الخميس 2018/05/10

آخر تحديث: 19:21 (بيروت)

صراع "نتفليكس" و"كان": الفنان هو المتضرر الوحيد

الخميس 2018/05/10
صراع "نتفليكس" و"كان": الفنان هو المتضرر الوحيد
اورسون ويلز خلال تصوير "تاجر البندقية" (1969)
increase حجم الخط decrease
إنطلق مهرجان كان السينمائي، قبل يومين، من دون أفلام "نتفليكس" التي كان لها حضور في العام الماضي. فالجدل الذي أثاره فيلما "نتفليكس" حينها، بتحريضٍ من موزعي الأفلام وأصحاب صالات العرض الفرنسيين، تجدّد هذا العام، ما دفع بإدارة المهرجان إلى منع أفلام "نتفليكس" من التنافس على جوائز المهرجان. لكن بالرغم من إتاحته لهذه الأفلام المشاركة في الأقسام غير المعدّة للمنافسة، إرتأت شركة "نتفليكس" الانسحاب من المهرجان بشكلٍ كامل.
 ليس هذا الشجار القائم بين عملاق السينما التاريخي، وماردها الإلكتروني الأحدث، بالحدث التفصيلي في تاريخ السينما. فهو ليس خلافاً بين إدارة مهرجان وموزّع معيّن، بل هو خلاف بين المهرجان وأسلوب التوزيع الذي يتبناه "نتفليكس". يبدو صراعاً من أجل تحديد هوية السينما وماهيتها في عصرٍ قلبت فيه التكنولوجيا موازين القوى؛ والسينما ليست إستثناءً. فالخدمة التي تقدّمها شبكة "نتفليكس" لمستخدميه من مشاهدة كمّ هائل من المسلسلات والأفلام، في راحة بيوتهم وأوقاتهم وشروطهم الخاصة، جعله منافساً قوياً وخطراً وجودياً يهدّد المنظومة الاقتصادية للصناعة السينمائية.

 وكان مدير مهرجان "كان" تيري فريمو قد أعلن، منذ حوالى الشهر، إستبعاد أفلام "نتفليكس" من المنافسة، وذلك على خلفية القانون الفرنسي الذي لا يتيح عرض الأفلام على مواقع المشاهدة إلا بعد إنقضاء 36 شهراً على إطلاقها في صالات العرض. 

يتنافى ذلك مع سياسة شبكة "نتفليكس" التي تطلق أفلامها الأصلية في الصالات وفي الانترنت في اليوم نفسه. وإستمرّ هذا الخلاف بالتفاعل مع إطلاق المواقف من قبل الطرفين. فمن جهته برّر فريمو القرار بالقول بأن "تاريخ السينما وتاريخ الإنترنت هما أمران مختلفان". أما "نتفليكس" فقد أصرّ على موقفه الرافض لأي نوع من القوننة لسوق الأفلام، مصوراً هذه المعركة على أنها "صراع بين ماضي السينما ومستقبلها"، بحسب تصريحات مدير المحتوى تيد ساراندوس. 

إعتبر ساراندوس بأن موقف "كان" يدلّ على أنه "مُصرّ على التعلّق بتاريخ السينما"، في حين أن نتفليكس "تختار أن تكون مستقبل السينما"، داعياً المهرجان إلى العصرنة. كما إتهم "كانّ" بتعريفه الفنّ بحسب النموذج الاقتصادي القائم عليه. وكان ساراندوس قد أعرب عن موقف عدائي من هذا النوع تجاه أصحاب صالات العرض قائلاً بأنهم "يخنقون عملية الإبداع والتوزيع، وسيقومون بقتل الصالات والأفلام معاً". وعن مفهوم الجلوس في صالة سينما من أجل مشاهدة فيلم، فوصفه ساراندوس بأنه "فكرة رومانسية يجب التخلّص منها". 

لا شكّ بأن كلمات ساراندوس وحدها تبعث الرعب في نفوس الكثير من المستفيدين إقتصادياً من صناعة السينما، وأوّلهم أصحاب الصالات الذين مارسوا ضغوطهم على مدير "كانّ" من أجل التوصل إلى قرار المنع. ولا تخلو الدعوة إلى تحديث التجربة السينمائية من الحقيقة. فالواقع أن صالات السينما لم تعد تقدّم للمشاهد ما يصعب توفيره في البيت. فالشاشة العملاقة يمكن إقتناؤها في البيت، ونظام الصوت الذي كانت تنفرد به صالات العرض أصبح ينتشر في الكثير من البيوت. أما خيارات الأفلام فهي كثيرة في "نتفليكس" وغيرها من الشبكات مقابل سعرٍ زهيد. لم تعد التجربة السينمائية، بالنسبة للناس العاديين على الأقل، منوطة بصالة السينما. 

لكن للأمر بعدٌ ثقافي يتمثّل في إختلاف مفهوم السينما بالنسبة للفرنسيين والأميركيين. فصنّاع السينما ومستهلكوها الفرنسيون يرون فيها تجربة إجتماعية وجماعية، لها طقوسها وقوانينها. في حين أن المنظور الأميركي يقدّس مبدأ تعدد الخيارات ويبحث بالدرجة الأولى عن المتعة بصرف النظر عن أسلوب الحصول عليها، فيكاد يكون لا وجود للقواعد في ميدان الصناعة الفنية عموماً.

وبطبيعة الحال، يتحرّك العالم بأسره في الإتجاه نفسه مع الأميركيين و"نتفليكس". وهنا يمكن تفهّم موقف الفرنسيين والقيمين على مهرجان "كان" بشكلٍ خاص. إن محاولة الحفاظ على الوجه التقليدي للسينما، وإن عبر مهرجانٍ سينمائي واحد؟ - كون المهرجانات الأخرى لم تتخذ موقفاً مشابهاً - هو أمر يقدّر عليه المهرجان. لكن إلى متى سيتمكّن "كانْ" وكل من يشاركه عداءه للشاشة الإلكترونية من مقاومة سلطة التكنولوجيا المتعاظمة؟ 

وسؤال يطرح نفسه هنا: مَن الخاسر في هذه المعركة؟ في الوقت الراهن، لن يتأثر المهرجان بأي شكلٍ من الأشكال، بل إن قراره هذا لاقى الكثير من التهليل في الأوساط الفنية، ومن قبل محبي الأفلام النوستالجيين. "نتفليكس" هو الآخر ليس معرّضاً للضرر مع بقائه الخيار الأول للجمهور، وإمكانية مشاركته في باقي المهرجانات السينمائية. الخاسر الفعلي هو الفنانون، أولئك الذين أتيحت لهم فرصة شراء أعمالهم من قبل "نتفليكس" لكنهم حُرموا من أخذ هذه الأفلام إلى "كانْ". 

مثال على ذلك، الفيلم غير المنتهي The Other Side of the Wind للمخرج الراحل أورسون ويلز. والذي تمّ سحبه من المهرجان. توجهت إبنة ويلز إلى المهرجان و"نتفليكس" طالبةً من الفريقين حلّ خلافهما، وشبّهتهما "بشركات الإنتاج الكبيرة التي دمّرت حياة والدي وعمله". هذا مع العلم أن "نتفليكس" هي الشركة الوحيدة التي قبلت شراء فيلم أبيها ما يعني أن خياراته كانت محدودة بالأساس. 

لكن في اليومين الأخيرين، وتزامناً مع إنطلاق المهرجان، حصل تغيّر في خطاب "نتفليكس"، مع تراجعه عن نبرة مدير المحتوى الحادّة، فصرّح المدير التنفيذي ريد هاستينغ بشيءٍ يشبه الإعتذار، وأقرّ بإرتكاب "نتفليكس" بعض الأخطاء في خلال الخلاف مع "كان". كما أعلن الأخير، إرسال فريق إلى المهرجان من أجل شراء الأفلام المناسبة، ومنها فيلم الإفتتاح Everybody Knows للمخرج الإيراني أصغر فرهادي، والذي يتنافس عليه عدد من المشترين. كما يبدو، من جهةٍ أخرى، ان المهرجان ما زال يعتمد على "نتفليكس" من أجل شراء الأفلام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها