الأربعاء 2018/12/05

آخر تحديث: 19:31 (بيروت)

طفلان فلسطينيان محرران من الأسر: بَطَلان أم ضحيتان؟

الأربعاء 2018/12/05
increase حجم الخط decrease
هو بطل، لا ضحية... عبارة تختزل الجدل الذي يدور في الآونة الأخيرة بين الفلسطينيين في مواقع التواصل الاجتماعي، منذ قصة اعتقال الطفلة عهد التميمي. ثم جاءت صورة الفتيين المحرّرين من سجون الإحتلال الإسرائيلي، شادي فراح وأحمد الزعتري، مع "الكنافة"، لتجدد هذا الجدل ضمناً وصراحةً.
لاقت صورة التُقطت في مدينة رام الله للفتيين الرفيقين، فرّاح والزعتري، فور تنفسّهما الحرية، وهما يأكلان من طبق "كنافة" انتشاراً واسعاً في مواقع التواصل الإجتماعي كدلالة رمزية ومعنوية للتضامن والتفاعل الكبيرين معهما. 

ورصدت "المدن" العديد من التغريدات والمنشورات التي تبرز التعاطف، مثل "أحمد زعتري، شادي فراح.... كنافة بجد بعد 3 سنين من الاعتقال، اعتقلا وعمر كل منهما 12 عاماً، ريتو الف صحة وهنا يا رب".

ولم تخلُ تغريدات أخرى من طَرْقِ جدران الخزّان لتوجيه نقد لاذع لأطياف سياسية وحتى شعبية تتشبث بتجسيد صورة "الأيقونة" و"البطل" للطفل الأسير في الإعلام المحلي والدولي لتطغى على مفهوم "الطفل الضحية" جراء اضطهاد الإحتلال. 

وجدد منشور فايسبوكي هذا النقد، عبر القول: " الله يسعدهم، اطفال حتى في ما يتمنون. يا ريت يكملوا دراستهم ولا يعيشوا بوَهم أنهم ابطال خارقون. إنما هم أبطال فلسطينيون بصفتهم عايشوا تجربة قاسية على العالم أن يعرفها. وفي الوقت ذاته عليهم الاستمرار نحو مستقبلهم  بالدراسة".

ويتبنى أصحاب هذا الرأي الناقد طرحاً مفاده أنه من العيب على الأحزاب أن تغطّي فشلها عبر التغنّي الإعلامي ببطولة ورمزية الطفل الأسير. ناهيك عن طغيان وسطوة لفكرة البطولة على حساب الوجع الذي يتسبب فيه الإحتلال بحق هؤلاء الأطفال.

والواقع، أن الأسير المحرر، الفتى شادي فراح يحاول أن يحسم هذا الجدل خلال لقاء خاص مع "المدن"، فيقول إنه بطل لأنه ضحّى بأغلى سنوات حياته.. وضحية لأنه تعذّب ودخل السّجن. ويتابع شادي: "لا يصح الحصر في مفهوم واحد فقط، بل كلاهما".

وروى شادي حكايته ورفيقه أحمد مع "الكنافة"، قائلاً بنبرة ضاحكة ومتلهفة: "انا واحمد أصحاب.. وبقينا كذلك في داخل السجن، ولم نفترق ولو لثانية. كنا داخل السجن متشوقين لناكل كنافة نابلسية ولم نستطع طوال 3 سنوات. عندما تحررنا، حصلنا على الكنافة بعد ساعات". ويضيف بلهجة بريئة: "احمد خجلان لما اتصور. حكيتله: ما تخجل. كنا مشتاقين ناكلها وهي أكلناها".

والحقيقة، أنه، على عكس دعاية وإشاعات الإحتلال، بأن الفلسطيني يهوى الموت وقتل الآخرين. وهو ما يؤكده شادي إذ يقول أن الفلسطيني يضطر لمقاومة الإحتلال كخطوة دفاعية ورد فعل على الظلم الواقع بحقه.

وكان الرفيقان شادي وأحمد، قد اعتقلا طفلين في القدس المحتلة قبل ثلاث سنوات، بتهمة نيتهما تنفيذ عملية طعن. ويقصّ فرّاح على "المدن" طريقة اعتقالهما بينما كانا يسيران سوية وسط الشارع، على يد الوحدة الإسرائيلية الخاصة المُسمّاة "اليسّام".

ويقول فرّاح: "نحنا اهل القدس يشدد الإحتلال علينا كثيراً. أنا وأحمد لم نقم بأي شيء. كنا نتحدث فقط. فجأة وأثناء مسيرنا في شارع في القدس، هجمت علينا وحدة اليسام الخاصة واعتقلتنا. اقتادونا الى المسكوبية وغرف 4 للتحقيق وشفنا الويل واتعذبنا هناك".

ويتطرق فرّاح إلى مقارنة موجعة مليئة بالعنصرية الإسرائيلية عندما يتحدث عن ضياع ثلاث سنوات من عمرهما بسبب النية المزعومة فقط، بينما حوكم في اليوم نقسه الذي تمت فيه محاكمة شادي، جندي إسرائيلي بتهمة قتل الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في مدينة الخليل، رغم أنه كان مُصاباً ولا يقوى على الحركة وقتها (كما وثقت الكاميرات)، ولم ينل الجندي الإسرائيلي سوى حكم السجن لثمانية أشهر فقط. أما نحن الاطفال فمجرد "حكينا"، تم أسرنا 3 سنوات.

وحول وضع الأطفال الأسرى في سجون الإحتلال، بيّن شادي فرّاح أن أوضاعهم وراء القضبان صعبة للغاية، مشيراً إلى أن مكان اعتقاله كان بعيداً جداً من القدس، بواقع 7 ساعات ذهاباً وإياباً، ولم تتجاوز مدة الزيارة الـ40 دقيقة، فيما حُرم من رؤية والدته مدة خمسة أشهر متواصلة.

وفي سياق حديثه عن التعقيدات التي يواجهها الأسرى الأشبال في سجون الإحتلال، استذكر فراح قصة استشهاد الطفل محمود بصيلة بسبب سكتة قلبية، مُبيناً أنه لم يسمع به أحد ولم يسلط الإعلام الضوء عليه.

وانتقد فراح، الاعلام والمراكز الحقوقية في عدم تسليط الضوء بشكل كافٍ على اوضاع الأسرى الأطفال بالشكل الكافي.

وحول سؤاله عن الوسيلة الإعلامية المتاحة لهم في السجون لمتابعة أخبار مَن هُم في الخارج، يوضح: "كان بإمكاننا الإستماع لراديو واحد فقط، مرة أو مرتين اسبوعياً، عدا عن إمكانية مشاهدة تلفزيون فلسطين الرسمي في بعض الأحيان، لأنها وسائل كانت تخضع للتشويش من قبل إدارة السجن لعزلنا عن الخارج".

ولأن الإحتلال لا يكتفي بتعذيب الأطفال وكسرهم معنوياً بشتى الوسائل بذريعة أنهم مقدسيون ويُعزلون عن أسرى الضفة الغربية وغزة، فقد كان نصيب الفتيين المقدسيين شادي فراح وأحمد الزعتري بأن وُضعا في مركز "احداث" في طمرة شمال فلسطين، مع نزلاء جنائيين في السّجن، وترواحت تهمهم بين الإتجار بالمخدرات والسلاح والإغتصاب والقتل.

ويشير فراح الى تعرّضه ورفيقه احمد لمضايقات من قبل "السجناء الجنائيين" في بداية اعتقالهما، لكن فراح قال إنه تعامل معهم ومع إدارة السّجن بقوة شخصية، لدرجة أنه قاد "تمرّدين" خلال فترة اعقتاله ضد إدارة السجن وممارساتها اتجاههم. 

ويضيف فرّاح: "كنت مسؤولاً عن التمرد وتمت محاكمتي بسبب ذلك. وقد خضت مرة تمرداً مدة 4 اشهر، بحيث بقيت في غرفتي طوال الـ24 ساعة يومياً احتجاجاً على القوانين والمعاملة". ويتابع فرّاح "أعطتنا إدارة السجن الإسرائيلي دواء فيه نوع من المخدرات لمدة اسبوع ونصف الأسبوع، وعندما عرف والدي أبلغ الصحافة".

بدا فراح حزيناً عندما سألته "المدن" عن التغير الذي لمسه في البلد بعد ايام قليلة من تحرره، فأجاب مع تنهيدة قوية: "تغيرت كثير اشياء بالبلد.. المباني، الناس. اصحابي كبروا، اخوتي وعيلتي.. حتى الناس تغيرت... بتوجع لأنه شعبنا بضعف أكثر وأكثر".

وعما يخطط له شادي فراح في المرحلة المقبلة وبعد استنشاقه لهواء الحرّية، يقول "أنوي مساعدة الاسرى وعائلات الشهداء وأهلنا في غزة حتى لا يمر أحد بالتجربة التي مرّيت فيها".

والحق، أن ما سرده شادي فراح من معاناة وتوق للحرية والحياة، يتقاطع به مع باقي الأسرى الاطفال في سجون الإحتلال. وهي تفاصيل متواضعة يكاد الإعلام، وحتى منصات التواصل الإجتماعي، يفتقر لها، فنرى شعارات، لا كشفاً لحقائق حول ما يتعرضون له. والكلّ في ذلك مُلام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها