السبت 2018/05/26

آخر تحديث: 16:47 (بيروت)

"أخرجوا اللبنانيين من الدراما السورية"!

السبت 2018/05/26
"أخرجوا اللبنانيين من الدراما السورية"!
باسل خياط ودانييلا رحمة في مسلسل "تانغو"
increase حجم الخط decrease
لا مجال للمفاجأة حقاً أمام الحملة التي أطلقتها شبكة "دمشق الآن" الناطقة باسم النظام السوري، والداعية لإخراج الممثلين اللبنانيين من الدراما المحلية، فالعقلية البعثية الحاكمة التي تشعر بالانتصار بعد تقلص مساحة الحرب في البلاد، باتت مستعدة لـ"تصفية حساباتها" وإخراج عنصريتها القديمة، حتى في المجال الفني، كما الحال في السياسة مع إعادة بعض رموز الوصاية الأسدية على للبنان إلى البرلمان مؤخراً.


وإن كانت الحملة تدّعي عدم العنصرية، بل "الغيرة" على مصلحة الدراما، إلا أنها تكرر الخطاب الذي يقدمه العنصريون في لبنان ضد اللاجئين السوريين، وفي كلا الحالتين تشكل العنصرية واتهام الآخر، الحل الأسهل لتبرير الفشل، سواء كان فشل الخدمات الحكومية والمشاكل اليومية في لبنان أو الفشل الفني وعدم قدرة الدراما السورية على توزيع أعمالها التي باتت عتيقة الطراز وغير جذابة للفضائيات العربية والمشاهد القادر على الاختيار والمفاضلة حسب ذوقه الخاص.

والحال أن النظام السوري وجمهوراً واسعاً من الموالين له ينظرون إلى لبنان كمحافظة سورية، أو حديقة خلفية لدمشق في أفضل الأحوال، وبالتالي لا يجب على "شبه الدويلة"، وهي تسمية ظهرت كثيراً في تعليقات المرحبين بالحملة، أن تتفوق على المركز. ويعني ذلك أن الحملة لا تشكل رداً على عنصرية لبنانية ضد اللاجئين السوريين في السنوات الأخيرة، ظهرت في الإعلام وبعض القرارات الرسمية، بل هي فعل موازٍ لها ينطلق من عنصرية خاصة وشوفينية بعثية معروفة.

من هنا يمكن فهم الحملة الجديدة بوصفها تبريراً للفشل عبر إلقاء اللوم على الآخر الذي لا يجب السماح له بالتفوق إلا بإذن رسمي وموافقة مسبقة. وربما يشعر القائمون على الحملة، وحملات مشابهة مثل "دراما ونص"، بمزيج من الغضب والإذلال بعد فشل معظم المسلسلات السورية للموسم الثاني على التوالي في تسويق نفسها للمحطات العربية، وهي أعمال مسيسة راهن عليها النظام لتقديم وجهة نظره حول الحرب في البلاد، ومن بينها "وحدن" لنجدة أنزور و"روزنا" لعارف الطويل، وغيرها من الأعمال التي تعرض فقط على شاشات النظام الرسمية.

وكان النظام وصناع الدراما الموالون له، يتذرعون بالحرب في البلاد كمبرر لفشلهم في تقديم منتجات تلمع صورة النظام عربياً، لكن هذه الذريعة لم تعد صالحة للاستخدام مع ترويج النظام الموازي لانتصاره في البلاد، وتحديداً بعد "إعلان دمشق خالية من الإرهاب" مؤخراً. وبالتالي بات البحث عن مبرر مختلف أمراً ضرورياً، مع التذكير بالسبب القديم و"المؤامرة الكونية" المتمثلة بحملة "مقاطعة" متخيلة تقوم بها المحطات العربية "المغرضة" ضد المسلسلات السورية. من دون الاعتراف بأن الدراما السورية باتت رديئة أكثر مما كانت عليه في السابق، وتحديداً في العصر الذهبي للتلفزيون على المستوى العالمي.

اللافت أن الممثلين اللبنانيين، والعرب، تواجدوا في المسلسلات السورية منذ عقود، ومنهم بيار داغر وعمار شلق وورد الخال وعشرات الأسماء الأخرى، ولم تكن تبرز مثل هذه الدعوات على الإطلاق، ولا يعود ذلك لجودة الدراما المفترض قبل العام 2011، بل يعود لعنصر الإنتاج بالتحديد حيث كانت الأعمال سورية، وليس لأعمال تنتجها شركات لبنانية كما هو الحال في مسلسلات الدراما العربية المشتركة التي يشارك فيها فنانون وفنيون سوريون. علماً أن الدراما السورية عملت على تنميط الشخصيات اللبنانية طوال عقود، فالرجال اللبنانيون "مخنثون" والنساء "لعوبات" واللهجة اللبنانية مثال "للميوعة" وباتت "مثيرة للاشمئزاز" مقارنة باللهجة الدمشقية الأصيلة حسب بيان الحملة.

وإذا كان البعض يرى في الممثلين والتقنيين السوريين رافعة للدراما المشتركة وسبباً في نجاحها، إلا أن مقياس الشعبية الجماهيرية بدأ يميل للنجوم اللبنانيين، ويبرز في مسلسل "جوليا"، وهو واحد من أكثر الأعمال مشاهدة في الموسم الرمضاني حسب الإحصاءات الأخيرة، والخالي من أسماء نجوم سوريين كبار إلى جانب بطلته ماغي بو غصن، حيث لا يمكن اعتبار قيس الشيخ نجيب أو ليليا الأطرش من نجوم الصف الأول في سوريا، مثل تيم حسن أو باسل خياط ومنى واصف على سبيل المثال.

وعليه فإن الحملة تتحسر على "احتكار اللبنانيين" لأدوار البطولة، وتريد فرض أسماء معينة على الجمهور العربي "ممن صمدوا في سوريا وبقيوا طوال فترة الحرب، ولم يفكروا بمغادرتها، حرصاً منهم على استمرار سير عجلة الدراما السورية"، علماً أن الماكينة الدعائية للنظام السوري عملت طوال عقود وفق هذه الطريقة القسرية في تحديد النجوم طبقاً لولائهم السياسي بدلاً من موهبتهم أو مدى حب الناس لهم أصلاً.

وطوال سنوات خلق إعلام النظام وهماً بأن الممثل السوري متفوق وجذاب، بعكس الواقع الذي تكشفه المنافسة والمقارنة مع الأعمال العربية والتركية الرائجة ومع الإنتاجات العالمية التي باتت متوفرة للجمهور بسهولة  والتي أسهمت أيضاً في رفع الذائقة الفنية وكشفت حقيقة العيوب التي تعاني منها الدراما السورية بوضعها أمام البديل الأفضل من الناحية البصرية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها