الخميس 2020/06/11

آخر تحديث: 18:32 (بيروت)

دمشق تستلهم طهران: الصبر والسلوان علاج "قيصر"

الخميس 2020/06/11
دمشق تستلهم طهران: الصبر والسلوان علاج "قيصر"
حديث النظام عن الحرب النفسية لن ينفي إحساس السوريين بكارثة اقتصادية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
لم يدخل "قانون قيصر" الأميركي الذي يفرض عقوبات جديدة على النظام السوري، حيز التنفيذ بعد، لكن خطاب النظام الإعلامي والدبلوماسي يصوره منذ نحو أسبوعين على الأقل، بأنه سبب كل مشاكل البلاد الاقتصادية والمجتمعية والخدمية التي يشتكي منها السوريون لدرجة وصلت في السويداء وعدد من المدن الأخرى للتظاهر في الشوارع، رافعين شعارات تنادي بإسقاط النظام بوصفه المسؤول عن كل ما يجري في البلاد من انهيار على كافة المستويات.

وبنظرة على وسائل الإعلام الرسمية، المطبوعة والمرئية والمسموعة، يلاحظ أن النظام كثف استخدامه لمصطلح الحرب النفسية عند توصيف قانون قيصر، ورغم أن هذا التوصيف ليس جديداً بل يمكن رصده في حديث مسؤولي النظام عن القانون منذ إقراره في مجلس الشيوخ الأميركي منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلا أن النظام في الوقت الحالي يبدو مبتهجاً به، لأنه وجد فيه الطريقة المناسبة للتملص من كافة مسؤولياته بإلقائها على "الغرب السفيه الفاجر".

ونشرت الصحف الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي الموالية، رسوماً كاريكاتورية تكاد تكون متطابقة، من بينها مثلاً، رسم يصور "قيصر" كذئب جائع يستعد ترامب لإفلاته على الشعب السوري. وفيما يعترف النظام هنا بوجود مشاكل وكارثة اقتصادية وجوع وفقر وبؤس في البلاد، على عكس كل الادعاءات السابقة بأن كل الأزمات الاقتصادية التي يتم الحديث عنها مجرد أوهام غير حقيقية، فإن ذلك الاعتراف ممنهج وضروري لخلق الكذبة المثالية التي تفترض أن العقوبات هي سبب المشكلة وليس النظام الذي يحارب الفساد في البلاد بدليل القرارات الأخيرة ضد واحد من أكبر رجال الأعمال النافذين في البلاد، رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد.



ويذكّر الجو العام في وسائل إعلام النظام، بما في ذلك افتتاحية صحيفة "تشرين" الرسمية، بالدعاية الإيرانية الخاصة بمقاومة العقوبات المفروضة على نظام الملالي، على سبيل المثال، يتم الحديث عن ضرورة وصول "الدولة السورية" للاكتفاء الذاتي في كافة المجالات، وهي الطريقة البعثية في تقديم "الاقتصاد المقاوم" الذي طرحه المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قبل سنوات، كحل لأزمات طهران الاقتصادية، من دون نتائج مبهرة في هذا الصدد.

وبالطبع فإن واحدة من أهم ركائز هذا الاقتصاد المقاوم هي الاعتماد على الطاقات الداخلية، وعلى الصبر والصمود من أجل الوصول إلى نتائج في المستقبل، مثل الأمن الغذائي والدوائي، لكن ذلك يتطلب عدم استياء الشعب أو شعوره بالخداع والظلم وبالتالي انضباطه الذي يستوجب بث الدعاية الرسمية بالصيغة الحالية القائمة على التحذير من الحرب النفسية، ووصف أي المحتجين في الشوارع ومواقع التواصل بأنهم مأجورون لقوى خارجية أو بأنهم طابور خامس، بموازاة خلق الوهم بوجود تأييد شعبي للنظام، عبر "المسيرات العفوية" التي فضحت كذبها تسريبات لمسؤولين رسميين في السويداء، يهددون الطلاب والموظفين بالاعتقال في حال عدم الالتزام بها.

وبالتالي يراهن نظام الأسد ربما على تحويل الاستياء العام ضده نحو أعداء خارجيين، وهو أسلوب أثبت فشله حتى ضمن إيران نفسها. فبعد اغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير الماضي، عمدت الدعاية الإيرانية إلى تحويل الغضب الشعبي العام في البلاد، الذي تترجم بصورة مظاهرات مستمرة منذ سنوات بسبب البطالة والقلق الاقتصادي ورفض المغامرات العسكرية الخارجية، نحو الولايات المتحدة عبر اللعب على تغذية الشعور القومي، لكن المظاهرات اشتعلت ثانية بعد أيام قليلة في طهران نفسها، بعد اعتراف الحكومة المدهش حينها بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الأوكرانية الذي راح ضحيته 176 شخصاً بريئاً، رغم النفي الرسمي السابق.

هذا الفشل يبقى موجوداً في سوريا أيضاً، فالمظاهرات الموالية التي خرجت في السويداء، كانت محدودة مقارنة بحجم التظاهرات المعارضة التي اتهم أصحابها بالتبعية للسياسي اللبناني وليد جنبلاط. وحتى ضمن المظاهرات الموالية، انتشرت صور لأشخاص يرفعون شعارات معارضة ضمنها، كما صور آخرون أنفسهم وهم يرفعون أصبعهم الأوسط أمام صور الأسد، في تماه مع المعارضين، وكإشارة على عامل الإجبار الذي يدفع السوريين للخروج في مثل هذه التظاهرات. واكتمل المشهد مع إلغاء مسيرة كان من المفترض أن تخرج صباح الخميس في العاصمة دمشق، من دون توضيح الأسباب. وإن كان مرجحاً أن سبب الإلغاء يعود لضعف الإقبال على المشاركة، فإن صفحات موالية تحدثت عن أن "الشبيحة" أرادوا الخروج في مسيرة بالسيارات من أجل التفاخر بسياراتهم بدلاً من النزول إلى الساحات بشوارعهم ورفع صور الأسد بإيديهم.



والحال أن هنالك فروقاً كبيرة بين إيران كدولة تحاول استعراض قوتها في الشرق الأوسط وتصدير ثورتها الإسلامية في المنطقة، وبين سوريا الدولة الهامشية التي أنهكتها الحرب طوال عشر سنوات. ففيما يتصور النظام السوري نفسه جزءاً من محور عالمي متخيل ضد الغرب وضد الديموقراطية بوصفها سلعة معولمة، فإن سياسات الرئيس بشار الأسد منذ وصوله للسلطة العام 2000 كانت تقوم على محاولة الانفتاح على الغرب ولبرلة الاقتصاد. وإن كانت تلك سياسة قام بها أيضاً الإصلاحيون ضمن النظام الإيراني، بما في ذلك الرئيس حسن روحاني، إلا أن وجود المتشددين الرافضين لتلك السياسات، يخلق نوعاً من التوازن ضمن النظام الثيوقراطي في طهران، ويحول القضية إلى تجاذبات محلية، تتقاطع جميعها في نقطة المفاوضات مع الغرب، وهي رفاهية لا يمتلكها النظام السوري الذي يحكم البلاد كمزرعة شخصية أو إقطاعية كبيرة منذ سبعينيات القرن الماضي.

وعليه يصبح الاقتصاد المقاوم في إيران ضرورياً للصمود في وقت تحاول فيه طهران، عبر ميليشياتها وحرسها الثوري، تحصيل نفوذ في أي مفاوضات مقبلة مع الغرب، عبر الاستفزازات العسكرية في الخليج مثلاً وتحدي المصالح الأميركية في المنطقة، التي لا تسعى للحرب بل تهدد بها فقط، وتجعلها بعبعاً تلقي به أمام الشعب الإيراني في مقابل الألم الاقتصادي الذي يصبح ثمناً يجب دفعه من أجل البقاء ومن أجل الانتصار، بموازاة إدراك القيادة الإيرانية أن الخروج من تحت العقوبات الأميركية هو الطريق الوحيد لإنعاش اقتصاد البلد المتدهور، وهو ما يشكل جوهر الاتفاق النووي الإيراني الموقع العام 2015.

وفيما يكرر إعلام النظام السوري تلك الدعاية بحذافيرها، فإنه يفتقد في الواقع لعوامل الضغط الجانبية التي تمارسها إيران، ما يجعل حدود مناورته مقتصرة على ما يقوم به رعاته في موسكو وطهران، التي تأتي بثمن يوصف في مواقع التواصل بأنه "عقود بيع البلاد للحلفاء".  وليس غريباً بالتالي أن تمتلئ صحف النظام وقنواته بالحديث عن أن قانون قيصر هو ضربة للحلفاء لا أكثر، وأن الصمود هو جزء من الشكر الواجب تقديمه لروسيا وإيران والصين، وليس مقدمة للانتصار والازدهار الاقتصادي المستقبلي.

ومع التسليم بأن النظام لم يعد يتحدث باسم الشعب السوري ولا حتى طبقات الموالين له، منذ سنوات، مع تحوله إلى كيان متهالك فاقد للشرعية، فإن مسألة الاستقرار في البلاد، سواء مع العقوبات الغربية الجديدة أو من دونها، تبقى على حالها، لأن الدول الغربية أحجمت منذ سنوات عن المشاركة في عملية إعادة الإعمار من دون التوصل لحل سياسي جذري في البلاد، مع استحالة القيام بهذه العملية التي تقدرالأمم المتحدة تكلفتها بـ300 مليار دولار، من طرف الحلفاء بسبب مشاكلهم الاقتصادية الداخلية، ولعل الفترة المقبلة التي تشهد تكثيف الضغوط على النظام من كل جهة، ستكون حاسمة في تحديد مدى قدرته على التعنت من أجل البقاء في الحكم مهما كان الثمن باهظاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها