الأربعاء 2021/03/03

آخر تحديث: 17:40 (بيروت)

بعد 10 سنوات ثورة.. السوريون يستقون أخبارهم من "فايسبوك"

الأربعاء 2021/03/03
بعد 10 سنوات ثورة.. السوريون يستقون أخبارهم من "فايسبوك"
نازحون سوريون شمال إدلب (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في آذار/مارس 2011 خرج عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع في سوريا للمطالبة بمزيد من الحريات السياسية والإعلامية. وإن كانت البلاد دخلت دوامة من الفوضى بعد عشر سنوات من الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، فإن الحرية الإعلامية التي وفرتها الثورة عبر الأصوات البديلة، تبقى أمراً لا يمكن إنكاره إلى حد ما.

وقالت إذاعة "صوت أميركا" أن سوريا تبقى اليوم منقسمة بشدة بسبب حملة النظام الأمنية التي دامت عقداً كاملاً ضد المعارضين له، بموازاة النتشار الحركات الجهادية وتحول البلاد لساحة للتنافس الإقليمي والدولي، لكن بالنسبة للصحافيين ومراقبي وسائل الإعلام، فإن هدفهم المتمثل في تحقيق قدر أكبر من الحريات الإعلامية مازال بعيد المنال في سوريا. ونتيجة لذلك، يصل السوريون في أنحاء البلاد إلى الأخبار بشكل مختلف، حيث توفر المنافذ التي تخاطب جمهوراً ضيقاً، معلومات ذات أهمية فورية لأولئك الأشخاص الذين يعيشون في مناطق منفصلة عن بعضها البعض، أو في مخيمات النزوح.

والحال أن سوريا هي واحدة من دول عديدة في الشرق الأوسط، شهدت انتفاضة شعبية في الأشهر الأولى من العام 2011. وامتدت الاحتجاجات التي بدأت في تونس إلى مسيرات واسعة النطاق ساعدت في إطاحة زعماء مستبدين في تونس ومصر وليبيا في ما عرف باسم "الربيع العربي"، لكن الآمال في الوصول إلى الديموقراطية تبددت نسبياً بعد عشر سنوات، حيث تتحرك الحكومات اليوم لسحق الأصوات المعارضة والناقدة.

وعلق  المستشار في مجموعة "Free Press Unlimited" الهولندية المناصرة للصحافة المستقلة، إنريكو دي أنغيليس: "قبل العام 2011، لم تكن هناك حريات إعلامية في سوريا على الإطلاق كل شيء تحت سيطرة النظام. كان الناس يستخدمون بشكل أساسي وسائل الإعلام التي يسيطر عليها النظام، فضلاً عن وسائل الإعلام الخاصة التي يملكها المقربون منه"، مشيراً إلى أنه "بعد العام 2011، انتشرت وسائل الإعلام المستقلة المختلفة التي ولدت بشكل رئيسي من الحركات الشعبية للمعارضة المناهضة للنظام، وبات هناك تنوع".

فبتمويل من منظمات أوروبية وأميركية، بدأ عدد كبير مما أصبح يعرف باسم وسائل الإعلام البديلة ببث الأخبار في سوريا بعد العام 2011، خصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والقوات المناهضة للحكومة. وأصبحت ظروف هذه الوسائل الإعلامية الناشئة والصحافيين المستقلين أكثر خطورة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، بعدما تم القبض على المصور المستقل فرزات جربان، واقتلاع عينيه، قبل أن يعثر على جثته على جانب أحدى الطرقات، وكانت جثته "مشوهة بشدة".

ومنذ ذلك الحين، قُتل 139 صحافياً على الأقل، من بينهم المراسلة الأميركية ماري كولفين ومعها المصور الفرنسي ريمي أوشليك، عندما قصفت قوات النظام السوري أحد المراكز الإعلامية المؤقتة. كما تم احتجاز الصحافيين الأميركيين جايمس فولي وستيفن سوتلوف، كرهائن وقتلهم على يد تنظيم "داعش"، عبر قطع رؤوسهم.

وتنقسم سوريا اليوم إلى ثلاث مناطق: الشمال الشرقي، وتسيطر عليه قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. الشمال الغربي، وتسيطر عليه في الغالب جماعات الميليشيات المدعومة من تركيا وعناصر إسلامية أخرى. أما بقية البلاد، فتسيطر عليها قوات الحكومة السورية والميليشيات المتحالفة معها، وكثير منها مدعوم من إيران.

وبحسب ما نقله الموقع عن خبراء، تعكس هذه الديناميكيات السياسية والعسكرية الطريقة التي يصل بها السوريون إلى الأخبار في كافة المجالات. وقال سيروان حاج حسين، مؤسس ومدير إذاعة "آرتا إف أم" العاملة في شمال شرقي سوريا، أن الانقسام السياسي ومحلية الصراع السوري على مدى السنوات العشر الماضية، جعل السوريين في كل منطقة من مناطق النفوذ قلقين إلى حد كبير بشأن ما يحدث في مناطقهم فقط. مضيفاً أنه " في السنوات الأولى من الأحداث، إذا حصل شيء ما في درعا جنوبي سوريا، فإن الناس في عامودا شمالي البلاد سيتابعونه، لكن في الوقت الحالي، لم يعد هذا هو الحال". وأضاف: "لدى الناس في درعا قائمة طويلة من المشاكل التي يجب الاهتمام بها، وكذلك الناس في عامودا".

و"آرتا إف إم" هي محطة إذاعية مجتمعية تعمل في شمال شرق سوريا تأسست العام 2013. وتبث باللغات العربية والكردية والسريانية ويتم تمويلها في الغالب من خلال برنامج وزارة الخارجية الأميركية ومنح أوروبية أخرى. وبثت المحطة الإذاعية برامج تتراوح بين الأخبار والمناقشات الحية التي تركز على الموضوعات ذات الاهتمامات المحلية.

في ضوء ذلك، عندما تقرر "آرتا إف إم" إنشاء محتوى إخباري معين، فإنها تتأكد من أنه يلبي احتياجات الجمهور المحلي مباشرة. ففي اجتماع تحريري عقد مؤخراً، قرر حاج حسين وزملاؤه تكريس تغطية أكبر لارتفاع أسعار السلع في شمال شرق سوريا. من خلال مراقبة السوق، أدرك صحافيو "آرتا" أن الارتفاع الأخير في الأسعار لم يكن حدثاً سورياً بالكامل، بل يرجع إلى حد كبير إلى الرسوم الجمركية التي فرضتها السلطات المحلية وتلك الموجودة في كردستان العراق المجاورة.

وهذا هو بالضبط نوع الأخبار التي يهتم بها مستمعو الإذاعة الآن: الأشياء التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهم وسبل عيشهم.

يتفق أحمد القدور، الذي كان يدير إذاعة "ألوان" في محافظة إدلب شمالي غربي البلاد، مع ذلك الرأي الذي يعلي من شأن الأخبار المحلية. وقال أنه "في منطقة مثل إدلب، حيث نزحت الغالبية العظمى من السكان، ستكون الأخبار الأكثر أهمية للناس على أساس يومي تقريباً هي الأخبار عن مناطقهم الأصلية".

وراديو "ألوان" هو واحد من عدة محطات إذاعية مجتمعية تأسست العام 2013.وبثت الإذاعة في مدينة سراقب بمحافظة إدلب ومحيطها، ولعبت دوراً رئيسياً في نشر أخبار محايدة عن الصراع في البلاد. وقال قدور أن الإذاعة توقفت عن البث في كانون الأول/ديسمبر 2019 بعد انقطاع التمويل عن كثر من وسائل الإعلام المستقلة.

وأشار قدور الذي يعيش في العاصمة الأميركية واشنطن، أنه بعدما عززت الجماعات المسلحة سيطرتها في إدلب، لاسيما "هيئة تحرير الشام"، اعتمد سكان المحافظة المحاصرة إلى حد كبير على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أخبارهم. وأضاف أن: "عدم وجود وسائل إعلام محلية مستقلة وضعف الإمكانيات للوصول إلى وسائل الإعلام العربية، ترك سكان إدلب بلا خيار سوى الاعتماد على فايسبوك".

وربما يكون الأمر مشابهاً لملايين اللاجئين السوريين. فوفقاً للأمم المتحدة، تم تسجيل حوالي 5.6 مليون سوري لاجئ في دول الجوار، إلى جانب 6.2 ملايين آخرين نزحوا ضمن سوريا نفسها. وقال قدور أن "ما يهم غالبية أولئك الأشخاص هو أي أخبار عن أوضاع مناطقهم في سوريا وطرق السفر إلى أوروبا".

وعلق دي أنغيليس: "حتى في المناطق التي يسيطر عليها النظام، تغير استهلاك وسائل الإعلام بشكل كبير خلال الصراع في البلاد، واللجوء إلى الشبكات الاجتماعية يعني الوصول إلى معلومات وأخبار أكثر توازناً لعدم الاعتماد فقط على رواية الحكومة للأحداث الجارية في البلاد".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها