الجمعة 2018/06/29

آخر تحديث: 19:26 (بيروت)

ترامب.. قاتل الصحافيين الخفي!

الجمعة 2018/06/29
ترامب.. قاتل الصحافيين الخفي!
برزت تغريدات لافتة تدعو إلى "اعتقال ترامب" كونه "المسؤول الأول عن ما حصل"
increase حجم الخط decrease

"السيد الرئيس، هل يمكن أن تتحدث إلينا عن الصحافيين القتلى الذين قضوا في الهجوم المسلّح؟"، "هل لديك ما تقوله لعائلات الضحايا؟"، "لماذا تمشي بعيداً؟"، "لماذا لا تقترب منا وتتحدث إلينا وتخاطب الأميركيين حول هذا الهجوم؟".

بكثير من اللامبالاة قابل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هذه الأسئلة التي طرحها عليه مراسلو البيت الأبيض، عقب حصول الهجوم الدامي الذي نفّذه رجل مسلّح على صحيفة "كابيتال غازيت"، وأدّى إلى مقتل 5 صحافيين فيها وجرح آخرين. إذ تجاهل ترامب أسئلة المراسلين، ومضى بعيداً، مكتفياً بالرد عبر تحريك يده بطريقة وصفها كثيرون بـ"المهينة".


خمسة صحافيين أميركيين قتلوا وترامب لم يُرد تكليف نفسه عناء الرد على أسئلة المراسلين وطمأنة مواطنيه، حيث بدا تصرّفه هذا متنافيا مع مثل تلك اللحظة، التي تلقّت فيها الصحافة الأميركية طعنة في ظهرها. فالتخاذل الذي أبداه رئيس البلاد جعل الصحافيين يعبّرون عن أسفهم وصدمتهم من رد فعله المتعالي، والذي لم يسبق لأي رئيس أو مسؤول أميركي أن تعاطى بمثل هذا الأسلوب وعدم الاكتراث الذي أبداه ترامب في الحدث الأكثر دموية، الذي أصاب الصحافة الأميركية منذ أحداث 11 أيلول، والذي تعاطى معه وكأنه حادث سير أو أمر عابر، وليس تهديداً واغتيالاً استهدف الصحافة الأميركية ككل. الأمر الذي كان يتطلب من الرئيس موقفاً يعبّر فيه عن تعاطفه مع الصحافيين وتعهده بالدفاع عنهم، ضد كل من يضمر لهم السوء، خصوصاً في بلدٍ مثل الولايات المتحدة تمثل فيه الديموقراطية ما تمثّل، مع عدم مقبولية الجو العام بالاستسلام إلى جوّ الخوف والاحساس بالخطر الذي تعمم عند أهل الصحافة والعاملين فيها، عقب هذه المذبحة.

ترامب الذي اكتفى بنشر تغريدة قال فيها إنه تلقى الأخبار حول إطلاق النار في صحيفة "كابيتال غازيت"، وإنه يوجه "دعاءه للضحايا وعائلاتهم"، يبدو أنه ليس لديه ما يقوله سوى ما جاء في تغريدته المختصرة. فالرجل يهاب مواجهة الصحافة بسبب مخافته من تحميله جزءاً من المسؤولية الراجع لخطابه المعادي لها والمحرّض ضدّها، والذي قد يكون له دور في الوصول إلى هذا المطاف. والمعروف عن ترامب أنّه في كلّ محطة وحدث سعى لتكريس وجهة نظره التي لا ترى في الصحافة مكوناً من الدعامة الديموقراطية الأساسية في البلاد، إذ تعامل معها كخصمٍ لم يفوّت فرصة إلا وهاجم فيها وسائل الاعلام والصحافيين، ولم يجد غضاضة في التعبير عن كرهه العلني لهم، إذ تفنن بوصفهم ونعتهم بـ"الكاذبين" و"المقززين"، بل أن الأمر وصل به للترداد مراراً بأن "الصحافيين هم أعداء الأميركيين".


مهما كانت الأسباب التي جعلت ترامب لا يتجاوب مع أسئلة المراسلين، فإن العديد من المراقبين قد فسّروا رد فعله باعتباره عرضاً قاسياً من اللامبالاة، ليس تجاه الصحافيين فحسب، بل الأميركيين بأجمعهم، إذ يكفي إلقاء نظرة سريعة في مواقع التواصل، لتلمس مدى خوفهم وقلقهم. فالناس لم يذهلهم رد فعل ترامب فقط، بل هم غاضبون من "رئيس ضعيف لا يقوى على مواجهة الأحداث"، فيما برزت تغريدات لافتة تدعو إلى "اعتقال ترامب"، كونه "المسؤول الأول أخلاقياً وجنائياً عن ما حصل".

الخطاب العام المعادي للصحافة الذي كرسّه ترامب، والذي جعل الولايات المتحدة تتراجع درجتين في مؤشر "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة للعام 2018، يعبر عن أن مناخ الكراهية بات أكثر وضوحاً، خصوصاً وأن العديد من التقارير أشارت إلى أن لدى المتهم بتنفيذ الهجوم، الأميركي جارود راموس، حقداً قديماً تجاه "كابيتال غازيت"، حيث أنه في الوقت الذي يكون التحريض ضد الصحافيين صادراً عن رئيس البلاد، فلا يعود مستغرباً حينها أن يتجرأ أي شخص قد يتسلّح بوجهة نظر الرئيس ويعتبر أنه على حق في الهجوم على أي وسيلة إعلامية، ويقتل العاملين فيها دون رهبة أو وجل.

راموس الذي كان مسلّحاً ببندقية وقنابل دخان عندما شنّ الهجوم على مقر "كابيتال غازيت"، كان موضوع مقال نشرته الصحيفة في العام 2011 بعنوان "جارود يريد أن يكون صديقك"، في إشارة إلى ملاحقته امرأة عبر "فايسبوك" ومضايقتها من خلال رسائل الكترونية. وذكر المقال أن راموس في حينه بعث للسيدة بالعديد من الرسائل عبر البريد الالكتروني على مدى أشهر، ووصفها بكلمات نابية وطلب فيها أن تقتل نفسها، مشيراً إلى أن راموس أقر بأنه مذنب في قضايا جنائية أخرى، وأنه هدد زميلاً سابقاً في مدرسة ثانوية عبر "فايسبوك"، وقالت الصحيفة أنها تعرضت هي الأخرى للتهديد. وبعد نشر هذا المقال، دخل راموس في نزاع قضائي طويل مع الصحيفة منذ العام 2013، وخسر الدعوى القضائية التي كان قد رفعها ضدها وضد كاتب المقال، بعد الاستئناف عليها في العام 2015، إذ فشل في تقديم أدلّة على أنّ ما نشرته الصحيفة لم يكن صحيحاً.

ومنذ ذلك الحين، صبّ راموس جام غضبه على "كابيتال غازيت"، التي اعتبر أنها كانت سبباً بـ"تشويه سمعته"، وكرّس الكثير من وقته لمهاجمتها والتصويب على كاتب المقال، إريك هارتلي، من خلال إطلاقه موقعاً الكترونياً مخصصاً لتكذيب كل ما ينشره هارتلي والصحيفة على حد سواء، إلى أن وصل به الأمر لنشر تغريدة، قبل 3 دقائق من شنّه الهجوم على الصحيفة، توجّه بها إلى القاضي الذي أصدر حكماً في إبطال دعواه ضد الصحيفة، قائلاً: "عليك اللعنة، اتركني وشأني".

أمام خطورة هذه الوقائع ودلالاتها، والتعاطي الدموي مع الصحافة والاعلام في أميركا، على غرار ما يجري في الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية والشمولية، لا يُستغرب ذلك الأسلوب الذي تناول فيه موقع "بريتبارت نيوز" الاخباري اليميني، الحدث الأخير. إذ ركّز عقب الهجوم التصويب على وسائل الاعلام والصحافيين والمغردين الذين انتقدوا وأشاروا إلى مسؤولية ترامب في الحادث. وكان ميلو يانوبوليس، المحرر السابق في "بريتبارت نيوز" قد نشر في "انستغرام" الأسبوع الماضي، رداً تحريضياً قال فيه: "لا أستطيع انتظار الوقت الذي تبدأ فيه فرق أهلية بإطلاق النار على الصحافيين"، ما يعكس مدى عمق تأثير تصريحات ترامب التحريضية على أكثر من شريحة سياسية واجتماعية وأهلية.

والأدهى من ذلك، ظهور وسائل إعلامية تمارس ما يعادل التضليل، مثل شبكة "فوكس نيوز" المقربة من المحافظين، من خلال مقاربتها لمسببات الحدث، بإعلانها أنها تحققت مما إذا كانت الصحيفة المستهدفة تملك عقيدة ايديولوجية او خطاً سياسياً واضحاً يبرر استهدافها، معتبرة أنها لا تعدو كونها مجرّد صحيفة محلية عادية، ما جعل "فوكس نيوز" تبدو وكأنها تبرر الاستهداف في حال كانت "كابيتال غازيت" ذات خلفية ايديولوجية وتتبع خطاً سياسياً محدداً، الأمر الذي اعتبره كثيرون إنذاراً يؤشّر لضرب المعايير التي قد تبيح استعمال العنف والقتل بسبب الرأي والفكر.

الحدث بذاته والنقاش الذي تلاه يطرح أسئلة عميقة ومخيفة، تتعلق بالمسار الذي تتجه إليه الأمور في الولايات المتحدة، والنموذج الذي يمثله ترامب وجمهوره الكاره للاعلام ولحرية الرأي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها