الإثنين 2018/09/24

آخر تحديث: 18:43 (بيروت)

"غرايس أند فرانكي": هكذا تكون المُسنّات مضحكات.. وبطلات!

الإثنين 2018/09/24
"غرايس أند فرانكي": هكذا تكون المُسنّات مضحكات.. وبطلات!
براعة جين فوندا وليلي توملين تجعل تورط المشاهد عاطفياً مع الشخصيات أمراً سهلاً
increase حجم الخط decrease
لا تشبه سلسلة "غرايس أند فرانكي" الضاربة في شبكة "نيتفليكس" العالمية، أي شيء آخر عرض في التلفزيون، خلال السنوات الأخيرة على الأقل. وذلك ليس فقط بتركيزها على شخصيات تجاوزت السبعين من العمر كمحور لكوميديا عصرية مختلفة، بل أيضاً لنوعية القيم الإنسانية التي تتبناها ضمن عالم متقلب، طوال أربعة مواسم.


وتلاحق السلسلة حياة غرايس (جين فوندا) وفرانكي (ليلي توملين) اللتين تعانيان آثار طلاق مجحف، بعد إعلان زوجيهما أنهما في علاقة مثلية سرية منذ أكثر من عشرين عاماً، لتضطر الزوجتان المخدوعتان اللتان لا تطيقان بعضهما البعض، إلى التقارب والتعاضد، لاكتشاف صداقة جديدة توحدها المأساة المشتركة، ثم إعادة ترتيب حياتهما والانطلاق من الصفر، اجتماعياً وعاطفياً ومهنياً، بهدف ترميم عالمهما المنهار في السنوات القليلة المتبقية لهما.


وهنا، تكسر السلسلة النمط الكوميدي التقليدي، الذي يقدم الكبار في السن كشخصيات ثانوية. تولد الكوميديا من المشاكل الجسدية والجنسية الناتجة عن التقدم في العمر، وبالتحديد آلام المفاصل وصعوبة التذكر وغيرها، وتصبح تلك التفاصيل في السلسلة عاملاً واقعياً لا يضحك بقدر ما يقرب غرايس وفرانكي من بعضهما البعض كصديقتين تتشاركان منزلاً واحداً، فيما تأتي الكوميديا من عناصر بعيدة تماماً من سنهما، وبالتحديد من شخصيتيهما المتناقضتين، وتفاعلهما مع الأحداث.

وتتميز غرايس بأنها امرأة ذات إرادة حديدية تسعى إلى المثالية والكمال في كل ما تقوم به، بما في ذلك إحساسها بالفاجعة بعد الطلاق، واهتمامها الدائم بالمظاهر وإخفاء مشاعرها. بعكس فرانكي الفنانة "الهيبي" التي تعيش باستقلالية وفوضوية من دون اهتمام بآراء الآخرين من حولها. وتبرع فوندا وتوملين في أداء الشخصيتين ما يجعل تورط المشاهد عاطفياً معهما سهلاً، وتصبح المشاهدة جزءاً من طقوس الاهتمام بالسيدتين المسنتين في محنتهما الطارئة.

إيقاع المسلسل البطيء في تتالي الأحداث، نقطة إيجابية في العمل، كإشارة لكيفية مرور الزمن ببطء على الأشخاص المتقدمين في العمر، فرحلة البحث الإجبارية عن الذات، التي تخوضها غرايس وفرانكي، لا تدفعهما لمحاولة تعويض سنوات الشباب، بتهور، بل إلى إثبات أنهما تستحقان الحياة باستقلالية ونجاح، مع مراعاة سنهما والحالة النفسية والصحية لكل منهما، بشكل منطقي. ويبرز ذلك في مشروع غرايس وفرانكي المهني، بمحاولتهما إطلاق ماركة للألعاب الجنسية المخصصة للكبار في السن، بناء على تجربتهما الخاصة، والمطبات الكثيرة التي تواجههما في الحصول على تمويل بالطرق التقليدية، عبر البنوك مثلاً، بسبب النظرة لكبار السن كمستهلكين غير قادرين على العطاء.

يعود الفضل في هذه البيئة الخصبة إلى الكاتبة الشهيرة مارتا كوفمان، التي أشرفت في السابق على تطوير أعمال ناجحة أبرزها سلسلة "فريندز" الأيقونية (1994 - 2004)، مع الإشارة إلى أن "غرايس أند فرانكي" يتفوق على "فريندز" من ناحية التعدد العرقي والجنسي ومحاربتها للتمييز على أساس السن، وكلها انتقادات ما زالت سلسلة "فريندز" تتعرض لها حتى اليوم، من دون أن يعني ذلك بالضرورة تفوقاً مماثلاً في نوعية الكوميديا وكمية الإضحاك.

ولعل النقطة البارزة هنا هي علاقة سول وروبرت، زوجي غرايس وفرانكي، وكيفية تعامل المحيط الاجتماعي والعائلي مع خيانتهما، واعتبارهما ضحية أيضاً لزواجين داما أربعين عاماً، بالنظر لكونهما مثليين جنسياً اضطرا لإخفاء هويتهما طويلاً. وهكذا، تصبح النساء المتقدمات في العمر، في مرتبة أدنى من الناحية الحق في التعاطف العام، وهو ما تصرح به غرايس في أحد المشاهد التي تجمعها بروبرت بعد الطلاق: "لا يمكنني حتى أن أغضب منك بشكل علني لأنك مثلي الجنس. لو خنتني مع امرأة لكان الأمر أسهل".

ووسط كل الفوضى، تصبح حياة غرايس وفرانكي فجأة، رحلة متأخرة للبحث عن معنى جديد للحب والعائلة والانتماء، بعد انهيار العالم القديم. وهو ما تجدانه لدى بعضهما البعض، ويظهر ذلك جلياً في نهاية الموسم الرابع التي تترافق فيه الصديقتان إلى مأوى للمسنين، في انعطاف مفاجئ للأحداث. فرغم كراهية كل من غرايس وفرانكي لفكرة الحياة في سكن خاص بالمسنين، إلا أن كلاً منهما تفكر أن ذلك الحل الأفضل لمساعدة الأخرى على الحياة باستقرار، وهي تضحية لم تكن أي منهما لتفكر بها من قبل، وينتظر جمهور السلسلة كيف ستتطور الأحداث انطلاقاً من ذلك في الموسم الخامس الذي أعلنت عنه "نيتفليكس" مؤخراً.

ويجب القول أن السلسلة وجدت زخماً إضافياً إثر حركات اجتماعية غيرت العالم مثل "#مي_تو" و"تايمز أب"، بتقديم صورة غير نمطية عن النساء المتقدمات في السن، واللواتي تتم قولبتهن عموماً في الإعلام وضمن المجتمع، كأشخاص تجاوزهن قطار العمر ليصبحن عالة على العائلة والمحيط الاجتماعي.

والحال أن السلسلة تشكل نموذجاً للفرص التي بات التلفزيون يقدمها للممثلات ولتعزيز قوة النساء حول العالم. ففي حين تقوم السينما في هوليوود بتنميط الممثلات مع نظرة دونية للأدوار النسائية والأجور والمكانة، إلى حد جعل نجمة شابة مثل داكوتا جونسون (28 عاماً)، تقول في تصريحات صحافية العام 2016 أنها بعد عشر سنوات من الآن لن تجد لنفسها عملاً وفق معايير هوليوود الحالية... يقدم التلفزيون فرصاً بديلة، للممثلات المتقدمات في العمر من أجل التألق مجدداً، وهو ما حصل مع الممثلة فايولا دايفز (53 عاماً) التي همشتها هوليوود لسنوات طويلة قبل أن تتوهج في سلسلة "هاو تو غيت أواي وذ ميردر"، والممثلة واينونا رايدر (46 عاماً) التي اختفت تماماً لسنوات قبل لعبها دور البطولة في سلسلة "سترينجر ثينغس".

يصبح الأمر أكثر خصوصية ربما في حالة فوندا (80 عاماً) وتوملين (79عاماً) اللتين تقدمان أداء مبهراً يليق بتاريخهما الطويل، علماً أن فوندا كانت واحدة من أشهر ممثلات هوليوود، وحصلت على جائزتي "أوسكار" كأفضل ممثلة، في العامين 1971 و1978، وترشحت أربع مرات أخرى لم تنجح فيها في نيل الجائزة المرموقة. كما نالت عدداً من جوائز "غولدن غلوب" و"إيمي" وغيرها، ورغم اعتزالها التمثيل بين العامين 1991 و2001 خلال زواجها من إمبراطور الإعلام، تيد تيرنر، إلا أنها عادت بمجموعة من الأعمال بما في ذلك التدريبات الرياضية للنساء، واتجاهها للنشاط الاجتماعي، لتعيدها السلسلة إلى القمة مجدداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها