الإثنين 2021/06/07

آخر تحديث: 16:44 (بيروت)

أين المشكلة في استعراض ميريام فارس؟

الإثنين 2021/06/07
أين المشكلة في استعراض ميريام فارس؟
increase حجم الخط decrease
مهما كان الموقف السياسي والأخلاقي للشاعر السوري أدونيس بعد الثورة السورية العام 2011، إلا أنه لا يمكن سوى تذكر قول معروف له، عند مشاهدة "وثائقي" بثته منصة "نتفليكس" حول فترة حمل المغنية اللبنانية ميريام فارس بابنها الثاني دايف، خلال فترة الحجر الصحي التي غيرت حياة البشرية منذ العام 2020، ودفعت الأفراد والعائلات للتأقلم، كل بطريقته الخاصة، مع نمط حياة جديد مختلف عن المعتاد، مهما كان المستوى الاقتصادي مختلفاً بينهم.


"أنت لا تكرهني أنت تكره الصورة التي كونتها عني وهذه الصورة ليست أنا، إنها أنت. مصوَّراً ومصوِّراً . فأنت تكره نفسك. أنت، بالأحرى، تكره نقصك الذي أفضحه"... هي مقولة أدونيس التي تتبادر إلى الذهن بعد مشاهدة الوثائقي وقراءة بعض الانتقادات الموجهة إليه، والتي ركزت على حياة الترف التي تعيشها فارس (38 عاماً) كواحدة من أنجح فنانات جيلها في الساحة العربية، للوصول إلى نتيجة حاسمة: لا يمكن لامرأة شابة وغنية أن تشعر بالوحدة والقلق وهي تمتلك منزلاً كبيراً وفاخراً إلى هذا الحد؟"، قبل عقد مقارنات قائمة على المستوى الطبقي، بين المعاناة التي عاشها آخرون خلال الفترة نفسها بشكل يتخطى "دلع" فارس بوصفها نجمة مدللة.

وبغض النظر إن كان الاستياء السابق آتياً من كونه تذكيراً بمدى البؤس الشخصي لأصحابه أم لا، فإن فارس ليست المُلامة عن الظروف الصعبة التي يعيشها ملايين آخرون، ولا يمكن حتى مطالبتها بأن تهتم من الأساس، لأن سياق الفيلم نفسه يبقى شديد الشخصية من ناحية كونه توثيقاً لعلاقة فارس بجسدها وصحتها وعائلتها خلال فترة الحمل التي تزامنت مع الوباء العالمي، مهما كانت صناعة الوثائقي نفسها سطحية وغير متقنة. إلى جانب أن فارس نفسها، ضمن هذه الظروف، لا تظهر استعلاءً، بل تقدم تجربتها مظهرة تعاطفها مع الآخرين بما في ذلك الأمهات مثلاً خلال فترة الحجر المنزلي، كونها عاشت تلك الفترة بنفسها مع ابنها الأول جايدن (4 سنوات).

لكل شخص الحق بالطبع في التعبير عن نفسه بالطريقة التي يريدها، لكن مشروع الوثائقي بين "نتفليكس" وفارس يبدو مشروعاً ترويجياً بالدرجة الأولى. ففارس كنجمة بجماهيرية واسعة يمكن الدلالة عليها بتصدرها لائحة الشخصيات الأكثر بحثاً في محرك البحث "غوغل" العام 2011، تعتبر جاذبة للإعلانات غير المباشرة التي يزخر بها الوثائقي، كما أن التوثيق ككل يبدو ترويجاً لألبوم فارس المقبل وقدمت أولى أغنياته "غدارة يا دنيا" في نهاية الوثائقي الذي يحمل في الواقع عنوان الأغنية باللغة العربية.

كثير من لقطات الوثائقي مسجلة من أجل التداول في السوشيال ميديا، وتبدو أحياناً أقرب لتجميع قصص نشرتها فارس في "أنستغرام" مع تعليقات جانبية بشأنها. لكن ذلك بالتحديد هو ما يضفي تناسقاً على الفيلم مع ما هو متوقع أصلاً من شخصية كفارس. الكاميرا تدور طوال الوقت في الخلفية، لكن ذلك بات ظاهرة يمارسها كل شخص تقريباً في زمن السوشيال ميديا ولا تقتصر على النجوم والمشاهير. وبالطبع فإن فارس هنا، تستعرض نفسها وجسدها وحياتها وتحولات شكلها طوال 9 أشهر، لأن ذلك هو ما تقوم به أصلاً، وانتقادها بأنها تستعرض لأجل الاستعراض ليس منطقياً لأنها نجمة استعراضية، وبالتالي فإن مطالبتها بفعل شيء أكثر فائدة يشبه مطالبة شجرة بالتحرك من مكانها مثلاً!

والحال أنه لا مشكلة في فكرة الاستعراض وإن كانت تثير أسئلة بدورها من ناحية العلاقة مع الجسد، وهي واحدة من الأفكار التي لا يتم الحديث عنها بحرية حقيقة في العالم العربي، ليس فقط بين المشاهير بل حتى بين الأفراد العاديين أنفسهم. قبل سنوات مثلاً، كان النجوم في العالم، مجبرين على الحفاظ على صورة الكمال المُرهقة أمام جمهورهم، ويعتبر شكل المرأة الحامل ببطنها المنتفخ وقوامها الممتلئ تشويهاً لتلك الصورة الذهنية غير الواقعية. وفيما يختفي ذلك النقاش عند الحديث عن النجوم العالميين الذين تجاوزوا تلك المرحلة، بما في ذلك بيونسيه الشهيرة بلقطات حملها، نحو تصدير صورة ذهنية مختلفة للجمهور في حقبة السوشيال ميديا، فإن النجوم العرب ما زالوا بعيدين عن ذلك كله، وتبقى إطلالاتهم غالباً منمّقة.

وهنا، تظهر فارس التي تعتز دائماً بجسدها النحيل ورقصها المثير، وكأنها  تقدم "لا مثاليتها" أي حملها، من أجل استعراض صورة مثالية لحياتها العائلية السعيدة حتى بعد إجهاضها لطفلها الثاني قبل أربع سنوات، علماً أن الجمهور العربي هنا لا يعرف شيئاً تقريباً عن حياة فارس التي أخفت لسنوات اسم زوجها داني متري، ولم تنشر له سوى صورة يده محافظة على الغموض المحيط به حتى ضمن الوثائقي الذي يشارك فيه طوال الوقت بدور المصور خلف الكاميرا أو كشخصية بلا وجه يتابعها المشاهد من الخلف فقط. ولا يمكن هنا سوى التساؤل إن كانت تلك الحياة السعيدة واقعية فعلاً أم كذبة مصطنعة تتوافق مع ما يريد الجمهور العربي المحافظ رؤيته، لا أكثر، وهل يختفي شيء من التعاسة والشقاء وراء كل ذلك الحب الطاغي على الوثائقي مثلاً، أم أن تلك مجرد فكرة نمطية كرستها قصص لعشرات المشاهير المحليين والعالميين على حد سواء، بداية من داليدا وصباح، مروراً بويتني هيوستن وروبن ويليامز.

يحب العالم العربي صورة الأم. وحتى بين النجوم تم تكريس حالة طوباوية عبر عقود لمغنيات مثل فيروز بوصفهن أمهات فاضلات وليس نجمات استعراضيات "فاسقات" مثل بقية فناني البوب، وهو نمط غنائي يتم ربطه في المخيلة العامة بالجسد والعاطفة السريعة والجنس في نهاية المطاف، وليس بغرائز أسمى كالحب والوطن والأمومة. وشكل ذلك ربما ضغطاً على النجمات الشابات اللواتي يحاولن منذ مطلع الألفية ملامسة الثيمات السابقة من أجل حصد الرضى العام، ويمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح في ما تريد فارس قوله للجمهور في الوثائقي الذي أشرفت عليه بنفسها، وحتى في متابعة نجوم آخرين عبر السوشيال ميديا مثل نانسي عجرم التي تبدو أحياناً في مواقع التواصل ربة منزل تقليدية تعيش حياة مملة في الضواحي وليست تلك النجمة التي كسرت القوالب مطلع الألفية بأغنية "أخاصمك آه".

على أن تفاصيل حياة فارس خلال الحجر تشبه تفاصيل الملايين: الخبز المنزلي وتعلم الطهي والخوف من الإصابة بالفيروس والاحتفالات التي تقتصر على أفراد العائلة من دون ضيوف ومحاولة الحفاظ على التقاليد القديمة. وفي لحظة من اللحظات يظهر الوثائقي كيف أن أولئك النجوم يبقون بشراً في نهاية المطاف، فعلاقة فارس بابنها جايدن تبقى لطيفة للمشاهدة وكذلك علاقتها بابنها الذي كان يتكون في جسدها، بينما يطرح ذلك أسئلة أخلاقية تتكرر دائماً حول عرض المشاهير لأطفالهم أمام الجمهور، من دون رضاهم أو موافقتهم باعتبارهم قاصرين.

وفيما يمكن وصف ذلك بأنه استثمار في التفاهة، إلا أنه في الواقع بات تياراً يمكن رصده ليس فقط في السوشيال ميديا وما يقدمه المشاهير حول العالم، بل حتى في الإنتاجات الدرامية نفسها، كسلسلة "Easy" في "نتفليكس" مثلاً التي تحاول تقديم قصص حول الأساسيات التي يتشاركها البشر على المستوى الفردي: كيف نحب وكيف نأكل وكيف نعانق أحبابنا وكيف نعبر عن مشاعرنا وكيف نعيش تفاصيل يومنا البسيطة.

والجيد هنا أن استثمار "نتفليكس" في تفاهة فارس يقدم صورة منضبطة بالحجر الصحي من دون تجاوزها نحو تقديم المواعظ الأخلاقية غير الضرورية. كما أن فارس، لحسن الحظ، لا تروج لنظريات مؤامرة حول فيروس كورونا قدمها نجوم عرب مثل اللبنانيَين راغب علامة وكارول سماحة، وعشرات الممثلين السوريين، كما لا تقدم النصائح الطبية أو آراءها الشخصية حول الوباء، باستثناء التعاطف والقلق الذي يتشاركه الجميع. وأمام ذلك كله، وبوضع الانتقادات المسبقة الموجهة للوثائقي ضمن حيز الانتباه، لا يمكن سوى التساؤل بدهشة: "أين المشكلة إذاً في استعراض ميريام فارس؟".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها