الإثنين 2019/10/21

آخر تحديث: 14:47 (بيروت)

الثائرات اللبنانيات في عيون عربية: "مُزز"

الإثنين 2019/10/21
الثائرات اللبنانيات في عيون عربية: "مُزز"
ينطقون بخطابٍ يسطّح تجربة المرأة اللبنانية ونضالها (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
"دي مظاهرات ولا فسحة؟، "دي ثورة ولا عورة؟"، "دي مظاهرة ولا مصيف؟" 
هي بعض من التساؤلات التهكمية التي طرحها مواطنون مصريون متابعون لتطورات الشارع اللبناني. هذه النبرة الهازئة ليست حكراً على الشعب المصري فحسب، بل يشاركه بها رواد السوشال ميديا من بلدان عربية أخرى. 

لكن في مقابل هذه "التريقة"، بحسب التعبير المصري، تشيد أصوات عربية كثيرة بالإنتفاضة التي باغتت لبنان. فالسوداني الذي لم يكد ينتهي من ثورته، يشدّ على يد اللبناني مشجعاً إياه، فيما يعبّر التونسي والجزائري والليبي عن تضامنه مع الشعب البناني، ويهنّئه المصري على إنتفاضته آملاً أن تنتقل العدوى إلى مصر. أما السوري والفلسطيني فهما قد إنضمّا إليه في الساحات.

فلنعترف، أوّلاً، بأن المجتمع اللبناني لديه نزعة مفرطة إلى إعطاء تحركاته الإحتجاجية طابعاً كرنافالياً قد يشذّ، أحياناً، عن صورة الثورة الدموية في مخيلة المواطن العربي. فالمصري قد شاهد عبور الدبابات العسكرية على أجساد رفاقه المتظاهرين، والفلسطيني يتعرّض لرشق نيران وإعتقالات تعسفية في كلّ مرّة يتظاهر فيها ضدّ سلطة الإحتلال، والعراقي الذي يقتَل حالياً في ساحات الإحتجاج. هؤلاء قد تبرّر لهم، إلى جدّ ما، نظرتهم المستخفة وغير المؤمنة بصدقية هذا الحراك الثوري.

ففى صفحات التواصل الإجتماعي، يتبادل الكثير من المعلّقين العرب غمزات وإبتسامات ساخرة، أسفل صور أو مقاطع فيديو للتظاهرات في لبنان، بما فيها من مشاهد قد تعدّ طريفة؛ الرجال الذي يدخنون النرجيلة، أو المتظاهر الجالس في حوض سباحة بلاستيكي، أو العروسين اللذين أحيا عرسهما وسط الجماهير المحتجة. على هذه المشاهد، يعلّق بعض العرب ممازحين "الثورة عندهم تشبه العيد عندنا"، فيما يطالب آخرون بقبولهم لاجئين في لبنان، بينما يذهب البعض إلى إزدراء هذه المظاهر الإحتجاجية بوصفها "رقص وهيص، مش ثورة"، وعلى إعتبار أن سمات التقشف والشقاء ليست باينة على الشعب الذي يحيي ثوراته رقصاً، ولا يتنازل عن إهتمامه بالموضة حتى خلال ثورة التقشف. حتى أن البعض حسدهم على "رواقهم" وسط الأزمة.

وإلى جانب مظاهر "الرقص والفقش"، نالت أشكال المتظاهرين حصتها من سخرية المستخدمين العرب. ولا داعي للدخول في حديث عن الصورة المبتذلة للمرأة والرجل اللبنانيين في مخيلة الكثر- "المرأة الفلتانة" و"الرجل ناقص الرجولة"- والتي كانت حاضرة ضمن السرديات العربية بشأن حراك لبنان. فقد مازح مواطن مصري، في إشارةٍ إلى تأنّق بعض المتظاهرين والمتظاهرات، فائلاً: "هم شكلهم كدا وهم زعلانين.. أمال ليه إحنا شكلنا كده؟" وتحدّث آخرون عن "مزز لبنان"، وأمل البعض لبلدانه ثورة مماثلة "لكن أكثر رجولة".

من جهةٍ أخرى، يرفض الكثيرون هذا الخطاب المنمّط، معتبرين مطالب الشعب اللبنانية محقّة وإنتفاضته صادقة. فقد أثنى عرب من مختلف الجنسيات على محاولات المتظاهرين دخول القصر الرئاسي، مؤكدين أنه ما يستحقّه كافّة زعماء العرب. كما أبدى عدد منهم كمّاً من التقدير للمرأة اللبنانية الحاضرة بكثافة في ساحات الإحتجاج، وهو حضور قد وثّقته صورة الركلة الشهيرة التي سدّدتها إحدى المتظاهرات تجاه رجلٍ يحمل رشاشاً. 

يشهر داعمي الحراك هذه الصورة الواقعية في وجه الذين ينطقون بخطابٍ يسطّح تجربة المرأة اللبنانية ونضالها ويعلنون تصوّرهم عنها من إفتراضات بعيدة عن الصحة، مركّزين على الساقين العاريتين لإحدى المتظاهرات أو على وشم على صدر متظاهرة أخرى، فيما يشيحون النظر عن الجانب الآخر من الصورة؛ صورة المرأة التي تقود الإحتجاجات، التي يصدح صوتها في الشوارع، تلك التي تواجه القوى الأمنية بكل عتادها، والتي تركل رجال الميلشيا بلا خوف. 

أما في الجانب السياسي، فقد ظهرت مقاربات عديدة لدى الشعوب العربية تجاه ما يحصل في لبنان. وقد أبدى معظم المواطنين العرب تماهياً مع معاناة اللبنانيين ومطلبهم بعيش حياة كريمة، على إعتبار أن المصيبة تجمع الشعوب العربية كافة. فيما تخوّف آخرون من تحوّل لبنان إلى سوريا أو مصر أخرى، داعين اللبنانيين إلى "عدم تخريب بلدهم" ومتمنين لهم إستتباب الأمن، بأي ثمن. كما إعتبر البعض أن ثورة لبنان لا تكون كاملة من دون الإنتفاض على إيران وذراعها اللبناني. وفي المقلب الآخر، طلب معلّقون عرب، ومنهم فلسطينيون، بـ"إعطائنا حسن نصرالله إن كان اللبنانيون لا يريدونه". 

واللافت كان تعاطي الإعلام المصري مع هذه الإنتفاضة، فقد كان للإعلامي عمرو أديب مداخلة طويلة يدعو فيها المصريين إلى وقف إستهزائهم بالحراك اللبناني الذي يعبّر عن وجعٍ وغضبٍ حقيقيين. وفي مونولوغ طويل عن تردّي الوضع الإقتصادي في لبنان، تكرّم أديب بمنح الشرعية لقضية اللبنانيين ومطالبهم. تأييد لا يخلو من الإستفزازية للشعب المصري الذي يتعرّض للقمع، كما إجراءات التقشف، تحت عين أديب وبمساهمةٍ منه.

رغم ذلك، لا بدّ من الإلتفات إلى التفاعل الإلكتروني للسوريين، المقيمين في لبنان وخارجه، مع إنتفاضة البلد الذي شكّل محطّة عبور لمعظمهم قبل إنتشارهم في دول الشتات.

لم يخفِ بعض السوريين المهاجرين في دول الغرب حماستهم تجاه ما يشهده لبنان، وهي حماسة تنمّ عن الإرتباط الوثيق الذي يملكه هؤلاء بلبنان وشعبه، لما عايشه الشعبان من صراعات وأزمات مشتركة، وهذا بالرغم من الخصومات السياسية. يشعر السوريون أنهم معنيون بما يحدث في لبنان، فالنظام الذي يحتجّ ضدّه هؤلاء المتظاهرون، هو نفسه النظام الذي أذلّ لاجئيه. وجبران باسيل الذي يشتمه المحتجّون- بمعدّل مرّة كل ثلاث دقائق على الأقلّ- هو نفسه صاحب عبارة "أنا لبناني عنصري". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها