني أن الأطفال يمضون في البث المباشر ساعات طويلة في كل مرة. وعلقت مروى فتافتة، من منظمة "أكسس ناو" للحقوق الرقمية، أن مقاطع الفيديو هذه تتعارض مع سياسة "تيك توك" نفسها، والتي تنص على "منع إيذاء القاصرين أو تعريضهم للأذى أو الاستغلال" عبر المنصة. وأضافت: "تنص تيك توك بوضوح على عدم السماح للمستخدمين بطلب الهدايا بشكل صريح، ولذلك فهذه مخالفة واضحة لشروط خدماتها ولحقوق هؤلاء الناس".

وقالت فتافتة أن من حق الناس مشاركة قصصهم عبر الإنترنت "لمحاولة الحصول على الدعم والتعاطف"، لكن أشرطة الفيديو هذه "مهينة وتفتقد إلى الكرامة".

ولاختبار مدى التزام "تيك توك" بتطبيق سياستها المتعلقة بحماية الأطفال، استخدم فريق "بي بي سي" ميزة في التطبيق للإبلاغ عن أكثر من 30 حساباً لأطفال يتسولون. ونفت "تيك توك" وجود انتهاك في أي من هذه الحسابات. وعندما اتصلت "بي بي سي" بـ"تيك توك" مباشرة، قامت الأخيرة بحظر كل تلك الحسابات. ولم تسمح الشركة بإجراء مقابلة، لكنها أرسلت إلينا بياناً قالت فيه: "نحن قلقون للغاية من المعلومات والادعاءات التي قدمتها "بي بي سي" لنا، وقد اتخذنا إجراءات فورية وصارمة. إن هذا النوع من المحتوى غير مسموح به على منصتنا، ونحن نعمل على تعزيز سياساتنا العالمية المتعلقة بالتسول الاستغلالي".

يذكر أن "تيك توك" هو أسرع تطبيق للتواصل الاجتماعي نمواً، حيث تتجاوز تحميلاته 3.9 مليارات على مستوى العالم، وحصل على أكثر من 6.2 مليارات دولار من الإنفاق داخل التطبيق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها