الأربعاء 2019/12/25

آخر تحديث: 14:25 (بيروت)

بسبب "الجنائية الدولية".. استنفار نتنياهو والمعارضة وإعلام إسرائيل

الأربعاء 2019/12/25
بسبب "الجنائية الدولية".. استنفار نتنياهو والمعارضة وإعلام إسرائيل
قررت المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم حرب تُتهم بها إسرائيل في المناطق الفلسطينية
increase حجم الخط decrease
مهما كابرت إسرائيل وروّجت البروباغندا المزعومة "بأن قوتها تنتصر على القانون الدولي أيضاً"، فإن الاصطفاف وتَوَحُّد اليمين الحاكم مع الوسط "المعارِض" في شن هجوم لاذع عبر السوشال ميديا والإعلام التقليدي ضد المدعية العامة للمحكمة الجِنائية الدولية، فاتو بنسودا، تكشف بوضوح حجم الإرباك والاستنفار الذي طاول المستويات المختلفة في الدولة العبرية، إثر قرار المحكمة التحقيق في جرائم حرب تُتهم بها إسرائيل في المناطق الفلسطينية.

اللافت أن صحافة إسرائيل ومحطاتها التلفزيونية والإذاعية تجنّدت، في غالبها، هي الأخرى في وجه قرار "الجنائية الدولية" الذي يدعو إلى تحقيق في جرائم منسوبة لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية، حتى أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي تبدو معارِضة دائمة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتبحث عن أي شيء يُناقض تصريحاته، تبنّت موقف نتنياهو نفسه، لأن المعيار الذي يحكم تغطية الإعلام العبري في هذه الحالة يقوم على "أن مصلحة إسرائيل فوق أي خلافٍ داخلي".

صورة للمادة التي نشرتها "يديعوت احرونوت" بعنوان "الشيطان من غامبيا والمدعية من لاهاي"ولم تتوقف "يديعوت أحرونوت" عند تبني موقف نتنياهو ضد قرار "الجنائية الدولية"، بل راحت إلى الغوص في تاريخ سنوات مضت لمحكمة لاهاي ومدعيتها العامة بنسودا، في سياق ما سمّته "الماضي الأسود" ضمن دعاية المنظومة الإسرائيلية برمتها، والهادفة إلى التشكيك بصدقية المُدّعية ومهنيتها، فعنونت في صدر صفحتها الأولى: "الشيطان من غامبيا والمُدعية من لاهاي!". وفي هذا العنوان، ذكرت الصحيفة أن المدعية بنسودا، عملت سابقاً كوزيرة للقضاء ومدعية عامة لصالح رئيس جمهورية غامبيا السابق يحيى جامع، الذي وصفته بـ"الرئيس الديكتاتور".
ورغم ذلك، أظهر الموقع الإلكتروني لـ"يديعوت أحرونوت" حجم المخاوف الإسرائيلية من تداعيات قرار مدعية لاهاي، بإشارته إلى أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، أعطى تعليماته لتجميد مشاورات مخطط ضم الأغوار ومناطق من الضفة للسيادة الإسرائيلية، خشية مواجهة في المحافل الدولية. علماً أن بقية وسائل الإعلام الإسرائيلية، لم تختلف في تغطيتها جوهرياً عن "يديعوت أحرونوت"، بل استمرت منذ صدور قرار المدعية الدولية، الجمعة، في تناقل تصريحات نتنياهو ومسؤولي الحكومة والمعارضة التي توحدت ضد قرار التحقيق في جرائم حرب تُتهم بها إسرائيل في المناطق الفلسطينية.

واختزلت صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو، ردّ الفعل الإسرائيلي، بعنوان: "رد إسرائيل على لاهاي: خط سياسي صعب ومناقشات سرية في الأروقة السياسية والإستراتيجية"، فيما تحدثت القناة العبرية "11" عن اجتماع لوزارة الخارجية الإسرائيلية لمناقشة قرار محكمة الجنايات الدولية بمختلف أبعاده. أما صحيفة "هآرتس" فبعثت في تحليلها تحذيراً ضمنياً للفلسطينيين، بألا يفرحوا كثيراً بقرار المدعية الدولية، "لأن تحقيقاً دولياً من هذا النوع لا يقتصر على إسرائيل، بل يشمل جرائم حرب اقترفتها الفصائل الفلسطينية ومن بينها حركة حماس".

إلى ذلك، لم يخلُ الإعلام العبري من قراءات وتقارير استطلعت آراء خبراء إسرائيليين في القانون الدولي إزاء قرار المحكمة الجنائية الدولية، وأجمعوا على "أن الأمر جدي، الحديث لا يدور عن مجرد تقرير آخر. إنها محكمة ذات اختصاص جنائي، وإذا تم اتخاذ قرار، فستبدأ فعلياً في إجراء تحقيق جنائي كامل".

ويظهر تحليل الخطاب الرسمي والحزبي الإسرائيلي حيال قرار "الجنائية الدولية"، إعادة استخدام لتعبير "الإرهاب الدبلوماسي"، وهو مفهوم اخترعته إسرائيل قبل سنوات حينما استخدمته في وسم خطوات السلطة الفلسطينية في المؤسسات الدولية ضد السياسة الإسرائيلية المتمثلة في عمليات القتل والاعتقالات ومصادرة الأراضي، وبناء وتوسيع المستوطنات. أما توظيفه اليوم، فيأتي في سياق مهاجمة قرار المحكمة الجنائية الدولية الرامي إلى فتح تحقيق في احتمالية ارتكاب دولة الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.

بموازاة ذلك، عمل نتنياهو في خطابه، على هامش جلسة حكومته الأسبوعية، الأحد الماضي، على اختلاق "محاججة" في مدى قانونية وصلاحية المحكمة الدولية في التحقيق مع إسرائيل، عندما أجاب على سؤال طرحه من تلقاء نفسه وهو "لماذا لا تمتلك الجنائية الدولية صلاحيات التحقيق مع إسرائيل ومحاكمتها؟!". ويتحدث نتنياهو عن سبب مزعوم مفاده "أن اختصاصات هذه المحكمة الدولية تنطبق على دول لا تمتلك أجهزة قضاء حرة ومستقلة. وهذا لا ينطبق على إسرائيل كدولة ديموقراطية وحيدة في الشرق الأوسط ولديها قضاء نزيه وغير مسيس"، حسب تعبيره.

والحال أن نتنياهو بدا متناقضاً ومنفصماً في حديثه عن "نزاهة قضاء إسرائيل"، فهو نفسه الذي اتهم الجهاز القضائي في الدولة العبرية، الشهر الماضي، في خطابه رداً على تقديم ملفات الفساد المتهم بها إلى المحكمة، بأنه "غير نزيه ومسيس ويسعى لإطاحته!"، فكيف لهذا القضاء أن يكون نزيهاً عندما يتعلق بقرار المحكمة الدولية، فيما هو غير ذلك حينما يتعلق بملفات فساد نتنياهو؟!

الإعلام العبري، بدوره، أضاف سبباً آخر لمعارضة اسرائيل أي تحقيق مرتقب من المحكمة الجنائية الدولية، ويتمثل في "عدم مصادقة الكنيست الإسرائيلي على الانضمام لمحكمة لاهاي الدولية"، وبالتالي "لا تمتلك المحكمة الجنائية الحق في محاسبة إسرائيل". بالتأكيد، فإن الفرصة سانحة أيضاً أمام نتنياهو وآخرين في حكومته، وبعض الأقلام الإسرائيلية، لوصف المحكمة الدولية بـ"معاداة السامية"؛ زاعمةً أن الدليل على ذلك "أن هذه المحكمة لم تحقق في جرائم حرب في سوريا ودول أخرى، لكن حينما تعلق الأمر بإسرائيل، فإنها وأطرافاً أخرى تحمّست لمحاكمة إسرائيل".

في السياق، انتهز نتنياهو فرصة وجوده عند حائط البراق في القدس، بمعيّة السفير الأميركي دايفيد فريدمان، كي يعطي "دليلاً يائساً" على "لا سامية بنسودا"، بادعاء "أنها لا تريد لنا العيش بسلام. هم ليسوا ضدنا بحجة أننا إحتلال، بل لأننا يهود ندافع عن أنفسنا ضد محاولات إبادتنا". ولا يعكس ذلك موقف نتنياهو وحده، بل يشمل جميع ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي، حتى أن خصمه ومنافسه اللدود رئيس تحالف "أزرق-أبيض" بني غانتس، قال: "إن قرار المحكمة الجنائية الدولية سياسي، وإسرائيل بكافة أحزابها متكاتفة لمواجهته والدفاع عن نفسها".

غانتس القادم من العسكر إلى ملعب السياسة، بصفته رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، جسد بذلك قاعدة: "أنهم يختلفون مع بعضهم البعض، لكن ليس على بعضهم البعض"، كما حذت أحزاب "المركز" (اليسار) وتحديداً حزب "العمل"، حذو غانتس، لكن حزب "ميرتس" الأكثر يسارية، التزم الصمت ولم ترصد "المدن" في موقعه الإلكتروني أو صفحات قادته عبر مواقع التواصل، أي موقف حيال قرار محكمة لاهاي. ويبدو أن الحزب يشعر بالإحراج من تأييده للقرار الدولي، أو أنه يعتقد أن هذا الأمر "خطير" يمسّ الإجماع الإسرائيلي على رفض أي خطوة دولية تضر إسرائيل وتقيّد إستراتيجيتها الأمنية.

الكتلة الوحيدة في الكنيست التي أيدت قرار الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم حرب اقترفتها إسرائيل في المناطق الفلسطينية، هي القائمة العربية المشتركة. وهذا أمر متوقع وطبيعي في هكذا حالة. كما لم تعلّق منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية على قرار الجنايات الدولية، وقررت السكوت حتى اللحظة، رغم ما طاولها من اتهامات أوساط يمينية لها بتزويد "محكمة لاهاي" وثائق تدين إسرائيل بإرتكاب جرائم بحق الفلسطينيين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها