الثلاثاء 2019/02/19

آخر تحديث: 17:36 (بيروت)

"ببساطة".. باسم ياخور لا يمتلك تأثير دريد لحام

الثلاثاء 2019/02/19
"ببساطة".. باسم ياخور لا يمتلك تأثير دريد لحام
تحول ياخور إلى فنان السلطة المدلل، وكأنه نسخة أكثر شباباً من الفنان دريد لحام
increase حجم الخط decrease
لا يمكن إنكار الموهبة الفنية الكبيرة التي يتمتع بها الممثل السوري باسم ياخور، وتحديداً في مجال الكوميديا التي صنعت شهرته العربية منذ تسعينيات القرن الماضي، لكنه تحول في السنوات الأخيرة، للأسف، إلى فنان السلطة المدلل، وكأنه نسخة أكثر شباباً من الفنان دريد لحام، وباتت الكوميديا التي يقدمها، مجرد ضخ دعائي يساهم في تكريس رواية النظام السوري للأحداث في سوريا وتفريغ الغضب الشعبي من قضايا ملحة.


ويقدم ياخور حالياً، مشروعه الجديد "ببساطة"، وهو مجموعة من اللوحات المنفصلة القصيرة، لا تتجاوز مدتها 10 دقائق، تعرضها قناة "لنا" التي يمتلكها رجال أعمال مقربون من النظام، في محاولة لمقاربة حقبة "ما بعد الحرب في سوريا" بطريقة ساخرة. لكن تلك الكوميديا تأتي مشوهة، لأنها تفتقد أهم العناصر التي تجعل من المادة الساخرة مادة مؤثرة وذات قيمة، وهي تحديها للسلطات كأعلى درجات النقد.

وطوال الحلقات التي بدأ عرضها الأسبوع الماضي، يتبنى العمل نمطاً محدداً من السخرية "الاجتماعية"، بالتركيز على "حياة الناس العاديين" ورصد المظاهر التي حصلت في سوريا بعد الثورة السورية، عبر تقديم الأنماط الاجتماعية (مسؤول، مواطن غني، مواطن فقير، ناشط موالي، جندي على حاجز، عنصر في ميليشيا،.. )، والتركيز على أفكار مستهلكة يناقشها السوريون عبر مواقع التواصل، بما في ذلك الموالون للنظام أنفسهم، بجرأة أكبر، كحادثة تعاطي الإعلام الرسمي مع ضحايا الحريق في أحد أحياء دمشق الشهر الماضي، والتي يتم تحويلها إلى لوحة سمجة عن مذيعة تغطي خبر حادث سير.



وإن كانت هذه الطريقة غير المباشرة القائمة على أسلوب اللف والدوران لإيصال الأفكار، خاصية قديمة في الكوميديا السورية، بسبب قيود الرقابة السياسية الفكرية في البلاد، لكنها تشكل اليوم عبئاً على أصحابها، لأن السلسلة، وما شابهها من أعمال، تبدو بعيدة عن الشجاعة والذكاء المطلوب من هذا النمط، كما أن العامل البصري الضعيف لا يساعد في تعويض ذلك النقص، عبر الإبهار، بل يعززه، لتبدو السلسلة وكأنها إنتاج فقير يقوم به هواة يفتقدون للموهبة.

ويجب القول أن العمل، استنساخ لفكرة سلسلة "بقعة ضوء" التي أطلقها ياخور بنفسه العام 2001، مع الممثل أيمن رضا، قبل أن تنتهي شراكتهما الفنية قبل سنوات، ولا يحمل المشروع الجديد أي جديد لا من ناحية الصورة ولا من ناحية المعالجة أو طرح الأفكار، حيث باتت هذه الطريقة من السخرية المبطنة موضة قديمة، غير مناسبة للعام 2019، خصوصاً أن السوريين عبر "يوتيوب" و"فايسبوك" قدموا عشرات المشاريع الساخرة المبهرة، والتي كسرت حاجز الرقابة التقليدي و"تطاولت" على "مقامات ورموز الدولة" بما في ذلك السخرية من رئيس النظام بشار الأسد نفسه، بغض النظر عن الموقف السياسي منه.

وهنا تكرس السلسلة رواية النظام السوري للأحداث في البلاد، ويتجلى ذلك في الحلقة الأولى التي جسد فيها ياخور شخصيتها الأساسية إلى جاتب إخراجها بنفسه، بدلاً من مخرج  السلسلة سيف الدين سبيعي، حيث يتم التعريف بالمواطن السوري بشكل فج، على أنه السوري الصامد الذي يرفع إشارة النصر والذي بقي في البلاد تحت راية القيادة الحكيمة ونجا من قصف "الإرهابيين" له بقذائف الهاون، ليحدد العمل منذ انطلاقته، خطه السياسي، القائم على تقديم وجهة نظر أحادية وإقصائية، رغم ادعاء العكس، علماُ أن السلسلة هي اول إنتاجات شركة "روي" للإنتاج الفني التي افتتحها ياخور في العاصمة دمشق.



ويراهن النظام ربما على ياخور (47 عاماً) للعب الدور الذي لعبه الفنان دريد لحام، في حقبة الرئيس السابق حافظ الأسد، بتقديمه المواد الفنية التي تمتص غضب الشارع، وإعطاء انطباع زائف بوجود حريات وهامش للنقد في البلاد. ويأتي اختيار ياخور لهذا الدور، لعوامل متشابكة، فهو رغم مجاهرته بالولاء للنظام السوري وتأييده لجيشه، بقي محافظاً على علاقاته مع فنانين معارضين، كما أبقى موالاته للنظام إعلامياً في الحد الأدنى، ولم ينجرف نحو حملات التخوين والردح المتبادلة بعد الثورة، وصولاً لكونه الاسم الأبرز من بين الأسماء النشيطة حالياً والتي لم تعلن معارضتها أو انشقاقها عن صفوف النظام، وبالتالي يمكن رسم صورة له كفنان وطني يتحدث بهموم "كل السوريين".

لكن الفارق بين ياخور ولحام في هذا المجال، واسع، لأن لحام (85 عاماً) نشط في سنوات التعتيم الإعلامي في البلاد والقبضة الأمنية المرعبة لنظام حافظ الأسد، وحينها لم يكن يتجرأ أي أحد على انتقاد النظام أو التفكير بذلك حتى، خوفاً من "الحيطان اللي إلها آذان"، وكانت مسرحيات لحام ومسلسلاته بما في ذلك سلسلة "أبو الهنا" منتصف التسعينيات، غاية في الجرأة، ليس لكونها معارضة للسلطة السياسية، بل لأنها تحدثت في العلن عن تفاصيل لا يتحدث عنها السوريون في حياتهم اليومية بشكل مباشر، وشكلت بالتالي لمحة عن الحياة في ظل النظام السوري، بطريقة غير مباشرة، ومن هنا أتت قدرتها على تفريغ غضب الشارع.

أما تجربة ياخور منذ بقعة ضوء، فغير قادرة على إحداث نفس التأثير المنشود، لأنها تكرر كلام الناس فقط، ولا تأتي بما يتفوق عليه. وإن كانت مصداقية لحام كصوت للناس قد تلاشت بعد انحيازه للنظام السوري بعد الثورة السورية، فإن ياخور من الأساس لم يمتلك تلك السمعة أصلاً، ولا تشكل محاولاته لبناء تلك الصورة، عبر تعليقاته السياسية الخجولة أو انضمامه لثورة الغاز الأخيرة في البلاد، أي فرق، ويمكن تلمس ذلك في ردود الفعل عبر مواقع التواصل على السلسلة،والتي تكاد تكون معدومة، سواء من ناحية عدد المشاهدات في "يوتيوب" أو التعليقات في "فايسبوك" و"تويتر".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها