الخميس 2018/06/14

آخر تحديث: 08:38 (بيروت)

روسيا في دمشق.. وايران والمنتخبات العربية خارجها

الخميس 2018/06/14
روسيا في دمشق.. وايران والمنتخبات العربية خارجها
أعلام روسيا "تحتل الصدارة" في دمشق (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
باستثناء "الجيش السوري الذي يحارب الإرهاب"، لن يشجع رئيس النظام السوري بشار الأسد أياً من المنتخبات المشاركة في كأس العالم، بما في ذلك منتخب داعمته الرئيسية، روسيا، المستضيفة للمونديال، رغم أن وفداً برلمانياً روسياً قدم له يوم الأحد الماضي في العاصمة دمشق الكرة الرسمية الخاصة بالحدث العالمي، الذي يجذب اهتمام السوريين، مع ارتفاع واضح بشعبية المنتخب الروسي "الصديق".

وتناقل سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للعاصمة دمشق ومدن أخرى، ترفرف فيها الأعلام الروسية في مشهد غير مألوف في مسابقات كأس العالم السابقة، حيث كانت أعلام المنتخبات الأقوى عالمياً كالبرازيل وألمانيا والأرجنتين تتصدر المشهد. ورغم احتفاظ تلك المنتخبات بشعبية واسعة لأسباب رياضية وتسويقية، إلا أن الأسباب السياسية تجعل جمهوراً واسعاً من الموالين للنظام مشجعاً لمنتخب روسيا، كبديل عن المنتخب الوطني.

ومنذ الثورة السورية دعمت موسكو نظام الأسد دبلوماسياً وسياسياً قبل تدخلها العسكري المباشر الذي قلب موازين الحرب في البلاد لصالح النظام العام ٢٠١٥. ورغم أن إيران، الداعم الآخر للنظام، تشارك في المونديال إلا أن منتخبها لا يحظى بالشعبية نفسها. وربما يعود ذلك لأسباب ثقافية ورياضية، حيث يبقى المنتخب الإيراني آسيوياً وضعيفاً مقارنة بالمنتخبات الأوروبية واللاتينية، كما أن طهران تبقى قوة إقليمية تحركها مصالح قائمة على أسس دينية، ما يجعل التعاطف معها أقل من روسيا القوة العظمى التي تعود جذور التعاون معها إلى الحقبة السوفياتية.

يؤكد ذلك حقيقة المشكلة الإيرانية الاولى في سوريا وهي عدم امتلاكها عمقاً ثقافياً في البلاد ما يجعل تأثيرها معرضاً للانتكاس في أي لحظة، بعكس قوتها في بلدان المنطقة كلبنان والعراق، حيث تسيطر كمرجعية شيعية دينية قبل سيطرتها السياسية والعسكرية.

ونشرت وكالة "فرانس برس" صوراً لاسواق دمشق القديمة التي امتلأت بصور أعلام الدول المتنافسة في كأس العالم، وأكدت أن أعلام روسيا "تحتل الصدارة"، حيث أصبح يشجعها السكان. وأضافت: "في الأسواق مازالت هناك أعلام الأرجنتين وألمانيا والبرازيل تحتل مكانة بارزة، لكن سنوات من الدعم الروسي الثابت للحكومة السورية خلال الحرب أكسبتها فكرة جديدة عن كرة القدم". وفي حديثها مع السكان المحليين بدا واضحاً أن الموالين للنظام يعبرون عن "امتنانهم" لموسكو لتخليصها البلاد من "داعش" الذي كان وقت المونديال الماضي في أوج قوته.

والحال أن بيع الأعلام الروسية في سوريا ليس جديداً بل هو أمر روتيني في البلاد قبل كل ليلة من اجتماعات مجلس الأمن الخاصة بسوريا أو خلال التطورات السياسية الرئيسية. ومع اقتراب المباراة الأولى، ارتفعت مبيعات العلم الروسي، بحسب "فرانس برس"، لأن "بعض الناس يشترون العلم الروسي من أجل إصدار بيان سياسي من خلال الرياضة". لكن ذلك بالطبع لا ينطبق على ملايين السوريين المعارضين الذين ينظرون لروسيا كشريك أساسي في جرائم الحرب التي ارتكبت في البلاد. 
وسيعمد السوريون لمشاهدة المونديال في المقاهي أو عبر الاشتراك في شبكة "بي إن سبورتس" الناقل الحصري لكأس العالم، أو عبر قناة "هوا" الأرضية التي تقوم مجددا بقرصنة المباريات من "بي إن سبورت". فيما نفت قناة "إعمار الشام" الفضائية الناشئة حديثاً بثها لمباريات المونديال كما أشيع في الفترة الأخيرة، وكذلك لن تبث قناة "روسيا اليوم" المباريات بعكس ما تشير بعض المنشورات لسوريين في "فايسبوك".

والحال أن فصل الرياضة عن السياسة أمر لا يكمن التأكد من حقيقته، فالتشجيع والانتماء الرياضي في الدول التي لا تمتلك فرقاً ومنتخبات رياضية وطنية قوية، يتحددان بظروف مختلفة مثل شخصية الفرد ومدى استماعه للبروباغندا الرسمية، وغيرها. وعليه يمكن القول أن تشجيع المنتخبات العربية المشاركة في المونديال لن يكون شائعاً بين السوريين الموالين، لأن تلك الدول كانت "شريكة في المؤامرة الكونية على سوريا" وفق بروباغندا النظام.

ومع انتهاء المد العروبي في الخطاب الرسمي يتحول التشجيع كولاء سياسي نحو منتخبات أخرى "صديقة"، ولن يكون لانسحاب المنتخب الأرجنتيني من مباراته الودية مع إسرائيل مؤخراً أي تأثير سلبي أو إيجابي، على شعبيته، لأن القضية الفلسطينية لم تعد "مركزية" إلا في الخطاب البعثي المتحجر والعتيق.

بخلاف ذلك، تظهر معضلة أخيرة لدى السوريين في دول اللجوء المشاركة في كأس العالم، فبينما باتت بعض الدول كألمانيا وفرنسا مثلاً أوطاناً بديلة أو مستقبلية، يرفض البعض تشجيع منتخباتها لتورطهم العاطفي المسبق مع منتخبات أخرى منذ أيام وجودهم في سوريا.

وهذا النوع من الانتماء لا يرتبط بالجنسية او الجغرافيا بقدر ما يعبر عن فردية تحددها جزئياً شروط تسويقية وتجارية، مع تحول المنتخبات والنوادي الرياضية لمنتجات ترفيهية تحمل قيما ثقافية متعددة، فإذا كانت منتخبات البرازيل أو الأرجنتين ترميزاً للحرية والانطلاق بسبب مهارات لاعبيها الفردية، تعبر ألمانيا عن الانضباط. والتضارب بين هذه القيم الفردية يتفوق، حتى على الشعور بالامتنان والانتماء الجغرافي الطارئ الذي فرضته ظروف اللجوء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها