الجمعة 2019/12/13

آخر تحديث: 17:17 (بيروت)

من هو "رئيس تحرير مصر"؟

الجمعة 2019/12/13
من هو "رئيس تحرير مصر"؟
جمال العدل ويسرا
increase حجم الخط decrease
يعد الإنتاج الفني لشركة "العدل غروب" من أكثر الأعمال التلفزيونية شعبية في الشرق الأوسط. وتتناول مسلسلاتها موضوعات مثل إدمان المخدرات بين أبناء الطبقة المتوسطة، والانتهاكات الجنسية، والحياة في سجن النساء، وقد حققت نجاحاً كبيراً بين المشاهدين في مصر وأنحاء العالم العربي.

ظل الحال هكذا، حتى أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موجة جديدة من الرقابة. ففي السنوات الثلاث الأخيرة، أحكم السيسي، قائد الجيش السابق، الرقابة على صناعتي الترفيه والأخبار. وأنشأ مجلساً تنظيمياً جديداً للإشراف على الإنتاج، وأصبح المحتوى الإعلامي خاضعاً لرقابته. وتصر لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ألا تتضمن المسلسلات التلفزيونية مشاهد جنسية أو ما ينطوي على الإلحاد، وألا تتناول السياسة ضمن موضوعاتها. كما يتعين تقديم رجال الشرطة وأي شخصيات أخرى تمثل السلطات في صورة إيجابية، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

ونقلت الوكالة في تقرير موسع، عن جمال العدل، أحد مؤسسي الشركة، أنه كان يظن أن بوسعه تسيير الأمور بالابتعاد عن أكبر القضايا الممنوع تناولها. لكنه غيّر رأيه عندما سمع أن الشرطة داهمت موقع تصوير فيلم ينتجه أحد منافسيه، العام الماضي، لعدم الحصول على تصريح ضروري. وعليه، أوقف العدل على الفور العمل في مسلسلين تلفزيونيين كان يصورهما خوفاً من أي مشاكل قد يواجهها لعدم حصوله على تصريح.

وقال العدل أن المناخ الحالي للعمل في مصر غير مريح بالنسبة له، وأضاف أن الإنتاج الفني أصبح يمثل وجهة نظر واحدة، "عين واحدة، رؤية واحدة". تلك الرؤية هي رؤية السيسي وهي قائمة على فضائل البطولة والوطنية. وتستخدم السلطات أساليب مبتكرة في العمل على تحقيقها. وفي مقابلات، وصف عدد من القائمين على إنتاج أعمال تلفزيونية ومسؤولون تنفيذيون في القطاعات الإخبارية، كيف أحكمت حكومة السيسي رقابتها التي يصفونها بأنها أشد صرامة من وسائل الرقابة في عهد حسني مبارك، الذي حكم مصر بقبضة قوية إلى أن أطاحته ثورة يناير 2011.

وهذه هي المرة الأولى التي تُنشر فيها تفاصيل كثيرة عن هذه الوسائل الجديدة، ومنها، حجب تصاريح التصوير، وإعداد لائحة بالموضوعات المحظور تناولها في المسلسلات يتعين على القائمين على العمل الموافقة عليها. كما أنشأت الحكومة مجموعتين في تطبيق "واتساب" لتوجيه تعليمات بما تنشره وسائل الإعلام الإخبارية، وعينت رقباء في القنوات التلفزيونية للإشراف على ما يذاع.

وازداد تغلغل الحكومة أيضاً في صناعة الترفيه نفسها. فمنذ العام 2017 اشترت شركة جديدة اسمها "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" منافذ إخبارية وشركات للإنتاج التلفزيوني وقنوات تلفزيونية، لا يقل عددها حتى الآن عن 14، ما أتاح لها سيطرة لا مثيل لها على مواقيت بث الأعمال التلفزيونية. وعملت "الشركة المتحدة" بكل همة ونشاط على تنفيذ قواعد الرقابة الحكومية.

وقالت أكثر من عشرة مصادر في صناعة التلفزيون وفي الحكومة لـ"رويترز" أن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أسستها الدولة. وتوصلت "رويترز" إلى أن لاثنين من أعضاء مجلس إدارتها الأربعة، صلات بجهاز المخابرات العامة المصري، كما كان مدير المخابرات يرأس في السابق إحدى الوحدات التابعة للشركة. ويقول ممثلون ممن ينتقدون الحكومة المصرية أنهم يخشون القبض عليهم. ويقول العاملون في إنتاج المسلسلات أن أعمالهم الفنية أصبحت باهتة مثل المسلسلات المبتذلة التافهة. وأصبح العزل أو التهميش مصير مضيفي البرامج الحوارية التلفزيونية الذين لا يتبعون النهج الحكومي.

وقال أحد المنتجين أن السلطات منعته من العمل في التلفزيون أو في السينما من دون أن تذكر له السبب، فيما قال المخرج السينمائي خالد يوسف عضو مجلس النواب المصري أن الحكومة "بدأت تتدخل في المحتوى الدرامي نفسه" ودفعت شركات الإنتاج الخاصة إلى التوقف عن العمل لفرض سيطرتها. أضاف يوسف، وهو من منتقدي السيسي ويعيش في باريس حالياً في منفى اختياري: "هما مش عايزين حد يفكر".

ويأتي إحكام السيسي السيطرة على قطاعي الترفيه والإعلام في وقت تخوض فيه حكومته معارك مع متطرفين إسلاميين شنوا هجمات دامية على السياحة وعلى كنائس وفي شوارع القاهرة. وتعد سيطرة الرئيس على الإعلام سمة أساسية لدى العديد من الحكومات الشمولية من الصين إلى روسيا. ورغم ذلك فإن للتضييق الإعلامي في القاهرة أهميته بفعل تداعياته خارج البلاد. فمصر بسكانها المئة مليون ليست أكثر دول العالم العربي سكاناً فحسب، بل إنها موطن أكبر صناعة للسينما في المنطقة بفارق كبير.

ويقول معدو المسلسلات والبرامج أن الرقابة أشد إزعاجا ًمما كانت في عهد حكم حسني مبارك الشمولي. ففي السنوات العشر الأخيرة من حكمه أذيعت أعمال تناولت انتهاكات الشرطة والمثلية الجنسية. وأكد منتجون أن الرقباء في عهد مبارك كانوا يصدرون موافقتهم على المسلسل بعد استعراض بضع حلقات فحسب، إلا أنهم يصرون في ظل حكم السيسي على مشاهدة المسلسل بالكامل سواء كان من 30 حلقة أو أكثر.

في السياق، قال رئيس تحرير إحدى الصحف الكبرى، أن الناشرين في عهد مبارك لم يواجهوا ترهيباً إلا إذا تناولت المقالات ضباط المخابرات أو الجيش. وأضاف أن لمدير المخابرات العامة، عباس كامل وضباطه، سيطرة محكمة ومباشرة على ما تنشره وسائل الإعلام. وأوضح أن الأمر وصل إلى حد أن أطلق الصحافيون عليه وصف "رئيس تحرير مصر". علماً أن "رويترز" لم تتلق رداً من الحكومة المصرية وجهاز المخابرات والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على أسئلة تفصيلية تتعلق بهذا التقرير. كما أنها لم تتلق رداً على مكالماتها لـ"الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية".

والحال أن رئاسة السيسي بدأت بموجة من حسن النية العام 2014 بعدما قاد الجيش في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين الذي تولى الرئاسة في انتخابات ديموقراطية لكن شعبيته تراجعت بشدة حتى سقوطه. وتحرك الجيش لعزل مرسي إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه. وحث السيسي وسائل الإعلام على دعم حكومته. وأعلن عن خطط لحفر قناة جديدة بقناة السويس في مشروع قومي ضخم، وقال مخاطباً وسائل الإعلام: "مهم أوي تساعدونا في معركتنا" لتوحيد مصر. وقال: "إحنا في معركة كبيرة جداً".

وفي كلمة لتكريم رجال الشرطة قال السيسي موجهاً حديثه للعاملين في إنتاج الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية: "عايزين ندي (نعطي) الناس أمل في بكرة ونحسّن في قيمنا وأخلاقنا". وبحلول العام 2016 كانت علاقة السيسي بوسائل الإعلام تتدهور. وفي نيسان/أبريل من ذلك العام سلم الرئيس جزيرتين في موقع استراتيجي بالبحر الأحمر للسعودية، الأمر الذي أدى إلى احتجاجات. وعندما شاركت بعض الصحف في موجة الاحتجاج داهمت قوات الأمن مقر نقابة الصحافيين بالقاهرة. وتم اعتقال اثنين من الصحافيين المنتقدين للحكومة ووجهت لهما تهمة نشر أخبار كاذبة.

وكانت تلك بداية حملة تضييق أوسع نطاقاً، حيث أسس السيسي العام 2017 المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للإشراف على كل المنافذ الإخبارية والترفيهية. وتم تكليف لجنة الدراما بالمجلس بمراقبة جميع المسلسلات المعروضة في التلفزيون المصري. واختار السيسي بنفسه رئيس المجلس. وأبدت اللجنة اهتماماً كبيراً بالقضايا الأخلاقية. وفي تقرير صدر هذا العام انتقدت اللجنة بعض المسلسلات التلفزيونية لتصويرها شخصيات تدخن أو تنطق بألفاظ نابية وفيها: "إساءة للغة العربية" لاستخدام كلمات انجليزية.

وخلال أسبوع واحد في شهر رمضان الماضي، الذي تتجمع فيه الأسر المصرية حول أجهزة التلفزيون في المساء لمشاهدة مسلسلاتها المفضلة، سجلت اللجنة 948 مخالفة لميثاقها. وكان من نصيب مسلسل واحد هو "مملكة الغجر" 105 مخالفات بسبب استخدام ألفاظ نابية والعنف والتلميحات الجنسية والإساءة للغة العربية. ولم تستطع "رويترز" التحقق مما إذا كان المسلسل أو القائمون عليه قد نالهم أي عقوبات.

والحال أن وسائل الإعلام الإخبارية تتعرض لتدقيق أكبر. فتم حجب مئات من المواقع الإخبارية والمدونات في السنوات الأخيرة كما يتيح قانون جديد لصناعة الإعلام الذي صدر العام 2018 لسلطات الدولة حجب حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي ومعاقبة الصحافيين على نشر ما تراه السلطات أخباراً كاذبة.

وأنشأت الأجهزة الأمنية مجموعتين عبر تطبيق "واتساب" لنقل التعليمات إلى المؤسسات الإخبارية عن كيفية تغطية الأحداث. وراجعت "رويترز" رسائل على المجموعتين. وتسمى إحداهما "رؤساء التحرير" ويديرها جهاز المخابرات العامة. أما المجموعة الثانية فتديرها وزارة الداخلية. ولم ترد وزارة الداخلية أو جهاز المخابرات على طلب للتعليق بشأن المجموعتين.

وعندما سقط 20 قتيلاً في تفجير خارج مستشفى للأورام بالقاهرة في نيسان/أبريل الماضي كتب مسؤول بالمخابرات يقول: "مش عاوز توسيع تغطية حادث مركز السرطان ... تغطية محدودة". والتزمت وسائل الإعلام المصرية بذلك فجاءت تغطيتها محدودة. وفي أيار/مايو الماضي أدى انفجار قرب المتحف المصري الجديد بالقاهرة الكبرى إلى إصابة ما لا يقل عن 12 سائحاً من جنوب أفريقيا. وكانت التعليمات على واتساب: "رجاء انتظار بيان وزارة الداخلية. لا تضيفوا إليه أي شيء". وراجعت رويترز ما نشرته أربعة منافذ إعلامية فكانت تقاريرها متطابقة تقريباً.

وتدفقت الأوامر على "واتساب" أيضاً في أيلول/سبتمبر عندما دعا ممثل سابق في سلسلة من مقاطع الفيديو عبر "يوتيوب" إلى خروج الناس للشوارع للاحتجاج على حكم السيسي. فقد اتهم الممثل السابق محمد علي، الذي يعيش في أسبانيا، السيسي والجيش المصري بالفساد. ونفى السيسي صحة اتهاماته ووصفها بأنها "كذب وافتراء". وجاء في رسالة عبر "واتساب": "رجاء عدم نشر أي تقارير إخبارية عن محمد علي". وطاعة للأمر، لم تنشر وسائل الإعلام التي راجعتها "رويترز" أي تغطية لمقاطع محمد علي المصورة التي انتشرت بسرعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن ذكرها السيسي بنفسه في خطاب بعد ذلك بأسبوعين. وعندما اتصلت "رويترز" بعلي امتنع عن التعليق.

ويرى العاملون بقناة "دي.إم.سي" التلفزيونية التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أن الدولة تتدخل في كل شيء. وقال أحد العاملين الحاليين وأحد العاملين السابقين فيها، أن رؤساء التحرير يحتاجون ضوءاً أخضر من ضباط مخابرات يرتدون ملابس مدنية يتواجدون على الدوام في استوديوهات القناة، قبل إذاعة أي برامج إخبارية أو رياضية أو ترفيهية.

وقال الموظف السابق في القناة أن الشبكة "يديرها ضباط المخابرات" فعلياً، حيث يحضرون كل الاجتماعات التنفيذية. وتمت بعض التعيينات في مناصب كبرى بالقناة بقرارات من عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة وهو أيضاً الذي حدد مرتبات من شغلوا تلك المناصب. فيما قال منتج مازال يعمل في القناة أن ضابط المخابرات يجلس في بعض الأحيان في غرفة التحكم لمعرفة ما يدور في القناة.

ولم تستطع "رويترز" الاتصال بإدارة الشركة للتعليق، كما لم تتلق رداً من كامل على الطلبات التي وجهتها للسلطات المصرية. فيما قال الناشط المؤيد للديموقراطية هشام قاسم المالك السابق لإحدى الصحف: "الضرر الذي لحق بالإعلام المصري لا يُصدق. هو ببساطة أسوأ كارثة إعلامية في تاريخ مصر. فلا يهمهم الجودة. وإذا اختلفت معهم في الرأي فإنهم يطردونك".

ومن الأدوات الرئيسية في إحكام قبضة الدولة على صناعة الترفيه في مصر المجموعة المسماة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية". تأسست تلك الشركة في 2017 واشترت ما لا يقل عن ست صحف ومواقع إخبارية في الإنترنت وأربع شبكات تلفزيونية تدير 14 قناة وأربع محطات إذاعية وعدداً من المسارح ودور السينما. وقال ثمانية أشخاص يعملون في صناعة الإعلام كانت لهم تعاملات مع "الشركة المتحدة" أن الدولة هي التي أنشأتها.

ومع توسع الشركة أصبحت تهيمن على مواعيد إذاعة البرامج التلفزيونية وتحدد الأعمال التي تخرج منها للنور. وتطبق الشركة قواعد الرقابة الحكومية بحذافيرها. وراجعت "رويترز" وثائق موجهة من "الشركة المتحدة" إلى السلطات منذ تسجيلها. ولم تكشف تلك الوثائق عن مالكي الشركة، لكن أسماء أعضاء مجلس إدارتها الأربعة وردت فيها.

وقال مصدران في المخابرات لـ"رويترز" أن اثنين من أعضاء مجلس الإدارة لهما صلات بجهاز المخابرات. وكان أحدهما، واسمه ياسر أحمد صابر أحمد سليم، يعمل من قبل ضابطاً في المخابرات. وأظهرت وثيقة أخرى أن كامل مدير جهاز المخابرات نفسه كان من أعضاء مجلس إدارة شركة تلفزيونية اسمها "دي-ميديا" أصبحت الآن جزءاً من "الشركة المتحدة". ولم يرد سليم وكامل على طلب التعليق الذي وجهته "رويترز" إلى السلطات المصرية.

وبالنسبة لصناع المسلسلات، من أمثال جمال العدل، زادت صعوبة إنتاج الأعمال الدرامية وبيعها بفعل هيمنة "الشركة المتحدة" كمشتر للأعمال وبسبب ظهور هيئة تنظيمية جديدة متشددة. وفي العام الماضي انتظر العدل من دون جدوى صدور تصاريح التصوير المعتادة. وأوضح أنه قرر لضيق الوقت البدء في العمل على مسلسلين مفترضاً أن التصاريح ستصل قريباً، وأنه لن يواجه أي مشاكل إذا تجنب السيناريو في العملين موضوعات الجنس والسياسة المحرمة.

وقال العدل: "كنت هابيع هنا أو بره. وحتى لو هما ما اشتروش مني كنت هابيع بره". إلا أنه بعد تصوير ثلاث حلقات، داهمت الشرطة موقع التصوير التابع لشركة إنتاج منافسة. وقال ثلاثة من أفراد طاقم العمل في المسلسل الذي تمت مداهمة موقع تصويره ومصدر أمني، أن اثنتين من سيارات الشرطة توقفتا في الموقع وطلب الضباط من طاقم العمل التوقف عن التصوير لأنه ليس لديه ترخيص بذلك. وامتثل طاقم العمل للأمر. وقرر العدل أيضاً التوقف عن التصوير تحاشياً للمشاكل.

ويقول العدل وبعض القائمين على أعمال أخرى، أنهم أيدوا تدخل الدولة في البداية في سوق التلفزيون لأسباب اقتصادية. فقد كان العديد من القنوات التلفزيونية المصرية لا يحقق ربحاً لأسباب، منها أنها كانت تحاول التفوق على بعضها البعض برفع أسعار الأعمال الدرامية. وكانت كلفة الأعمال التي ينتجها جمال العدل وغيره من المنتجين تتزايد كما كانت أجور الممثلين تتضخم.

وقال العدل أنه كان من بين المطالبين بتنظيم الأسعار. وفرض تدخل الدولة قيداً على الأجور لكن التدخل تجاوز مسألة الأسعار بمراحل. وأضاف أن السلطات الآن هي التي تحدد من يعمل في الإنتاج الفني ومن لا يعمل. لكنه يأمل أن يكون العام 2020 أفضل من سابقه. وقد حصل على موافقة على تصوير المسلسلين بشرط الالتزام بالعمل من دون تجاوز القيود الجديدة على الميزانية وفي إطار النظام الجديد.

وقال العدل: "اللي اتغير إننا اكتشفنا انهم كانوا بيعملوا إطار أو سياسة أو فريم للناس تخش جواه". فيما قال مخرج آخر للأعمال السينمائية والتلفزيونية طلب عدم نشر اسمه، أنه يعتقد أيضاً أن السيسي يحاول "السيطرة على الخطاب العام"، مضيفاً أنه اضطر لتوقيع وثيقة يتعهد فيها بعدم إدراج أي مشاهد في أعماله تنطوي على إساءة للشرطة. وقيل له أنه إذا كان يصور مشهداً فيه تبادل لإطلاق النار فيجب ألا يموت ضباط الشرطة فيه لأن ذلك سيؤثر سلباً في معنويات رجال الشرطة. وامتثل المخرج للأمر.

وأضاف المخرج أن مساعي الرئيس قد تأتي بنتائج عكسية. حيث يتجه المشاهدون على نحو متزايد إلى قنوات يديرها مصريون خارج البلاد، تعرض وجهات نظر أخرى، بقدر أقل من الرقابة مثل قناة "مكملين" التي تبث إرسالها من تركيا، وقناة "الشرق" التي تتخذ من تركيا مقراً لها.

وفي شهر رمضان من كل عام تتجمع ملايين الأسر المصرية في المساء أمام أجهزة التلفزيون لمشاهدة المسلسلات التي تفضلها. إلا أن الأمر اختلف في العام الحالي. فقد عقد مسؤولون من الحكومة اجتماعاً مع مجموعة من الكتاب والمخرجين الموثوق فيهم، حسبما قاله مصدران تم إطلاعهما على ما دار في الاجتماع من حوار. وحدد المسؤولون الحكوميون الموضوعات والأفكار التي يريدون عرضها في المسلسلات التلفزيونية والموضوعات التي لا يريدون تناولها.

وقال المسؤولون للكتاب والمخرجين أن الأعمال الدرامية يجب ألا يظهر فيها ضباط الشرطة وأفرادها بمظهر سيئ كأن يكون أحدهم خائناً لزوجته على سبيل المثال. ويشكو مصريون كثيرون من أن السيسي يحرمهم حتى من حقهم في الاستمتاع. فقبل تولي السيسي السلطة كان بإمكان المشاهدين في رمضان الاختيار من بين 40 مسلسلاً أو أكثر تتناول القضايا الاجتماعية والعلاقات الأسرية والألغاز وعالم الجريمة. وكانت تلك المسلسلات جزءاً عزيزاً من شهر الصوم.

غير أن شهر رمضان الذي حل هذا العام في شهر أيار/مايو شهد عرض 25 مسلسلاً فقط، 15 منها أنتجتها شركة "سينرجي" التابعة لـ"الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية". وفي العديد من هذه المسلسلات ظهر ضباط الشرطة في صورة أبطال يحاربون "قوى الشر"، وهو مصطلح يستخدمه السيسي لوصف الشخصيات المعارضة والمتطرفين الإسلاميين.

ويروي أحد هذه المسلسلات، وهو مسلسل "كلبش"، قصة ضابط شرطة بالقوات الخاصة يحارب الإرهاب والفساد. وقال الممثل المصري عمرو واكد، الذي سبق أن حصل على جوائز، أن أعمالاً كهذه تؤكد مدى اضمحلال صناعة الترفيه في مصر. ووصل واكد إلى العالمية عندما ظهر العام 2005 في فيلم "سيريانا" مع الممثل العالمي جورج كلوني وهو من أفلام الإثارة والتشويق.

وقال واكد: "كأن المسلسلات كتبها ضابط شرطة"، علماً أن آخر مسلسل مصري أدى فيه واكد دورا، يعود للعام 2017 وهو يعيش الآن في منفى اختياري في أسبانيا. وفي العام 2018 حكمت عليه محكمة عسكرية غيابياً بالسجن ثماني سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة والإساءة لمؤسسات الدولة. علماً أنه نادراً ما تنشر المحاكم العسكرية تفاصيل القضايا التي تنظرها.

ويعتقد واكد أنه أصبح مستهدفاً بسبب تغريداته المؤيدة للديموقراطية. ولم ترد الحكومة المصرية على طلب للتعليق على قضية واكد الذي قال: "في حياتي كلها ما شفتش مصر أسوأ من كده".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها