السبت 2018/08/25

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

Minding The Gap: تسلية مراهقين توثّق طفولة أليمة

السبت 2018/08/25
Minding The Gap: تسلية مراهقين توثّق طفولة أليمة
increase حجم الخط decrease
بدأ بينغ ليو بتصوير رفاقه أثناء ممارستهم رياضة التزلج (skateboarding) قبل 12 عاماً. لم يكن يومها سوى مراهق يهوى التزلّج وفي متناوله كاميرا، فأخذ يقلّد مشاهد الفيديو المنتشرة في "يوتيوب" حينذاك، موثقاً لحظات سقوط أصدقائه من لوح التزلّج، ولحظات نهوضهم وركوبه مجدداً. لكن ما بدأ كلقطاتٍ عشوائية لمراهقين يتسكعون مع ألواحهم "في الحارة"، تحوّل إلى فيلم وثائقي عن العنف الأسري والطفولة الأليمة. 

"Minding The Gap"، الذي يتمّ عرضه حالياً في موقع "هولو"، هو التجربة الإخراجية الأولى لبينغ ليو (24 عاماً) الذي عمل في عددٍ من الأفلام والمسلسلات كمصوّر سينمائي أو مشغّل كاميرا. وقد تمّ عرضه ضمن فعاليات مهرجان Sundance السينمائي وحاز على إحدى جوائزه. يتابع الوثائقي نمو وتطوّر ثلاث شخصيات- ليو نفسه وصديقيه كيير وزاك- خلال سنوات إنتقالهم من الطفولة إلى الرشد، مع التركيز على جانبين مشتركين في حيواتهم: التزلّج، والمشاكل الأبوية. 
يفتتح الوثائقي بلقطةٍ للمتزلجين الثلاثة وهم يحاولون صعود السلالم الخارجية لمبنىً شاهق، إلا أنهم حين ينظرون إلى الأسفل، يتملّكهم الخوف ويقرّرون التراجع عن خطتهم الكاميكازية. يقول أحدهم معلقاً: "منذ صغرك، يملي عليك المجتمع بأن تكون قوياً لكي تكون رجلاً، فيجعلونك تنسى من أنت".

منذ اللحظة الأولى، يتضح للمشاهد أن هذا الفيلم ليس إستعراضاً لشجاعة المتزلجين وقوتهم، وإنما هو بحث معمق في نواحي ضعفهم وأحياناً فشلهم. 

على سبيل المثال، يعيش كيير صراعاً بسبب فقدانه أبيه الذي كان يعامله بقسوة، ويتملّكه اليوم شعور بالذنب بسبب خصومتهما. نراه في بداية الوثائقي، طفلاً في الحادية عشرة من عمره، يصبّ جام غضبه على لوح التزلج محطماً إياه، فيما نسمع شهادة أمّه حول مشاكله مع والده. لاحقاً، نراه بعدما نضج وهو يزور قبر أبيه للمرة الأولى منذ جنازته، محاولاً ترميم ما أفسِد من طفولته ومن علاقته بأبٍ متوفى. 

في المقابل، هناك زاك الذي أصبح هو نفسه أباً، لكنه ليس متأكداً بعد إن كان راشداً تليق به تربية طفلٍ، أم أنه ما زال هو نفسه طفلاً. أما المخرج، فهو قد عانى ظلم وتعنيف زوج أمه. 

في معظم مشاهد الفيلم، يبقى ليو في الظلّ، متخفياً وراء الكاميرا وواضعاً تحت مجهرها مشاكل أصدقائه الأسرية وصراعاتهم الداخلية. تنتقل عدسته بإستمرار بين واقعين متوازيين؛ المآسي التي عاشها وأصدقائه أثناء طفولتهم، والتي يتمّ سردها خلال مقابلاتٍ معهم ومع أفراد أسرهم... وواقع تكيفهم مع هذه المآسي، عبر ركوب لوح التزلّج، والتفتيش من خلال هذه الرياضة عن أسرةٍ بديلة يجدون فيها الأمان المفقود.

غير أن ليو لا يظلّ محمياً بكاميرته طوال مدّة الوثائقي، بل يخرج ليواجه والدته التي فشلت في حمايته وحماية نفسها من زوجها. تظهر الأم باكية، معترفةً بذنبها، تحت ذريعة أنها أرادت فقط ألا تكون وحيدة. تقرّ بأنها وافقت على المشاركة في الفيلم لكي تساعد إبنها على "الشفاء"، فيتسرّع ليو في نفي أن يكون ذلك سبب صنعه للفيلم، ثم يتراجع قائلاً: "ربما أنت محقة. ربما أردت صنع هذا الفيلم لكي أستطيع أن أمضي بحياتي".

ينتقل ليو بين إعترافات أمه وإعتراف صديقه زاك الذي سبق أن عنّف صديقته الحميمة نينا.

في بداية الوثائقي، ينتظر الثنائي بلهفةٍ قدوم مولودهما. يقرّران إخلاء المنزل من كل الممارسات غير الصحية كالتدخين وتناول الكحول. كما يخرج زاك للبحث عن عمل جادّ. وبعد مجيء المولود، يصطدم الوالدان الشابان بصعوبة الواقع المعيشي وقسوة سوق العمل، فيتبادلان الأدوار: تخرج نينا للعمل ويبقى زاك في البيت للإعتناء بالطفل. إلا أن هذا الواقع لا يناسبهما هو الآخر، فيشعر زاك بأنه حبيس المنزل وتستمرّ المشاجرات بينهما حول المهام المنزلية والمادية. يقرّران في النهاية الإنفصال، فيعود زاك إلى عادة شرب الكحول للهروب من مشاكله، قبل أن يقدم على هروبٍ حقيقي إلى مدينة أخرى.

تلخّص هذه العلاقة واقع أزواج معاصرين كثر تسرعوا في بناء أسرةٍ قبل وضع أساساتٍ متينة لها. يتطور الفيلم بشكلٍ موازٍ لنمو الطفل، فيظهر الجيل الجديد وكأنه يعيد إنتاج حلقة العنف والإهمال نفسها التي وقع ضحيتها في السابق، وذلك تحت وطأة العنف الاقتصادي والفقر الذي يسمّم العلاقات الأسرية ويقود إلى مزيدٍ من الإحباط. إلا أن ليو يؤمن بإمكانية النجاة، ولا يرى في إنزلاق أصدقائه في أخطاء وآثام أهاليهم سوى فرصةً للنهوض وإعادة الكرة، بالضبط كما في لعبة التزلّج. أما كدماته الخاصة، فيظهرها ليو علناً كدليلٍ على مقاومته ومثابرته.
  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها