الإثنين 2020/10/26

آخر تحديث: 15:18 (بيروت)

حمص: إذلال تحت صورة أسماء الأسد

الإثنين 2020/10/26
حمص: إذلال تحت صورة أسماء الأسد
لم يسبق أن رُفعت صور أسماء الأسد في الشوارع بهذا الشكل
increase حجم الخط decrease
لا مفاجأة على الإطلاق في الصور ومقاطع الفيديو المتداولة بين السوريين خلال اليومين الماضيين، وتظهر الطريقة المهينة التي يتعامل بها نظام الأسد مع أشد الموالين ولاء له. فالنظام الفاقد للشرعية حكماً، لم يعد سوى نسخة كرتونية عن السلطة التي مثّلها طوال عقود، ولم يعد يمتلك سوى الطريقة الأمنية/التشبيحية لتقديم نفسه لنفسه أمام البيئة الموالية، وللتعامل مع المواطنين سواء كانوا يحاولون شراء منتجات غذائية ضرورية من مؤسسة عامة كما حصل الأسبوع الماضي في قضية "مدام فاتن"، أو ممن يحاولون الحصول على مساعدات إغاثية ضرورية، مثلما تظهر الصور الآتية من مدينة حمص اليوم، وغيرها.


وفي الصور الآتية من مدينة حمص وسط البلاد، يظهر تجمع آلاف الأشخاص من "عائلات الشهداء" في الملعب البلدي، بعد الاتصال بهم من "مؤسسة العرين الإنسانية" لتقديم إعانات مادية وغذائية. قبل أن تأتي سيارة لترمي بعبوات من المياه وبعض علب البسكويت على الحضور مع أنغام النشيد العربي السوري، لا أكثر، بينما ارتفعت صور ضخمة للأسد وزوجته أسماء، كل على حدة، في مشهد لافت لأن صور أسماء لم ترفع في الشوارع والأماكن العامة بهذا الشكل على الإطلاق، فيما باتت "السيدة الأولى" تمتلك نفوذاً اقتصادياً وسياسياً واسعاً في البلاد، وباتت تحاول لعب الدور الذي كان يلعبه رجل الأعمال رامي مخلوف، الذي تجرد من نفوذه الواسع تدريجياً عبر ملاحقته بقضايا فساد وتهرب من الضرائب في وقت سابق من العام الجاري.



والحال أن "مؤسسة العرين" هي مؤسسة تابعة لأسماء الأسد شخصياً، وتأسست في شهر حزيران/يونيو الماضي، كمشروع "خيري" يزعم الاستقلالية، لكن تقارير إعلامية أشارت مراراً إلى ارتباط الجمعية بأسماء مباشرة لتكون بديلاً لجمعية "البستان" الخيرية التابعة لمخلوف. ولا تخفي صفحات المؤسسة في مواقع التواصل تلك العلاقة المشبوهة، بل تتفاخر بها عبر الشكر الدائم لـ"الرئيس الأسد وعقيلته" على الرعاية والاهتمام. علماً أن الجمعية ركزت جهودها على البيئة العلوية تحديداً بعكس مشاريع أخرى تشرف عليها أسماء وتركز على المناطق السنية.

وركزت المؤسسة جهودها في مناطق مثل حمص والساحل السوري، وعملت على تسجيل أسماء القتلى والمصابين في قوات النظام والميليشيات الرديفة له، بحجة توزيع مساعدات إنسانية على العائلات. وذكرت تقارير ذات صلة أن الجمعية نفسها استولت على مكاتب جمعية "البستان" في أكثر من مدينة سورية. ويذكر المشهد عموماً بالرمزية التي تحاول أسماء الأسد تعميمها في الداخل السورية كشخصية عابرة للطوائف، بمعنى أنها السيدة المنتمية للطائفة السنية والتي تلعب دوراً حتى ضمن البيئة العلوية، وهو ما بدا بوضوح أكبر أثناء زيارتها لقرى الساحل السوري المتضررة من الحرائق قبل أسبوعين، بشكل منفصل عن زوجها.

وللحقيقة، فإن هنالك شيئاً من السوريالية في كل المشهد، بصرياً وسمعياً مع امتزاج شعارات النظام كالأعلام والصور والأناشيد والهتافات بالبؤس والغضب والاستياء. يبدو الأمر مجدداً كسيرك كبير خارج عن السيطرة. وبالطبع لا يتعلق الأمر هنا بالاستهزاء من بؤس الناس في سوريا الأسد بالتحديد، حتى لو كانوا من عائلات أفراد قاتلوا في جيش النظام خلال السنوات الماضي، بل من ناحية صورة النظام العامة التي تبدو تافهة ووضيعة حتى في تقديمها لفائض القوة الذي تشعر به السلطة في هذا التوقيت. وتتفاقم الكوميديا حتى عند قراءة بيانات "العرين" التي أعفت مديرها فرعها في حمص معتز بدور، من مهامه، إلى جانب أعضاء مجلس إدارة الفرع، على خلفية ما حدث، بحجة أن الفعالية أقيمت من دون تنسيق مع إدارة المؤسسة.



ورغم أن الصفحات الموالية وبعض وسائل الإعلام المحلية، غضبت من المشهد، من ناحية أنه "يسيء لصورة الشهداء والجرحى"، فإن الاستخفاف الرسمي بأولئك الجنود وعائلاتهم بات متكرراً ومستفزاً للموالين، خصوصاً أن النظام السوري سابقاً بتوزيع ساعات حائط ومَواشٍ ومواد غذائية معلبة وصناديق من البرتقال، كتعويضات لأسر القتلى في جيشه، بشكل يتناقض تماماً مع الدعاية الرسمية التي تقدس "الجيش الذي حرر البلاد من الإرهاب".

ولا تتوقف الدعاية الرسمية هنا، فالصفحات الموالية زيفت ما جرى في حمص تماماً لصالح تقديم سردية حول شعبية الأسد الجارفة في البلاد. فبدل الحديث عن الفقر المقدع الذي يعيشه السوريون ويضطرون بسببه للتجمع في زمن فيروس كورونا من أجل الحصول على حفنة من المال لا تتعدى مبلغ 50 ألف ليرة سورية (ما يعادل نحو 20 دولاراً أميركياً)، تم تحويل الموضوع إلى أن السوريين أتوا من كل حدب وصوب بعد اعتقادهم أن الرئيس الأسد وعقيلته سوف يطلون عليهم ويلتقون بهم في لقاء مفتوح للاطلاع على واقعهم المعيشي وظروفهم الصعبة من أجل الوصول إلى حلول. ولا يتم هنا تمرير رسائل تزيف شعبية الأسد فقط، بل يظهر أيضاً بصورة البطل الخارق الذي يعمل بجد من أجل تحسين ظروف الحياة اليومية، رغم أنه في الواقع مسؤول بشكل مباشر عن بؤس الحشود في حمص، أو السوريين عموماً.

إقالة مدير ومجلس إدارة فرع #حمص .. توضيح هام من مؤسسة #العرين الإنسانية إشارة لما تم تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي...

Posted by ‎مؤسسة العرين الإنسانية‎ on Sunday, October 25, 2020


واللافت أيضاً، أن الموضوع لم يعد يتعلق اليوم بطريقة تعامل النظام مع من يصنفون أنفسهم كمعارضين محتملين أو مهجرين من مناطق ثارت ضد النظام قبل عشر سنوات، مثلما حصل العام 2018 عندما انتشرت مقاطع فيديو تظهر توزيع "ساندويشات" من قبل رجال أعمال وبرلمانيين أسديين على مهجري الغوطة الشرقية حينها، بشرط الهتاف بالولاء لرئيس النظام بشار الأسد أولاً.

ورغم ذلك، فإن المشهد ككل يمثل امتداداً لسياسة النظام الطويلة في الإذلال، حيث عمد النظام البعثي - الأسدي بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة العام 1970 إلى تعميم نموذج "كسر النفسية" وإبقاء السوريين منشغلين بالحاجات الأساسية لبقائهم على قيد الحياة بالحد الأدنى. ولهذا السبب كان احتكار بيع الخبز والمواد الغذائية يتم عبر نظام "المؤسسات الاستهلاكية" التابعة للنظام، حيث يصطف الناس للحصول على حصتهم من تلك المواد، بحيث يضع النظام نفسه في مرتبة صاحب الفضل أمام السوريين. وعاد ذلك للظهور في السنوات الأخيرة، لأسباب أيديولوجية، وليس فقط لأسباب اقتصادية ناتجة عن العقوبات الغربية مثلما يكرر الإعلام الرسمي.

ويجب القول أن هذا الأسلوب في تحطيم بنية المجتمع السوري، بتحطيم نفسيات أفراده، هو جزء من الإرث البعثي العتيق. وعبر تحطيم بنية المجتمع الأساسية، على أسس إثنية ودينية من جهة، وبطريقة الإذلال الممنهج من جهة ثانية للسوريين من مختلف الانتماءات، لم يكن النظام البعثي القديم يهدم نفسه على المدى البعيد، بل كان يلغي أي احتمالية لوجود أي نظام بديل قادر على تحديه وإزالته من جذوره. ويتكرر ذلك اليوم بصورة هزلية لأن المجتمع السوري وصل إلى درجة عالية من التفتت بعد سنوات الثورة والحرب في البلاد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها