الثلاثاء 2018/05/01

آخر تحديث: 14:32 (بيروت)

دليل "غربلة" لمرشحي المجتمع المدني.. مَن أنتم؟

الثلاثاء 2018/05/01
دليل "غربلة" لمرشحي المجتمع المدني.. مَن أنتم؟
لا يبرّر الدليل الموقف المائل إلى "الإعجاب" أو "النفور"، بل يحتفظ بأسبابه لنفسه
increase حجم الخط decrease
كبيرة هي مظلّة المجتمع المدني الذي يخوض إنتخابات الـ2018، وكثيرة هي اللوائح المستقلة المشاركة بإسمه وبإسم خطابه "البديل" و"العصري". إلا أن هذه الشعارات الفضفاضة التي قد يختبئ خلفها المرشحون لدواعٍ تسويقية لا تكفي لإثبات الكفاءة أو المصداقية. وبهدف تمييز الممثل الفعلي لقضايا المجتمع المدني في مقابل الإنتهازي المستغلّ لها، عمدت مجموعة من الناشطين إلى غربلة هؤلاء المرشحين والمرشحات في ما أطلقت عليه "دليل إنتخاب المعارضة 2018".
هذا الدليل الإلكتروني الذي أطلق قبل أسبوع من موعد الإستحقاق الإنتخابي هو نتاج عمل فريق "مستعدين" المؤلف من حوالي 40 عضواً بادروا إلى لقاء جميع مرشحي اللوائح المستقلة ومناقشتهم بهدف تسجيل مواقفهم إزاء قضايا عدّة. أما نتائج هذه المقابلات، فقد نشرتها المجموعة على شكل رسومٍ بيانية تظهر مدى إلتزام المرشح ببعض القضايا الرئيسية. 

المعايير التي إعتمدتها المجموعة في التقييم هي ستّة، وتعرّفها المجموعة كالتالي: العلمانية الجذرية، النسوية غير المساومة، العدالة الاقتصادية، الكرامة المعيشية، الأمان الحقيقي، الديمقراطية الفعلية، والحرية (الحريات الفردية)، بالإضافة إلى معيار يتعلّق بممارسة المرشّح وتاريخه في العمل النضالي. 

يستعرض الدليل هذه القضايا التي تمّت مقاربة مواقف المرشّحين على أساسها، كما يشرح رؤية المجموعة لكلٍ منها. ففي بند "الأمان الحقيقي"، يشار إلى رفض "التهليل لمفاهيم استبدادية من نوع جزمة الجيش، وغيرها من الممارسات الفاشية".

كما يؤكّد الدليل على "الوضوح في معاداة الاحتلال الإسرائيلي" ودعم "حركة مقاطعة إسرائيل"، بالإضافة إلى تعبيره الصريح عن معاداته للنظامين السوري والسعودي- وإن بدرجات متفاوتة. أما في ما يخصّ التحالفات الانتخابية، فتشرح المجموعة موقفها الناقد لتحالف "كلّنا وطني" الذي  إعتبرته "مخيباً للآمال لإظهاره إشكاليات أساسية منها غياب البرنامج الموحّد وتحالفه مع حزب سبعة، ووجود مواقف متناقضة من حزب الله والنظام السوري وقضايا اللاجئين ونظام الكفالة..".

عليه، تقترح المبادرة عدم دعم لوائح هذا التحالف بالرغم من تعبيرها عن رغبتها بدعم بعض المرشّحين، وذلك بسبب تركيبة القانون الإنتخابي التي تسمح بأن يصبّ الصوت الإنتخابي لمرشّح ما في صالح مرشّح آخر ضمن اللائحة. كما تبدي تحفظها على "وضع أُسسِ التحالفِ دونَ استشارةِ كياناتٍ أخرى مِنَ الحركاتِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ المناهضةِ للنظام"، وعدم إنضوائه على الحركات الاجتماعية والسياسية التي راكمت النضالات على مرّ السنين. 

نظرياً، يبدو هذا النقد صائباً ولا تشوبه أي شائبة. أما على الصعيد العملي، فتظهر إشكاليات من شأنها تبخيس موضوعية هذا التقرير وعلميته.

فبالرغم من عرض المجموعة، بكل شفافية، للمعايير التي إتخذتها أرضية للتقييم، وإقرارها بتحيّز هذا التقييم لقضايا النسوية والعدالة الاجتماعية والحريات الخاصة إلخ.. إلا أنها إفتقدت لهذه الشفافية والدقة العلمية في آلية إستخلاص النتائج وعرضها. فالإجابات التي تلقتها بناءً على الأسئلة التي صاغتها بنفسها ليست معطيات علمية. كما أن عرضها لـ"الدرجة النهائية" التي نالها كل من المرشحين يقتصر على إظهار مدى تطابق توجهات المرشّح مع معايير الفريق الخاصة. لا يعوّض الدليل عن هذا الإقتضاب بتفسير هذه التوجهات وتبيان أسباب تماهيها أو إبتعادها عن رؤية "مستعدين"، كما لا تستعرض الإجابات التي قدّمها لكي يتسنى للقارئ تحليلها بنفسه. 

إلى جانب الرسوم البيانية، يورد الدليل موقف "مستعدين" الموجز من المرشّح، وذلك بإختزاله وبرنامجه إلى جملة من شبيه "نتفق معه في هذه النقطة أو ذاك، ونختلف معه في هذا أو ذاك".

لا يبرّر الدليل هذا الموقف المائل إلى "الإعجاب" أو "النفور"، بل يحتفظ بأسبابه لنفسه، من دون الشعور بالحاجة إلى الخوض في صلب خطاب المرشح أو فتح نقاش بشأنه. بإختصار، عمدت المعارضة إلى تقديم خلاصاتها حول المعركة الانتخابية في قالب جاهز للمواطن العاجز عن تشكيل رأيه الخاص بناء على معطيات دقيقة. وذلك في حدّ ذاته يرسّخ طريقة تعاطي السلطة الحاكمة مع ناخبيها، وهو تعاطٍ قائم على قاعدة: "انت ما تفكّر.. نحنا منفكّر عنك". 

تظهر على هذا الدليل ملامح "عنجهية" ونخبوية الفرع المعارض من المجتمع المدني، وهذا بالرغم من حسن النية. فهو يطرح نفسه كسلطة معنوية قادرة على إصدار المواقف والآراء لكي يستعين بها الشعب في عملية إختياره لممثليه، وذلك في ظلّ إبتعاد هذا الفرع المتمرّد، بمعاييره المثالية، عن جوهر قضايا الشعب وهمومه. 

فعلى سبيل المثال، يورد الدليل، ضمن معاييره، ضرورة معاداة النظام السوري من منطلق "إتخاذ موقف غير مساوم بوجه للأنظمة القمعية والديكتاتوريات". وبالرغم من الرنة الثورية لشعار من هذا النوع، إلا أنه يظلّ في إطار "تسجيل المواقف" ولا يحاكي حاجات الناس ومطالبها الفعلية.

وفي مثالٍ آخر، يختصر الدليل تقييمه لتوجهات المرشحة جومانا حداد بالقول "نتفق معها في أولوية الحريات الخاصة وتغيير نمط التمثيل السياسي ونختلف معها في مقاربتها للنسوية والعنصرية". تدعو هذه الجملة بمفردها إلى الكثير من التساؤلات. أولاً، "ما هي النسوية؟" قد تسأل شريحة واسعة من الشعب اللبناني المنفصلة عن نطاق الدوائر الأكاديمية. وماذا يعني تغيير التمثيل السياسي؟ ما هي مقاربة حداد للنسوية؟ وما هي مقاربتكم؟ وأخيراً.. من أنتم؟! 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها