الجمعة 2019/05/17

آخر تحديث: 14:52 (بيروت)

رمضان المصري: نحن الغلابة نأكل بعضنا

الجمعة 2019/05/17
رمضان المصري: نحن الغلابة نأكل بعضنا
أحمد السقا ضحية جشع الاخوين في "ولد الغلابة"
increase حجم الخط decrease
لسنوات طويلة، ظل الصراع الدرامي في الأعمال التلفزيونية المصرية، التي تتناول واقع الطبقات الفقيرة، مقتصراً على بطل يمثل طموحاتها، وآخر يظهر غالباً كممثل للرأسمالية التقليدية، أو ظلاً لأحد انعكاساتها، يحاول عرقلته وإقصاءه. وكانت الدائرة النمطية لحركة السرد، تضع حلفاء ذلك البطل في موقف المؤازر، إما بصورة مباشرة عبر مساندته في صراعه، أو غير مباشرة تتبدى في تقديرهم لما يؤديه من دور. 

غير أن طارئاً ألمّ بشكل العلاقات التي تربط البطل بمن ينتمون إليه من شخصيات ثانوية، في عدد من الأعمال الدرامية المعروضة خلال الموسم الرمضاني الحالي، والذين ظهروا بصورة لا تقل دناءة وخسة عن خصم البطل الرئيسي.

في مسلسل "ولد الغلابة"، (بطولة أحمد السقا، من إخراج محمد سامي، وإنتاج شركة الصبّاح)، يظهر احتياج البطل إلى المال لعلاج أمه المريضة واستكمال الناقص من جهاز أخته العروس، لكن على النقيض من تحمل حمزة (أحمد السقا) المسؤولية، تقدم الدراما أخويه، اللذين يلعب دوريهما كل من إدوارد وكريم عفيفي، كنموذجين للأنانية واللامبالاة.

الثيمة السردية نفسها تكاد تتكرر، في المسلسل الكوميدي "طلقة حظ"، الذي يلعب مصطفى خاطر دور البطولة فيه (إنتاج شركة سينرجي) حيث تضيف أخوات البطل "عبد الصبور"، بأنانيتهن أعباءً إضافية تزيد من صعوبة حياته.

لكن هذه الأعباء التي أضحت "أهلية" البطل تراكمها فوق ظهره، لا تشبه في مضمونها الصراع القائم على الغيرة بين الأشقاء، مثل ما نجده في القصص الديني عند يوسف وأخوته، ويتحقق بصورة ما في مسلسل مثل "أبو جبل"، الذي يؤدي بطولته مصطفى شعبان، وإنما تطرح شكلًا للسلوك يمكن وصفه بالقول الدارج "الناس بتاكل بعضها"، والذي وإن جاء في سياق يمثله أهلية البطل، فربما ليحمل دلالة أقوى على فداحة الفعل واستشرائه في المجتمع المصري.

فإدوارد، أخو السقا في "ولد الغلابة"، يدخل إلى الشاشة في ظهوره الأول، ليكشف عن شخصية الدور الذي يؤديه كبخيل يضن على أسرته حتى بكيس من الفاكهة من الممكن أن يتقاسمه معهم، ويرفض بالضرورة، المساهمة في علاج أمه المحتاجة إلى إجراء جراحة لزراعة الكبد، رغم أنه يملك سيارة ميكروباص أخفى عن عائلته امتلاكها، ويتخطى سعرها إن بيعت خمسة أضعاف قيمة العملية المطلوبة. 

أما أخوهما الأصغر والذي يلعب دوره كريم عفيفي، فيبدو متهوراً وأنانياً في الوقت ذاته، ففي حين زجّ بنفسه إلى السجن بسبب مشاجرة بينه وأحد أصدقائه، فإن إخراجه من تلك الورطة يتسبب في تغريم أخيه الأكبر مبلغاً مالياً ضخماً، في حين أنه يحتاج إلى كل مليم لعلاج أمه المريضة وتجهيز أخته العروس. وبدلًا من أن يشعر الأخ الأصغر بالخجل جراء أفعاله، فإنه يبدو غير مبالٍ بالمرة، بل ويطلب من أخيه مالاً ليذهب ليكمل سهرته في المقهى.

ويتكرر النموذجان بالصورة ذاتها، في مسلسل "طلقة حظ". ففي حين يعيلُ عبد الصبور (مصطفى خاطر) أسرته المكونة من زوجته وأمها وابنتيه، فإن يتحمل مسؤولية إعالة أخواته البنات الأربع، وفي حين يقدم السرد الواقع المادي المزري للأسرة على أنهم يأكلون بالدور، فإنه يقدم إحدى أختيه كدنيئة تخفي على أسرتها امتلاكها متجراً كبيراً لبيع الأدوات المكتبية، فيما تقاسمهم طعامهم القليل في الوقت الذي تظهر فيه عبر لقطات متناثرة تأكل طعامًا أفضل منه وحدها في حيز ملكيتها.

ولا يتوقف ذلك النمط، الطارئ على الدراما المصرية في رمضان الحالي، عند هذين العملين، وإنما نجد له تمثيلات متنوعة، في مسلسلات مثل "الواد سيد الشحات"، و"هوجان"، و"حدوتة مرة"، و"زلزل". وهو النمط الذي، وإن بدا مختلفاً في طرحه وطارئاً على الدراما، يأتي امتداداً لخطاب الدولة في تفسيرها للفقر، باعتباره نتيجة، ليس لسوء الإدارة، أو لجشع الرأسمالية، وإنما لفساد المواطنين أنفسهم واستمرائهم أكل حقوق بعضهم البعض.

فخطابات الدولة التي تنظر إلى التطلعات الاقتصادية للشعب باعتبارها شكلًا من أشكال الأنانية والجشع، تحمل في مضمونها وعداً بالتصدي لمن يتبناها، وهو الأمر الذي تترجمه دراما هذا العام بصورة واضحة، من خلال نماذج  أبطال "ولد الغلابة"، و"طلقة حظ"، و"الواد سيد الشحات"، و"هوجان"، والذين بدوا متساهلين أمام استغلال الآخرين، فوقعوا ضحية خسائر أبشع بحسب ما يكشف سير الدراما في تلك الأعمال.

أما محمد رمضان، الأب في "زلزال"، فيمثل النموذج النقيض، والذي يجب حذو حذوه، حيث إنه رغم تعرضه للطعن من قبل صديقه، فإنه يتمسك بالدفاع عن "شقا عمره" حتى ينجح في الاحتفاظ به في النهاية.

ولا تغيب النية في توجيه الرأي العام، عن قراءة المشهد الدرامي الحالي، في ظل استحواذ شركة سينرجي على الحصة الأكبر من عدد المسلسلات المعروض (15 من 24 مسلسلاً)، وانتمائها وإدارة صاحبها تامر مرسي لشركة إعلام المصريين، التي تمتلك معظم الفضائيات المصرية حالياً. ذلك أن الدراما لا تكتفي بعرض تلك النماذج، وإنما تتصدى للترويج لخطاب الدولة والقرارات الاقتصادية المتقشفة التي تتخذها مؤخراً، من دون أن تؤسس درامياً لذلك.

ويظهر ذلك حتى في "ولد الغلابة" الذي أنتجته "الصبَاح"، ففي الحوار بين أحمد السقا وأخيه البخيل، حيث يشير الأول إلى اكتشافه امتلاك الثاني للسيارة الميكروباص، بعدما وصله إخطار من وزار التموين بحذف أخيه من المستحقين للدعم لامتلاكه سيارة ميكروباص. وهو تفصيل لا يضيف شيئاً مهماً إلى سير الأحداث، لكن يجب تمريره، في ما يبدو، في حين يرفض فيه الرأي العام قرارات الدولة بحذف ممتلكي السيارات من مستحقي الدعم، باعتبار إن امتلاك سيارة ليس دليلاً على الرفاهية، فإن حذف هذا النموذج الذي يمثله إدوارد في "ولد الغلابة" من مستحقي الدعم سيبدو مقنعاً في ما يخص صحة اختيارات الدولة اقتصادياً. 

وعلى الرغم من تعدد ما تعرضنا له من أعمال درامية، فإن الرصد الذي نقدمه لذلك النمط، يختص به بعض المسلسلات دون غيرها، في طرحها للمسألة مباشرة خلال حلقتها الأولى، وهو الرصد الذي ربما يتسع أمام المشاهد ليشمل عدداً أكبر من الأعمال الدرامية، التي قد تكشف حلقاتها التالية عن نماذج أخرى تستعرض الكيفية التي يأكل بها الناس بعضهم البعض في مصر اليوم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها