الأحد 2018/08/19

آخر تحديث: 16:47 (بيروت)

"Insatiable": رهاب الوزن الزائد على "نتفليكس"

الأحد 2018/08/19
"Insatiable": رهاب الوزن الزائد على "نتفليكس"
حملات التضامن المشوهة، تبتعد بشكل مقصود عن ملامسة جوهر المشاكل
increase حجم الخط decrease
المؤكد أنه لا يمكن اعتبار سلسلة "Insatiable" التي طرحت قبل أيام، أعظم ما قدمته شبكة "نتفليكس" العالمية من أعمال أصلية. فالعمل نفسه مكرر ولا يضحك كثيراً، لكن اتهام السلسلة على نطاق واسع بأنها مهينة وسامّة لتداولها موضوعاً جدلياً مثل البدانة، وتحديداً لدى المراهقات، إلى درجة نشر عريضة قبل بث المسلسل أصلاً للمطالبة بإلغائه، يبدو متطرفاً إلى حد ما.


المسلسل الذي تلعب بطولته نجمة "ديزني" ديبي ريان في دور باتي، المراهقة البدينة التي تفقد الكثير من الوزن نتيجة أحداث عديدة، يركز حول علاقة فتاة مراهقة بجسدها، وكيف تجعل عالمها كله مرتبطاً بصورة ذلك الجسد، حتى بعد تحولها إلى فتاة نحيلة ومثيرة. لكن سنوات طويلة من التنمر المجتمعي يجعل من باتي راغبة في الانتقام بإظهار نجاحها في مسابقة للجميلات.

لا يقول العمل أن الجمال يوازي الرشاقة أو أن البدانة تعني القبح، بل كل تلك الأفكار هي في رأس بطلته فقط، التي تبحث عن هويتها الضائعة، كأي مراهقة. والمشكلة الأكبر أن تلك البطلة غير مثيرة للاهتمام وسطحية، وتربط النجاح بالجمال وبالتالي بمفهوم الوزن. ومن هنا تأتي الانتقادات للعمل لكونه يتحدث عن شخصية تافهة لا تستحق إلقاء الضوء عليها، ليس لأنها فقدت الوزن وتخلت عن بدانته "لأسباب غير صحية"، بل لأنها لا تحمل مفاهيم اجتماعية "نبيلة". وقد يكون ذلك مهيناً بشكل أو بآخر لملايين الأشخاص من التافهين حول الكوكب. وتصبح المشكلة هنا معقدة أكثر، لأن من يقوم بانتقاد العمل لكونه مهيناً، يتصرف بشكل مهين أيضاً، خصوصاً أن "الإهانات" المفترضة في السلسلة، لا تأتي من حكم المجتمع على الأفراد، بل في حكم الأفراد على أنفسهم.

ويحاول العمل هنا رصد العلاقة بين كل شخص وجسده، وهي علاقة لا ترتبط بالضرورة بصورة نمطية ترسمها الميديا حول الجسد المثالي، ولا حتى بالتنمر الاجتماعي، بل هي علاقة شديدة الشخصية تتعلق بمدى الراحة في الجسد البشري. ولا يتعلق الأمر بالبدانة وكمية الدهون والوزن بل يتعداه إلى مواضيع مثل الجندر والتحول الجنسي والتوجهات الجنسية أيضاً، ويظهر ذلك في السلسلة في إحدى الشخصيات الثانوية لمتحولة جنسية تتكلم للحظات عن علاقتها الجدلية مع جسدها.

صحيح أن العمل الذي يميل لنمط الكوميديا السوداء، يقدم الكثير من النكات التي لا تضحك، ومن الأفكار النمطية (ستيريوتايب) إلا أن الواقع بحد ذاته نمطي بهذه الصورة تماماً. فالتنمر ضد الأشخاص البدينين، من الجنسين، موجود في كل مدارس العالم في نهاية المطاف. ولا تنادي السلسلة هنا بأن على الأشخاص أصحاب الوزن الزائد إنقاص وزنهم للحصول على القبول الاجتماعي، بل تصف قصة شخصية فقط، مبنية على أحداث واقعية حسبما شرحت مؤلفة السلسلة لورين جوسيس في حديث لوسائل إعلام أميركية، في ردها على الانتقادات.

السؤال الحقيقي هنا، هل يجب على الميديا والإعلام تشجيع أصحاب الوزن الزائد، على البقاء مثلما هم أم تشجيعهم على التغيير، وهل طرح هذه الأفكار يعتبر إهانة لهم، أم لا، أم أن الإهانة تتعلق بالأسلوب، فإن كان الأمر يتعلق فقط بالسبب والخيار الشخصي للتغيير والدعوة له، مثل التركيز على الصحة بدلاً من الجمال والقبول الاجتماعي، وتصبح بالتالي برامج مثل برامج الطبخ الصحي والرياضة وغيرها، مهينة أيضاً، لكن لا يتم تناولها بالدرجة نفسها في المسلسل الجديد.

والحال أن الحملة ضد العمل في وسائل إعلام عالمية وعبر مواقع التواصل، تجاوزت السلسلة للقول أن التلفزيون مازال يعاني من "رهاب البدانة" (Fat Phobia)، وإن كان هناك العشرات من المسلسلات الناجحة التي تلعب فيها ممثلات غير نحيلات أدوار البطولة، لتجسيد قوة النساء بغض النظر عن وزنهن، مثل "دروب ديد ديفا" على سبيل المثال. لكن السلسلة الحالية لا تتعامل مع هذا المفهوم بل تناقش موضوعاً مختلفاً تماماً، وهو تأثير التنمر على نفسية أي شخص بدين في مجتمع لا يرحم، وبطبيعة الحال لا يفترض بالسلسلة التلفزيونية تقديم حلول سحرية أو مجافاة الواقع، فقط لإرضاء النقاد الذين لا تستطيع مشاعرهم المرهفة تقبل وجود وقائع لا تتناسب مع طوباويتهم.


وهذه ليست المرة الأولى التي تعاني فيها "نتفليكس" من حملات مشابهة، فسلسلة "13 ريزونس واي" الضاربة التي ناقشت موضوع الانتحار والتنمر بين المراهقين، واجهت انتقادات كثيرة، لأسباب مشابهة عموماً، لكن درجة الإتقان في صناعة السلسلة درامياً، ساهم في تخفيف حدة الانتقادات بشكل عام. بعكس السلسلة الحالية التي تعاني من ثغرات فنية كثيرة، وتحديداً هوية السلسلة التي لا تتأرجح بين محاولة فاشلة لخلق كوميديا ومحاولة فاشلة أخرى لخلق تراجيديا. لا أكثر، ما يقود السلسلة نحو الفوضى الدرامية، من ناحية الأحداث.

والحال أن هذا الاتجاه المتزايد للتضامن الإنساني المشوه، بات يأخذ مؤخراً منحى يريد فرض الطوباوية المستحيلة عبرالنمط نفسه من محاكم التفتيش التي يدعي أنه يحاربها. ويتحدث البعض في مواقع التواصل عن جيل الألفية والصواب السياسي، خصوصاً عندما تبلغ الأمور حداً متطرفاً من النقد المجاني، مثل الحملة الأخيرة قبل أشهر ضد سلسلة "فريندز" الأيقونية، بوصفها معادية للمثليين وبعيدة عن التعدد العرقي وفوبيا البدانة في شخصية "مونيكا" التي جسدتها النجمة كورتني كوكس.

ويجدر القول هنا أن حملات التضامن المشوهة، التي لا تقتصر على جيل الألفية، تبتعد بشكل مقصود عن ملامسة جوهر المشاكل، وتركز على القشور، بدلاً من تقديم إجابات للأسئلة الجدلية، سواء كانت علاقتنا مع أجسادنا أو البدانة والصحة والجمال أو حتى الإرهاب والحجاب والدين أو اليمين المتطرف أو الهجرة واللجوء وغيرها من المفاهيم الأكثر جدلية على الكوكب، والتي لا يجب التعامل معها كأنها غير موجودة، فقط لأنها "تؤذي مشاعر بعضنا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها