الإثنين 2020/03/09

آخر تحديث: 16:58 (بيروت)

مُطلق حملة #بدنا_نتسرح قُتل في ديرالزور.. حلقة تراجيديا مكتملة

الإثنين 2020/03/09
مُطلق حملة #بدنا_نتسرح قُتل في ديرالزور.. حلقة تراجيديا مكتملة
increase حجم الخط decrease
هناك شيء من التراجيديا في قصة نور نقشبندي، المجند الشاب في جيش النظام السوري الذي قتل في ديرالزور شمال شرقي البلاد، ونعته صفحات موالية للنظام، الاثنين، لكونه الشخص الذي أطلق العام 2017 حملة #بدنا_نتسرح المطالِبة بتسريح المجندين من الخدمة العسكرية التي باتت أبدية في البلاد، مثلما هي شعارات النظام المقيتة تماماً: "الأسد للأبد".


ولعل حالة نقشبندي الذي لم يُسرّح على ما يبدو، رغم القرارات القاضية بتسريح عناصر من الدورات الأقدم في جيش النظام، أي الدورة 102 العام 2018، والدورات 103 و104 و105، العام 2019، تشير إلى حقيقة استحالة تحصيل العدالة من النظام السوري من جهة، وإلى شعور عميق بالاستغراب من اللجوء إلى النظام وطلب الرحمة منه، رغم أنه الجهة التي تقوم بالممارسات نفسها، ليس منذ تسع سنوات فقط، بل منذ سبعينيات القرن الماضي. خصوصاً أن الحملة بقيت في حدود الاستياء والاستجداء من "القيادة الحكيمة" ولم ترتقِ إلى مرتبة التمرد.

وفيما تضاربت الأنباء التي تناقلتها الصفحات والناشطون عن الدورة العسكرية التي ينتمي إليها نقشبندي بالتحديد، إلا أن الثابت هو أنه واحد من المجندين القدامى في جيش النظام، علماً أن العديد من جنود النظام مازالوا يعانون في الخدمة الإلزامية الطويلة، والتي من المفترض أن تنتهي في خلال عامين فقط، ويمكن ملاحظة العديد من المنشورات خلال العامين الماضيين لجنود يفترض أن قرارات التسريح شملتهم، لكنهم مازالوا مجندين. في تجسيد مخيف للفكر الأسدي الذي بات ينظر للشعب السوري منذ 2011 على أنه قسمان، الأول عدو يجب التخلص منه، والثاني جنود أو مشاريع جنود مستقبليين لا أكثر.



والحال أن قصة مثل قصة نقشبندي كانت لتحدث غضباً واستياء في أي دولة غير سوريا الأسد، لكن الصفحات الموالية للنظام تبدو هادئة، ولا يتعدى الحديث عن نقشبندي سوى الإشارة إلى مقتله، حيث نجح النظام خلال الأعوام القليلة الماضية، في إشاعة الخوف والحد من حرية التعبير المتراجعة أصلاً في البلاد. ومن خلال سلسلة من الاعتقالات التي طاولت أكبر الناشطين الموالين بما في ذلك وسام الطير صاحب صفحة "دمشق الآن"، وسلسلة موازية من القوانين الخاصة بـ"الجرائم المعلوماتية"، وحزمة قوانين الاتصالات التي فرضت تقنيناً على استخدام الإنترنت في البلاد، بات السوريون في مناطق النظام يخشون التعبير حتى عن مشاعر مثل الحزن أو التعاطف مع قضايا لا تعارض النظام جوهرياً، بل تخالف سرديته في جزئيات بسيطة فقط.

على أن نقشبندي بنشاطه لصالح المجندين والعساكر على حساب القرارات الرسمية، وضع نفسه في خانة تمايزه عن "الأبطال" وفق المنطق الأسدي الذي يفترض أنه يجب على السوريين "خدمة الوطن" و"التضحية من أجله" بصمت، ومازالت الصفحات الأكثر التشبيحية في مواقع التواصل ترى في مطالبات جنود النظام بالتسريح ومطالبات السوريين في مناطق النظام بوضع إطار زمني واضح للتجنيد الإلزامي، نوعاً من الخيانة لـ"الواجب المقدس" والجبن وانعدام الشرف والرجولة، وغيرها من الصفات التحقيرية التي تستهزئ بهذه النوعية من المطالب.

وفيما يتم الحديث بشكل محق جيش النظام كميليشيا أسدية تقتل السوريين ويتباهى بعض أفراده بجرائم الحرب المختلفة، فإن ذلك لا ينفي وجود عدد كبير من الشباب السوريين الذين يجبرون على الالتحاق بالخدمة الإلزامية، سواء كانوا موالين للنظام أم لا، ولا يمكن على سبيل المثال، نسيان الصور الصادمة التي انتشرت العام 2018 لاعتقال شباب سوريين واقتيادهم للخدمة العسكرية مكبلين بالسلاسل. ويبرز هنا نوع من الجدل بين السوريين، المعارضين تحديداً، حول إمكانية التعاطف مع هذه الحالات، مقابل التشفي والشماتة من منطلق أنهم قبلوا بالاستبداد وقاتلوا لأجله مهما كانت الأسباب وعليهم بالتالي تحمل نتائج ذلك.

في المقابل يتحدث آخرون بما في ذلك شبكات حقوقية، عن أن التجنيد القسري يعتبر جريمة بحد ذاته. وبالتالي تتوفر إمكانية لرؤية العديد من العناصر المجندة في جيش النظام كضحايا لسياسات النظام بدورهم، خصوصاً أن إمكانية الانشقاق والتمرد باتت محدودة لعدم وجود هكيلية عسكرية معارضة، مثلما كان عليه الحال خلال الأعوام الأولى من الثورة السورية مثلاً، كما أن إمكانية الهروب خارج البلاد أو التأجيلات الدراسية تبقى ترفاً لا يمكن للجميع تحصيله للبقاء بعيدين عن العسكرة الإلزامية.

ويجب القول أن هنالك العديد من الصفحات والمجموعات في "فايسبوك" التي يديرها مجندون في جيش النظام وتخصص كل وقتها للمطالبة بتسريح المجندين في جيش النظام والحديث عن الظروف الاقتصادية والنفسية الصعبة لعائلاتهم. لكن الأسباب الداعية لذلك اختلفت بشكل راديكالي عما كانت عليه العام 2017 عندما أطلق نقشبندي حملة "#بدنا_نتسرح، فحينها كان يشار إلى التدخل العسكري الروسي والإيراني كأسباب يجب أن تساهم في تخفيف قيود التجنيد الإجباري التي يفرضها النظام في مناطق سيطرته، لكن الأسباب باتت اليوم محصورة في نهاية الحرب وسيطرة النظام على مناطق واسعة في البلاد، ما يقتضي تخفيف مظاهر العسكرة في البلاد ومن ضمنها التجنيد.

وتعد رواتب عناصر قوات الأسد منخفضة بالمقارنة مع رواتب عناصر المليشيات الرديفة، من مليشيات محلية تحت اسم "الدفاع الوطني"، ومليشيات طائفية إيرانية وعراقية ولبنانية، فضلاً عن انتشار الكثير من المقارنات بين واقع جنود النظام والجنود الروس في ما يتعلق بنوعية الطعام والمياه والملابس والمعاملة بين الجانبين. وأحدث ذلك أزمة محدودة قبل سنوات، لكن تأثيرها لم يتعدَّ مواقع التواصل الاجتماعي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها