السبت 2019/11/30

آخر تحديث: 19:19 (بيروت)

إسرائيل تواجه فنانات لبنانيات: نتنياهو يتلذذ بـ"معاداة اليهود"!

السبت 2019/11/30
إسرائيل تواجه فنانات لبنانيات: نتنياهو يتلذذ بـ"معاداة اليهود"!
جندلمان جر فنانة عربية لمربع الرد والرد المضاد، وهذه "خطوة معنوية متقدمة" بالمنظور الاسرائيلي
increase حجم الخط decrease
"‏دعم كارول سماحة وماجدة الرومي لخرافات عنصرية معادية للسامية مقرف، موقفهما الشنيع يسلط الضوء على العنصرية التي تسود في العالم العربي".. 
هذه الجملة التي غردها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في "تويتر". حاول الأخير من خلالها أن يظهر نفسه أيضاً "بطل الرد" على "مروّجي بروتوكولات حكماء صهيون"، خصوصاً إذا كانوا مغنّين عرباً مشهورين.

 تصدّر مكتب نتنياهو الرد الإسرائيلي عبر الصفحات الرسمية على السوشال ميديا، فاشتبك المتحدث باسم مكتبه اوفير جندلمان مع المغنية اللبنانية كارول سماحة على تويتر؛ إذ اتهم الأخيرة ومعها ماجدة الرومي من خلال سلسلة تغريدات بـ"العنصرية والفاشية بامتياز من فنانتين كبيرتين، بدلاً من أن تكونا مثالا للتسامح ونبذ العنصرية"، على حد تعبيره.

إلا أن سماحة ردت عليه بتغريدة قائلة: "الناطق الرسمي للمدعو نتنياهو يعطينا دروساً بالإنسانية والأخلاق!!.. ماذا عن عنصريتكم وتفرقتكم بين يهود الغرب والشرق او ضد يهود افريقيا؟".

اما افيخاي ادرعي، فحاول في هجومه على المغنيتين الرومي وسماحة أن يحافظ على تقدير ما لمكانتهما الفنية ضمن أسلوبه الدعائي لإستمالة معجبيهما، عبر منشوره: "مداخلة السيدة الكبيرة ماجدة الرومي ومشاركة الفنانة القديرة كارول سماحة لها ما هي إلا انعكاس للفكر القائم على (غسل الدماغ) كما يقال في المثل اللبناني.. فالحقيقة يا أيتها الكبيرتين - في القيمة طبعًا - أنه ما يسمى ببروتوكولات بني صهيون هي عبارة عن مخطوطات مزورة في روسيا بهدف التحريض ضد الشعب اليهودي وهي من أركان العقيدة النازية العنصرية".

وجاء الاستنفار الإعلامي الإسرائيلي، بعد نشر سماحة على حسابها في "تويتر" مقطع فيديو تتحدث فيه المغنية اللبنانية ماجدة الرومي، عن "البروتوكولات" التي نشرت لأول مرة في الامبراطورية الروسية عام 1903 وأعطت زخما قويا لنظريات المؤامرة التي تتمحور حول الخطط الصهيونية للسيطرة على العالم، وتعتبر إسرائيل ومعها بعض المؤرخين أنها "مزيفة".

 ودخلت صفحة "اسرائيل تتكلم بالعربية" على خط الرد والإستغلال لـ"موقعة فيديو الرومي وتغريدة سماحة"، فزعمت أن "(برتوكولات حكماء صهيون) - من أشهر عمليات التزييف والتلفيق الأدبية التي عرفها التاريخ والاستخفاف بالعقول".

وأضافت هذه الصفحة الفايسبوكية التي تمثل خارجية إسرائيل وموجهة للعالم العربي، أنه "تم صياغة هذا المؤلَّف على شكل مجموعة من بروتوكولات لجلسات سرية مزعومة عقدها قادة يهود العالم (حكماء صهيون) لبحث مخطط لهم للسيطرة على العالم".

 وقالت إن "هذه البروتوكولات تهدف في الأصل إلى التحريض ضد اليهود في إمبراطورية روسيا القيصرية. ثم انتشرت البروتوكولات في العالم خلال القرن العشرين مثل النار في الهشيم، وتحولت إلى أداة دعاية أساسية مؤدلجة للقضاء على اليهود. ثم أضفت نوعاً من الشرعية على محاولة كبار القادة النازيين مثل أدولف هتلر لإبادة اليهود"، على حد قولها.

 وكي تقنع العرب بعدم صدقية البروتوكولات ومنافاتها للحقيقة، استشهدت "إسرائيل تتكلم بالعربية" بقلة مما أسمتهم بـ"المفكرين العرب" الذين يقومون من حين لآخر بنشر مقالات تتحدث عن "زيف" البروتوكولات.. ومن بين هؤلاء، المفتي المصري د.علي جمعة الذي نشر مقالا في صحيفة "الأهرام" المصرية ذات مرة أكد فيه أن "بروتوكولات حكماء صهيون" هي "كتاب خرافي لا أساس له من الصحة". وأنكر المفتي في المقال انكاراً تاماً أنه كتب المقدمة لطبعة كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" التي تحمل اسمه وتبرأ من كتابتها.

إذاً لخصت عبارات "معاداة السامية، كراهية لليهود، تزييف للحقيقة، خرافات عنصرية" مكنونات دعاية إسرائيل المضادة والتي انقضت بها على الرومي وسماحة، وأي شخص يعيد فتح "بروتوكولات حكام صهيون".

ولكن، ما دام الجدال التاريخي حيال هذه البروتوكولات قديم وليس جديدا، فلماذا الاستنفار الاسرائيلي الرسمي على ما قالته ماجدة الرومي وما غردت به كارول سماحة الآن؟
والحال، إن السبب يتعلق ببعدين رئيسيين؛ الأول أن الحديث عن البروتوكولات صدر عن فنانتين لهما جمهورهما، بغض النظر عن جنسيتهما. فلعبت الرومي وسماحة دور "قائد الرأي"؛ ما يعني حشداً أكبر لقاعدتهما الجماهيرية ضد إسرائيل في وقت تبذل الأخيرة جهدا كبيرا لتحقيق "التطبيع الشعبي".

وأما السبب الثاني، فيكمن في سعي نتنياهو الدائم بكل قوته لإستغلال أي موقف أو تصريح أو قلم عربي يصنفه في إطار "اللاسامية". وهو تنميط احتكرته الدولة العبرية لمحاولة وسم كل الذين يقفون في وجه سياسات الاحتلال الاسرائيلي كـ"معادين لليهود".. على الرغم أن مصطلح "اللاسامية" يشمل كل العرب بجميع دياناتهم وايدولوجياتهم أيضا وليس فقط اليهود؛ فاليهودية والعربية ذات جذر واحد "سامي"، بدليل التشابه بين اللغتين.

المفارقة، أن نتنياهو لم يجد غضاضة في إقامة علاقات مع شخصيات اوروبية ينطبق عليها التوصيف الإسرائيلي "لا سامية" أو "نازيون جدد".. لكنه يسارع في الوقت ذاته لاستغلال اي تصريح أو تصرف رافض لاسرائيل ومشكك بها، صدر من شخصية عربية شهيرة ومعروفة في المحفل السياسي أو الاجتماعي وحتى الفني والغنائي.

فنتنياهو يتلذذ بالبحث عن أي شيء يوظفه ضمن "مظاهر سلبية ضد اليهود".. ولهذا يجب الا يُعطى سلاح يبقيه في الحكم، من خلال إطلاق تصريحات أو فيديوهات تحقق له هذه الغاية.

والحال، أن مختصين بالشأن الإسرائيلي قد انتقدوا في حديثهم لـ"المدن" وقوع المغنيتين اللبنانيتين ماجدة الرومي وكارول سماحة في فخ جدليات تاريخية وسياسية فيما يتعلق بـ"بروتوكولات حكماء صهيون".. فبغض النظر عن صدقية هذه البروتوكولات من عدمها، فإنه الأجدر منهما وأي عربي آخر، التركيز على سياسات اسرائيل الاحتلالية وممارساتها، والا يقعوا في "مطب" خاضع للنقاش والتأويلات العلمية والبحثية.

ناهيك عن أنه ليس من وظيفة ماجدة الرومي وكارول سماحة كفنانتين، الدخول في جدل من هذا النوع، فمهمة المحاججة التاريخية يتولاها أكاديميون وباحثون ومختصون عرب.

مسألة لافتة أيضاً تُسَجَّل على الفنانة سماحة، أنها وقعت في محظور الحوار عبر "تويتر" مع جندلمان، ولو اتخذ شكل المشادة والإتهامات الحادة.. فوجد جندلمان ومن خلفه إسرائيل ضالّتهم في جر فنانة عربية لمربع الرد والرد المضاد، وهذه "خطوة معنوية متقدمة" بالمنظور الإسرائيلي وستكون لها تراكماتها من خلال البناء عليها. وإلا ما الجدوى من دخول سماحة بمشادة عبر تويتر مع جندلمان!

ناهيك عن أن إسرائيل انتهزت الفرصة كي تظهر نفسها ولو إعلامياً في موقف "الدفاع" لا "الهجوم".

الواقع، أن ما تحدثت به ماجدة الرومي خلال فيديو مر عليه سنتان وأكثر، ثم أعادت كارول سماحة نشره قبل يومين بالتزامن مع الثورة الشعبية المستمرة ضد منظومة الحكم في لبنان ، يبدو أن ذلك موجه للداخل والشعوب العربية أكثر من كونه موجهاً الى إسرائيل عبر القول إن "هذه الثورات تحقق مبتغى إسرائيل لتفتيت الدول العربية وتقسيمها".

لكن هذه المقولة تحتوي على مخاطر "التنميط"؛ ذلك أنّ المروجين لها، سيظهرون بصورة مَن يتخذ من اسرائيل "شمّاعة" للتقليل من شأن الانتفاضات ضد منظومة الحكم في بلادنا، بينما تعزز "مقولة التنميط" نفسها عملية استثمار تل أبيب وجود أنظمة فاسدة وقمعية لاهدار طاقات الشباب العربي وإحباطِه.. فشباب ثائر ضد حكم فاسد في بلد عربي ما، حتما يعني تعزيز قدرته على الوقوف في وجه اسرائيل. 

ولهذا، تشعر تل أبيب بالريبة والقلق الكبيرين من إحياء وعي الثورة لدى الشباب العربي، بغض النظر إن كان نظام الحكم المطالب بالرحيل، معاديا لإسرائيل أو محابيا لها.. فتقوم بمراقبة بحثية معمقة للحالة الثورية اللبنانية ومآلاتها، تماما كما فعلت بالنسبة لثورات شعبية عربية في السنوات الأخيرة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها